أحمد الأيوبي
لم يعد هناك شكٌّ في أنّ النظام في إيران عقد صفقة على رؤوس أذرعه في المنطقة نتج عنها هذا الانهيار المتناهي السرعة في الحصانة الأمنية لقيادات المحور، وسقوطها بالتتالي بدءاً من استشهاد إسماعيل هنية في عقر دار المرشد الخامنئي وفي قلب المربع الأمني الخاص في طهران من دون أيّ تفسير مقنع لقيادة حماس التي مُنِعت من المشاركة في التحقيق وليس انتهاءاً باستهداف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وما بينهما من قيادات عسكرية وأمنية تهاوت في ظلّ الذهول المطبق على المسؤولين وعلى الجمهور المؤيد للحزب.
لقد كان اغتيال هنية بمثابة البطاقة الفضية التي قدّمها الإيرانيون بين يدي الصفقة مع الإدارة الأميركية، بعد أن مهّدت بالاغتيال المدبّر لإبراهيم رئيسي الذي ينتمي إلى خطّ الحرس الثوري، بينما كانت البطاقة الذهبية هي كشف ظهر قيادات “حزب الله” وتحديداً أمينه العام حسن نصرالله، كمقدّمة ضرورية لتحقيق التغيير السياسي الذي تريده قيادة الثورة وجوهرُه الانخراط في صفقة مع إدارة بايدن لتحقيق المكتسبات لها من جهة، ولمنع الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب من الفوز في الانتخابات الأميركية.
كان الجميع يرى على الشاشات كيف وصل القصف الصهيوني ذرواته وإيران تستمرّ في كيل المديح لـ”الإخوة الأميركيين” بعد أن أسقطت شعار “أميركا الشيطان الأكبر”.. وقد سمح الحياد الإيراني للجيش الصهيوني بتصعيد العدوان إلى درجات غير محدودة، حتى سحقت الحملات الإسرائيلية “حزب الله” في معقله “السرّي” وحطّمت كلّ منشآته العسكرية والأمنية والاستراتيجية، من دون أن يكون ذلك كافياً ليتحرّك الإيرانيون لنجدة “درّة التاج” الإيرانية في المنطقة والتي كانوا يتفاخرون بالإنجازاتها في لبنان وسوريا واليمن والعراق..
لم يستطع النائب قاسم هاشم إلاّ أن يضع علامات الاستفهام والتعجب والاستنكار للمواقف التي صدرت عن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وشكّلت تخلياً علنياً عن الحزب وهو يتعرّض لأعنف حملات قصفٍ جويّ وبريّ وبحريّ في تاريخه، وإذا كان هاشم قد تحفّظ في حديثه إلى قناة “أم.تي.في” عن اتهام طهران بالمسؤولية عن قتل نصرالله ومن معه، فإنّ الجمهور الشيعي انفجر بشكل غير مسبوق ضدّ النظام الإيراني، وتوجّه مؤيدون الحزب بباقات من الانتقادات وصولاً إلى الشتائم اللاذعة، لأنّهم باتوا على يقين بأنّ الإيرانيين باعوهم وخانوا “سيّدهم” وضحّوا بالحزب لمصالحهم على حساب المقاومين.
الواضح في هذا المشهد أيضاً أنّ إيران وضعت الأغلال في أيدي قيادة “حزب الله” ونزعت منها القدرة على استخدام الأسلحة الاستراتيجية، وهذا مكّن الصهاينة من ضرب أغلب مكامن القوّة لدى الحزب وجعله يتساقط ليبدو أوهن من بيت العنكبوت لسهولة الاختراق وسهولة الوصول إلى “الجوائز الثمينة” التي قطفها الصهاينة، بينما يغرق جمهور “المقاومة” في صدمة تاريخية لأنّهم يدركون في قرارة أنفسهم أنّ “الوليّ الفقيه” كان تاجر قضايا وأنّه استثمر فيهم ليضحي بهم عندما يأتي وقت الصفقات، ولأنّهم يعلمون أنّ بداية النهاية لمشروع الاستيلاء على الدولة والاستكبار والاستعلاء قد سقط ولا رجعة إلى الوراء، وهذا ستكون له تداعيات كبيرة وواسعة سياسياً وأمنياً واجتماعياً، لأنّ الحزب سبق أن تغلغل في جسم الدولة ونخره حتى النخاع.
ماذا ستفعل قيادة “حزب الله” الآن بعد كلّ ما جرى؟
الأغلب أنّ القيادة التالية لن تخرج عن دائرة الخضوع للقرار الإيراني لأنّها تستمدّ منها شرعيتها الحزبية وتراهن على استمرار دعم طهران لها للاستمرار، وهذا مسارٌمحسوم، لكنّ المؤكّد أيضاً أنّ الرأي العام الشيعي الذي دفع أثماناً هائلة بشرياً ومادياً، لن يكون في صفّ القيادة الجديدة للحزب إذا استمرّت في ولائها الأعمى لإيران التي ستواصل القتال بآخر عربي تابع لها.
بات الجميع يعلم أنّ إيران تضع أولويتها في تحقيق برنامجها النووي ولأجله تهون التضحيات، ولو كانت رؤوس من حملوا مشروعها وقاتلوا من أجله في العالم العربي وهي تُسقطهم بالضربات القاضية بالتتابع.. وبات اللبنانيون الشيعة بشكل خاصة يدركون أنّهم سيدفعون المزيد من الأثمان فقط لأنّهم جزء من هذا المحور الذي انفرط عقده وتناثر ولم يعد ممكناً جمعه من جديد.