Mr. Jackson
@mrjackson

سعد الحريري عبر أمينه العام يعتذر.. والعشائر تردّ: نحن كيان سياسيّ مستقلّ

خاص – البديل

أثارت دعوة أحمد الحريري لنفسه لزيارة عشائر خلدة عبر مسؤولين في تيار المستقبل من أبناء العشائر وما حصل من إرباكات في جولته وما رافقها من تضاربٍ في المشهد الإعلامي ممّا أدّى إلى تحويل الزيارة إلى محطة سجال وانقسام، إلاّ أنّ الأهمّ في هذا الحدث هو البيان الذي صدر في خلدة وأكّد جملة حقائق ينبغي الوقوف عندها في مقاربة العلاقة بين العشائر العربية وتيار المستقبل وخلاصة حاسمة، هي تأكيد استقلالية العشائر بشكل واضح عن جميع التيارات السياسية وأنّها باتت لاعباً هاماً على الساحة السنية والوطنية في ضوء قدرة إدارتها السياسية على حياكة علاقات متوازنة مبنية على الثوابت إسلامياً ووطنياً وعربياً.

كيف بدأت الإشكالية؟

بدأت فكرة زيارة أحمد الحريري بمبادرة من منسقي التيار في الجنوب وجبل لبنان بعد انقطاع استمرّ منذ ثلاث سنوات تاريخ استشهاد الفتى حسن غصن وعدم قيام الحريري بواجب التعزية ثمّ تخلّي التيار الأزرق عن العشائر في دفاعها عن نفسها بوجه عدوانية “حزب الله” وصمودها وتقديمها نموذجاً في العمل السياسي يوازن بين الحفاظ على الحق وردع الظلم وبين التمسّك بالسلم الأهلي والشرعية والقانون.

كيف كان رفض العشائر؟

رفض الشيخ زاهر غصن بكل أدب استقبال الحريري برسالة واضحة من شقّين: الأول شخصي له صلة بامتناع الأمين العام للتيار عن القيام بواجب التعزية منذ ثلاث سنوات، والثاني سياسي يرتبط بتخلي التيار الأزرق عن مسؤولياته تجاه العشائر.

كما رفضت العشائر إعداد هذا النوع من الاستقبال في رسالة سياسية واضحة، من دون أن يكون هناك موقف ممانع لأن يستقبله من يشاء من أبناء العشائر، لأنّ بيوتهم مفتوحة للدخيل صاحب الحاجة وعابر السبيل، كما أنّ فضاء الحرية مفتوح ليعبّر أبناؤها عن أنفسهم بالطرق التي يرونها مناسبة.

السقطة الإعلامية والعجز عن الردّ

قدّم الحريري تغطية إعلامية لزيارته يشوبها الاستعلاء والفرض والتجاهل لحقيقة ما جرى من حوارات حامية مع مستقبليه، مقابل نشر مقالات مضادّة أبرزها في موقع “ليبانون ديبايت” حمل عنواناً عنيفاً: “أحمد الحريري أمين عام برتبة غشّاش.. زيارته للإقليم فضحته وعائلة “الشهيد” رفضت استقباله” ليشتعل سجالٌ كان من نتائجه إستجداء الحريري إصدار بيان يوضح طبيعة الزيارة ليقوم موقع “مستقبل ويب” بنشر هذا البيان تحت عنوان “العشائر العربية في خلدة تستنكر تطاول أحد المواقع على أحمد الحريري: زيارته مكاشفة .. ونبقى للسيف والضيف وغدرات الزمن” المجافي لمضمونه، مما أدّى إلى سجال إضافي انتهى بالخلاصات الآتية:

العشائر لا تردّ ولا تصدر بيانات

النقطة الأولى في الشكل:

ليس من عادة العشائر أن تصدر ردوداً في الإعلام حتى على الذين استهدفوها بالحملات المسيئة، ومن باب أولى أن تمتنع عن إصدار بيان بخصوص زيارة الحريري، لأنّها غير معنية بهذا السجال، ولأنّ حقيقة ما جرى خلال الزيارة أكبر من أن يُختصر بأسطر محكومة بالظرف السياسي الذي خرجت فيه.

واللافت أنّ أحمد الحريري لم يستطع أن يردّ مباشرة على مقال “ليبانون ديبايت” بل لجأ إلى طلب إصدار بيان هو أشبه بلائحة إدانة لتيار المستقبل.

النقطة الثانية، في المضمون:

كان واضحاً أنّ حجم الإحراج الذي وقع فيه أحمد الحريري كبير وغير قابل للاستيعاب إلى درجة قبوله بنشر وتوزيع بيان يتضمّن سلسلة إدانات غير مسبوقة لسلوكه الشخصي ولسياسات تيار المستقبل في الوقت نفسه، ومن المهم هنا التوقف عند أبرز ما جاء في البيان:

في البند ثانياً: “جرت خلال الزيارة حوارات شفافة وصريحة تكاد تصل الى الانتقاد القويّ لكل منهجية وأسلوب أحمد الحريري في تعامله مع ملف خلدة، وهنا للأمانة، لقد استمع واقتنع الحريري وحتى أنّه اعتذر حول احدى المسائل تتعلق بملف خلدة (المقصود هنا الاعتذار عن الأداء السياسي لتيار المستقبل)، و في ذات الوقت، و من جهة أخرى شرح الحريري الصعوبات والتحديات التي تواجه التيار هذه المرحلة والتي انعكست على أدائه في ملف خلدة، كما أنّه قدّم شرحاً حول بعض ما ساهم به التيار في هذا الملف من خلال مسؤوليه طوال السنوات الثلاث الماضية “.

يكشف هذا البند أنّ زيارة الحريري تضمّنت سقفاً عالياً من المواجهة، وما لم يذكره البيان ولا المعلومات الصحافية هو أنّه سمع في ديوانية المرحوم الشيخ أبو سلطان شاهين موقفاً حاسماً بأنّ العشائر كيانٌ اجتماعي وسياسيّ مستقلّ وليست في رِكابِ أيّ حزب أو تيار سياسي، فكان جواب الحريري:”بتريحونا” ليكون الردّ أنّ الشعور متبادَل.

العجز عن استيعاب غضب العشائر

أكّد البند الرابع من البيان الصادر أنّه “لمس بشكل واضح تقدير وشعور ولوم وامتعاض العرب، وأنّه هناك قصور وتقصير وعجز و” تخلي” من كافة القوى السياسية والمعنية في بعض مراحل وتطورات الملف (ما عدا دار الفتوى وقيادة الجيش)، وذلك تداعياً لما يمر فيه البلد من مسار اللاتوازن في المعادلة الوطنية في هذه المرحلة، وقد انعكست هذه النقطة تحديداً على عملية العدالة ودور المؤسّسات والدولة في اقرار الحق “، وهذا لم يُذكر في مقال “ليبانون ديبايت”.

وهنا يتأكّد أنّ الحريري لم يستطع استيعاب الغضب العربي لدى العشائر، لأنّه لم يقدِّم ولا يملك القدرة على تعويض تخلّيه السابق أو العمل على حفظ الحقّ والعدالة لشبابهم، خاصة أنّه أعاد معزوفة إخراج القضية “من دائرة الاستغلال السياسي والفتنوي” وفي هذا إشارة إلى رفضه التحرّك الوطني التضامني مع العشائر في لقاء خلدة في 24 نيسان 2023، بمعنى أنّ الحريري يريد إبقاء العشائر في دائرة انتظاره التي ضيّعت الحقوق، بينما تجاوزت العشائر هذا التصوّر القاصر منذ زمن بعيد، بعكس المبالغة التي قدّمها النائب السابق محمد الحجار عند استقباله أمينه العام بالقول:”أننا خارج مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري و”تيار المستقبل” ليس لنا وجود”، وهنا يكمن الفارق بين من تحرّر من ربقة الفشل والتنازلات وبين من بقي على رصيف انتظار كانت نتائجه كارثية في السياسة والاجتماع على حدٍّ سواء.

إعتذار بعد ثلاث سنوات: هل يجبر المكسور؟

وقد توّج البند الخامس من بيان مستقبلي الحريري من أبناء العشائر بوضوح إعتذار الحريري عن امتناعه عن العزية بالشهيد حسن غصن فجاء فيه:”..أما إذا أحدهم اعتذر عن استقبال أحمد الحريري خلال هذه الزيارة، فهذا له اعتباراته ونعذره، إنّما بصراحة هذا الأمر تمّ بلياقة راقية وأناقة فكرية عالية، وقد تفهمها الحريري تماماً، وهذا ما جعله يعتذر علناً أمام مستضيفيه في ديوانية المرحوم الشيخ ابو سلطان الشاهين في خلدة وقال حرفياً إنّه “أخطا بعدم قيامه بواجب التعزية لأسرة الشهيد حسن غصن”، وقد تم هذا الاعتذار بعد حوار مطوّل وشفّاف ودقيق جرى ببنه و ببن إعلاميّ مخضرم من أبناء العشائر في ديوانية المرحوم الشيخ أبو سلطان الشاهين (الزميل علي شاهين) خلال الزيارة.

الحريري خارج خيمة العشائر

أثبتت الزيارة أنّ بيوت العشائر فتوحة للحريري عـُرفاً وتقليداً، لكنّ أبواب قيادتها السياسية موصدة في وجهه، وكان لرفض استقبال الشيخ زاهر غصن لاستقباله معنى واضح، فزمن استغلال العشائر واستسهال تجاوز مصالحها ولّى إلى غير رجعة، وهي تعبّر عن مواقفها بأدبياتها الخاصة بها.

على الحريري أن يعتاد التعامل مع قوم لا ينسون ولا يسكتون عن حقوقهم، وهو يرفضون قطعاً معادلة “لا أريكم إلاّ ما أرى” فالعشائر ترى مصالحها الإسلامية والوطنية والعربية بوضوح وقد نفضت عنها غبار الوصاية وباتت قيادتـُها تـُتـقن إدارة اللعبة وهي خاضت بدون غطاء المستقبل تحديات المواجهة مع “حزب الله” بحكمة بالغة وفتحت صدرها وقلبها في 24 نيسان لكلّ من يريد مناصرتها وتأييد قضيتها المحقّة فغيّب الرئيس سعد الحريري وأمينه العام وتيار المستقبل أنفسهم عنها، فكانت النتيجة بقاءهما خارج خيمتهم فضلاً عن صدرهم وقلبهم وعقلهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *