Mr. Jackson
@mrjackson

بهاء الحريري: تكامل مع القوّة السنية الكامنة أم أسير اللعبة التقليدية؟

أحمد الأيوبي

عاد الحديث عن عودة بهاء رفيق الحريري إلى لبنان واستعداده للإقامة الدائمة وإطلاق عمله السياسي بعد أن حسم أمره وحدّد الموعد لهذه العودة بعد عيد الأضحى، على أن يقوم بجولات على المناطق لتكون لقاءاته بمثابة ورش عمل سياسية وتنموية على أن تكون لطرابلس والمنية الضنية وعكار مكانة وازنة وأن تأخذ أولوية واضحة في اهتماماته من دون أن يُسقط المناطق الأخرى عاصمة وبقاعاً وجنوباً، حيث يتوقع أن يكون مقرّ إقامته في فيلا «مجدليون» بعد أن تنتهي مرحلة التقديمات المجّانية الطويلة لساكنيه الذين كانوا يرفلون بالعطايا وعندما اقترب بهاء من السياسة أشهروا كلّ أسلحتهم المشروعة وغير المشروعة في وجهه. ولهذا من المتوقع أن ترتفع وتيرة التحريض ضدّ بهاء الحريري في قادم الأيام، من دون أن يغيّر ذلك شيئاً في القرار وفي النتائج.

أدرك بهاء الحريري أنّه لا يمكن قيادة العمل السياسي من خارج البلد، وربما كان يدرك ذلك لكنّه انتظر ظروفاً إقليمية أكثر ملاءمة لعودته، خاصة مع تعزّز المعطيات بأنّ الرئيس سعد الحريري بات أقرب إلى الحياد الدائم في العمل السياسي، وفق ما يأتي به زواره ومقرّبون منه في مجالسهم الخاصة، بل وتذهب مصادر إقليمية إلى توقع أن يكون هناك نوع من التفاهم بين الأخوين للحفاظ على ما يمكن استنقاذه من إرث الحريرية السياسي.

لا شكّ أنّ أمام بهاء الحريري تحديات كثيرة، منها ما يتعلّق بممانعة بقايا «تيار المستقبل» الذين يتنازعون النفوذ على بلدية بيروت وبعض المواقع الأخرى، ويتحدون على مهاجمة أيّ خطوة له في الساحة اللبنانية، من دون أن يقدّموا حلولاً للأزمات المحدقة بأهل السنة، سوى ما يمكن لكلّ طرفٍ منهم تحقيقه من مكاسب في «غيبة سعد» الطويلة، وهذا ما يفعله الوزير الأسبق محمد شقير وأحمد هاشمية وأحمد الحريري.

كذلك يواجه بهاء الحريري عدم ترحيب الطبقة السياسية به إجمالاً، لأنّه سيشكل نموذجاً مختلفاً عنهم في المنطلقات وأشكال العمل والأهداف، وهذا ما ظهر على ألسنة بعض النواب وتحفّظ بقية الأحزاب. وإن كانت عودة بهاء إلى الساحة يمكن أن تخلط التحالفات السياسية وأن تبدأ الهزّات الارتدادية فيها إذا أحسن استقطاب النخب السياسية، وتمكّن من خلق توازن جديد يسمح بتكوين مسار يجد فيه السنّة القوة لتقديم أنفسهم مكوناً شريكاً بكامل طاقته في المعادلة الوطنية. يبقى التحدّي الأهم أن يتمكّن من إنشاء مشروع سياسي مبني على قاعدة مؤسساتية وعلمية، وأن يتجنّب استسهال الإستقطاب والتجميع ممّا «هبّ ودبّ» فهذه الأساليب كانت أحد أقوى أسباب فشل شقيقه سعد، وستكون سبب فشله، خاصة أنّه وقع فيها خلال تجاربه وهو خارج لبنان. فالقاعدة التي تحكم عمل بهاء هي أنّ الفشل ممنوع.

ليس باستطاعة بهاء الحريري أن يعتمد أسلوب تجميع «المفاتيح» في بناء منظومته السياسية والإجتماعية والتنموية والإعلامية. فهؤلاء «المفاتيح» بات يعلوها الصدأ ولم تعد تصلح لفتح أيّ باب، خاصة أنّها كانت أحد أسباب الفشل الكبير الذي وقعت فيه أغلب القيادات السنيّة، ولا يمكن لمسيرة بهاء أن تنجح إذا أعاد لملمة عدّة أخيه، كما أنّ أسلوب التجميع العشوائي من دون التمحيص بالأشخاص سبق أن أوقعه في تجاربه السابقة في أفخاخٍ دفع ثمنها باهظاً بالمال والسياسة وجلب له انتقادات يُفترض أن تكون عامل تصويب صارم في المرحلة الراهنة.

لا شكّ أنّ عودة بهاء الحريري تُشكّل فرصة لإضافة الحيوية إلى الشارع السنّي، لا سيّما إذا باشر الإستجابة للمتطلبات التنموية المُلِحّة في كلّ المناطق السنيّة التي عانت وتعاني حرماناً مضاعَفاً على جميع المستويات وتخرقها الآفات من كلّ حدبٍ وصوب، ويمكن للخطوات الناجحة أن تختزل الكثير من المراحل التي تستطيع بناءها نُخَبٌ حقّقت التميّز والتقدّم والتفوّق في مجالات السياسة والفكر والاقتصاد والإعلام، لكنّها تعاني من سحق السياسيين لها الذين أرادوا تحويلها إلى «واجهات» جميلة بلا فعالية ولا أدوار. وهنا تكمن القوة الحقيقية التي يمكن أن تلاقي بهاء الحريري في محاولته الأولى والأخيرة في لبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *