أحمد الأيوبي
ليس أمين سلام الوزير الأول ولن يكون الأخير الذي يواجه منظومة السلطة العميقة المغلقة التي لا تقبل دخول أحد إلى نادي الحكم إلاّ إذا كان مثلها وبمواصفاتها، ملوَّثاً يسهل ابتزازُه وملوِّثاً ناشراً للفساد ليصلح شريكاً في التركيبة. ومنذ بداية توليه مقاليد وزارة الاقتصاد كان واضحاً أنّ أمين سلام يريد أن يقوم بدوره وصلاحياته بشكل كامل سواء فيما يتعلق بالمهمات التنفيذية أو بالواجبات الرقابية وصولاً إلى الإحاطة بسلامة الاقتصاد الوطني بقطاعاته المختلفة وهو قام به من خلال نشاطه الداخلي، ومن خلال علاقاته الخارجية وخاصة دول الخليج العربي وتحديداً دولة قطر التي أعلنت وأبلغت الجميع أنّها مستعدة للمساعدة الفعالة في قطاع الطاقة النظيفة بداية، وفي سائر المجالات الأخرى لاحقاً.
تأمين الاستقرار في عمل وزارة الاقتصاد
بنى أمين سلام طريقته في العمل على مراكمة الخطوات العملية التي تستجيب للأزمات كما هو الحال عندما تحرّك لتأمين قرض من البنك الدولي بـ150 مليون دولار نظراً لغياب الرؤية وعدم وجود أهراءات طوارئ خارج بيروت لتأمين المخزون الاستراتيجي في كلّ المحافظات وهذا ما كشفت سوءاته جريمة تفجير مرفأ بيروت، ويمكن القول إنّه الوزير الوحيد الذي ليس لديه مشكلة تمويل في وزارته ولا في الأمور اللوجستية لأنّه أمن قرضاً يضمن الاستمرار حتى العام المقبل يشمل المواد الأساسية المتعلقة بالقمح والطحين والخبز وغيره.. بينما تعاني سائر الوزارات وعلى رأسها وزارة المالية من غياب الخدمات بحدودها الدنيا، نزولاً إلى انعدام الحبر في طابعة الإيصالات لمن يدفع ما عليه من ضرائب ورسوم للدولة!
استخراج عرض الدعم القطري من أدراج الحكومة: التواطؤ مع مافيا المولدات
خلع أمين سلام أبواب خزائن مقفلة لملفات باتت قيد الاحتكار المُحكَم من طفمة السلطة القائمة، فكيف له أن يُحرِج الحكومة بالكشف عن العروض القطرية في مجال الطاقة، وهو القطاع الذي تتقاسم فيه السلطة المغانم مع مافيا المولِّدات بشكل متوحش، وحسابات الأرباح الخيالية الناتجة عن تجارة المولّدات ما بين المازوت وقطع الغيار مع ما فيها من مصالح خفية تشكلها سوقٌ تتألف مما يزيد عن 450 ألف مولد منتشرة في الأراضي اللبنانية بالتوازي مع فواتير شديدة الفوضى تضرب أعناق المواطنين بأرقام خيالية اتضح خطؤها حتى باتت هناك قناعة لدى أغلب اللبنانيين بأنّ ما يجري متعمَّدٌ ومقصود بهدف إكمال نهب الشعب وتدميره بعد كوارث الانهيار المالي وجريمة تفجير بيروت وكسر القانون وتحطيم مؤسسات الدولة جهاراً نهاراً وضرب ما تبقى لها من هيبة ومكانة.
تجرّأ أمين سلام وطالب الحكومة بأن تُخرج من أدراجها العرض القطري النائم في أدراجها منذ أشهر مديدة حتى علاه الغبار،الأمر الذي كشف أهمية الضغط الذي مارسه سلام لوضع هذا الملف أمام الرأي العام وكشف الاستخفاف الذي يتعامل به البعض مع الملفات الحيوية.
المعركة ضدّ الفساد في قطاع التأمين.. أو الفخّ السياسي المنصوب
دخل أمين سلام حقول الألغام لشبكات المصالح العميقة في مجالات الاقتصاد الممتدة في سراديب الفساد وتبادل المنافع والدوائر المغلقة، حيث لا يرى الناس سوى رأس جبل الفساد بقضية يجري طرحها على الأرجح لتنفيس الاحتقان العام أو لإلهاء الناس عن القضايا الأهم.
ولعلّ المفارقة الأكثر غرابة هي الاتهامات التي طالت وزير الاقتصاد في عمله في قطاع التأمين، حيث تمكّن من تأمين استمرارية قطاع التأمين بعد انهيار الضمان الاجتماعي وباقي المؤسسات الضامنة فوفر التأمين الصحي لخمسمائة ألف لبناني وأكثر من 275 ألف مصلحة ووفـّر له الحماية والرعاية لضمان الاستمرار في ظروف هي في الأصل حالة طوارئ، لأنّ هذا الجهد هو لسدّ عجز الدولة الناجم عن سوء الإدارة وسوء الرؤية لأربعين عاماً فائتة. وهذا ما يغفل عنه الكثيرون لأنّ التأمين هو شبكة أمن اجتماعي لا تقلّ أهميته عن أهمية القطاع المصرفي في لبنان.
ولأنّ قطاع التأمين بهذه الأهمية وفيه الكثير من “مناجم المال” والبنى التحتية للمصالح، عمل المتضرِّرون من إنجازات الوزير سلام على استهدافه في هذا القطاع بالذات، ومحاولة توريط شقيقه واستدراجه إلى فخّ يقع فيه ضمن دائرة الفساد لضرب سمعة سلام وتحطيم مسيرته السياسية منذ بدايتها، لكنّ الرجل لم يضطرب ولم يتراجع، وعمل على مسارين متوازيين:
ــ المسار الأول: الاستمرار في عمله ومبادراته داخل وخارج لبنان في محاولة منه لخلق هامش إيجابي فوق تلال الخراب التي ترعاها التحالفات المتسلِّطةُ على الدولة، وهو مسار أنتج العديد من الإنجازات منها الرسمي ومنها ما يصبّ في خدمة الطائفة السنية، مثل المساهمة الفاعلة في تأمين المنحة القطرية لدار الفتوى، ومنها تحريك ملف الدعم القطري للبنان في مجال الطاقة والدعم المتوقع لوزارة الاتصالات.
ــ المسار الثاني: هو الالتزام بالقانون والاستجابة للتحقيقات القضائية، حيث حضر شقيقه كل الجلسات وأثبت بالوقائع كذب الادعاءات المتعلقة به، وهذا ما سمح للوزير سلام بعقد مؤتمر صحافي تناول فيه “موضوع شركات التأمين وشقيقه والأخبار المعيبة الملفقة والكاذبة التي صدرت في الأيام الاخيرة”، وقال: “إن وزارة الاقتصاد هي تحت القانون، والجميع يسير وفق القانون. من يتابع مسيرة وزارة الاقتصاد، ويعرف الجهد الذي بذل في ملفات الفساد يعرف جيدا أنها في قطاع التأمين، ومن خلال لجنة الرقابة، مارست دوراً رقابياً كبيراً للحفاظ على قطاع حيوي وشديد الاهمية”.
أضاف: “خلال سنتين ونصف سنة، ومن أجل ألا ينكسر قطاع التأمين، قمنا بدور رقابي، من أجل أن يكون الجميع تحت القانون، وأتت مهاجمتنا أيضا، حين تحدثنا عن الأمور غير القانونية، وبدأ الهجوم علي وعلى شقيقي، وأثبتت كل الأخبار التي انتشرت أن لا صلة ولا دور لشقيقي ولا لي في كل ما جرى‘‘.
وتابع: “رأينا تخبطا إعلاميا في استهدافي وشقيقي. لقد احترمنا القانون، وذهب شقيقي، منذ ٧ أشهر، عند بدء التساؤلات إلى القضاء من دون استشارة محامٍ لأنه واثق كل الثقة بأنّها اتهامات باطلة واستهداف سياسي مباشر. وتم التحقيق معه وخرج من دون أن توجه له اي اتهامات او مخالفات. وصبيحة 16 تموز 2024، بعدما صدر قرار قضائي في هذا الملف، تمت إعادة الملف الى النيابة العامة وحصل تحقيق آخر مع شقيقي، وخرج بكل احترام من التحقيق، ولم يكن في حقه أي علامات استفهام او اتهام، لاننا نحترم القانون، ونحن تحته، ونعرف جيدا ما هو‘‘.
وأوضح أن ’’الفاسدين يحاولون حرف البوصلة من ملفات تحمي مصالح الناس والوطن نحو أمور سخيفة لإلهاء الناس فيها”، وقال: ’’نحن سنقوم بملاحقة كل من يحاول تلفيق هذه الأخبار المغرضة قضائيا، وما أريد التركيز عليه اليوم أن الدور الرقابي مشرف، ونحن ذاهبون حتى آخر الطريق، ومن يظن أنه يستطيع كسري من خلال الألاعيب السخيفة هذه، أقول له نحن دائما بالمرصاد لنعيد بناء هذه الدولة‘‘.
التبرئة القضائية إسقاطٌ للحملات وتأكيد للمصداقية
إنّ تبرئة القضاء لشقيق الوزير سلام تُسقِطُ تلقائياً كلّ الحملات التي استهدفته طيلة المرحلة السابقة، وتكشف أنّ سبب هذا الاستهداف هو اقتحامه لأوكار فساد كبيرة، كما يؤكِّد مصداقية ما أثاره في ملفات الفساد سواء في قطاع التأمين أو سواه، ويعزّز ما قاله عن تخاذل القضاء وربنا بخادم عدد من مواقع النفوذ مع شبكات الفساد القائمة داخل الدولة.
وما يعزِّز مصداقية موقف سلام أيضاً هو أنّه لم يحظَ بأيّ دعم سياسي أو حزبي طيلة فترة الهجوم عليه في ملف أخيه، وهو لا يملك السلطة ولا النفوذ للتأثير على القضاء.. وهذا ما سيعطي أمين سلام اندفاعة إضافية في ملاحقة ’’كل من يخالف القانون سواء أكانت شركة تأمين أم محطة محروقات أم سوبر ماركت سنتابعه، فنهجنا لم يتغير، ولن نخاف الزعرانات‘‘. كما قال في مؤتمره الصحافي الذي ختمه بالدعوة إلى الكفّ عن الاستهداف السياسي “للجيل الذي ما زال يحلم بلبنان الجميل، ودعونا نعمل بطاقتنا الايجابية وبعلاقاتنا الخارجية وبإيماننا بالوطن. كفى عرقلة فالتغيير آت، ونحن سنكون أشرس في مواجهتنا للمرحلة المقبلة وحتى نخرج من هذه الدوامة المظلمة، وسنجتاز هذه المرحلة ونحمي لبنان”.