Mr. Jackson
@mrjackson

أيّ حوارٍ مع خطاب التخوين: بين “فائض القوة” و”فائض الاعتراض”

خاص البديل

أحمد الأيوبي

بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لحرب تموز 2006 أصدر “حزب الله – المقاومة الإسلامية في لبنان” بياناً شاملاً استذكر فيه تلك الحرب وأعاد فيها رواية “الانتصار” ضدّ العدوان الإسرائيلي وما نتج عنه من تحويل لبنان إلى مركز قوة يحسب لها العدوّ ألف حساب، مذكِّراً بأنّ ذكرى تلك الحرب “حفرت عميقاً في الوعي والوجدان ‏الصهيونيَّين”، بعد عجز “آلة القتل” ‏الإسرائيلية، والدعم الأميركي غير المحدود، والحملة ‏الدبلوماسية الدولية غير المسبوقة، و”التواطؤ الداخلي ‏المعيب”، عن إلحاق الهزيمة ‏بالمقاومة الإسلامية في لبنان، ليخلص إلى أنّ “المقاومة الإسلامية في لبنان أنها، وكلّ جبهات ‏الإسناد في ‏محور المقاومة، ملتزمةٌ ثوابتَها “بصورة قاطعة ونهائية”، بشأن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ومنع ‏العدو من تحقيق أهدافه، على رغم ما ‏قدّمت ولا تزال من التضحيات في ساحة الشرف والبطولة “‏على طريق ‏القدس”.

اللافت للانتباه في هذا البيان والسياق الذي يأتي فيه، هو أنّه نسخة مكرّرة لبيانات ما بعد انتهاء حرب تموز 2006 وخاصة عند الحديث عن “التواطؤ الداخلي المعيب” الذي يعكس نظرة “حزب الله” إلى كلّ من يعارض سياساته من اللبنانيين الذين يدفعون الأثمان الباهظة بسبب استفراده بقرار السلم والحرب وما يؤدي إليه ذلك من نتائج كارثية بينما يرتبط الاستثمار الاستراتيجي بالسياسات والمصالح الإيرانية، والدليل على ذلك غرق لبنان في كلّ أشكال الانهيارات والهزائم الاقتصادية والمالية وتحوّله إلى دولة فاشلة منهوبة نتيجة تحالف السلاح غير الشرعي مع الفساد، كما قال أحد نواب الثنائي جميل السيد.

تكمن الخطورة في تكرار المصطلحات واللهجة والموقف ذاته في هذه الأيام بحيث يبدو أنّ “حزب الله” لم يتعلّم أبداً الدروس القاسية منذ خطف الجنديين الصهيونيين وجرّ البلد إلى الحرب ثم انقلابه إلى الداخل بناء على نظرية التواطؤ الداخلي وما تلاها من التخوين الذي برّر جريمة السابع من أيار 2008 وحوّلها إلى يوم مجيد، رغم أنّها كانت يوم عارٍ وطني سقط فيها الأبرياء بشكل عدوانيّ سافر أنتج انقساماً لم يندمل أبداً، بل أورث تصدعاتٍ تهدّد الوحدة الوطنية بالفعل إذا تواصل مسار التجاهل لحقّ القوى السياسية والمراجع الدينية في الشراكة الوطنية وفي تقرير المصير.

هذا مع العلم أنّ ما فعله الحزب في 7 أيار 2008 لم يكن مبرَّراً لأنّه كان يعلم أنّ القرار المتعلق بما يسميه سلاح الإشارة أو الاتصالات التي يستخدم فيها أملاك الدولة العامة، لم يكن ليجد أحداً ينفِّذُه، فلم يكن الجيش في وارد الاصطدام بالحزب، بل تحوّل إلى ناقل للتهديدات، وكذلك قوى الأمن الداخلي لم تكن أفضل حالاً. 

فانقلاب الحزب لم يكن عملياً لوقف تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية، بل كان لكسر التوازن السياسي بقوة السلاح وصولاً إلى اتفاق الدوحة الذي جاء بموبقات الثلث المعطِّل والوزير الملك وغيرها مما اعتُبِر مسامير في نعش اتفاق الطائف.

هذا فضلاً عن أنّ الاعتداءات التي مارسها الحزب وحلفاؤه القوميون لم تطل الوزراء المعنيين بالقرارات في الحكومة، بل طالت الناس في بيروت واستباحت كراماتهم من دون أن يرفّ لهؤلاء جفن، وكأنّ من يقتلونهم ويحاصرونهم صهاينة!

وبينما يواصل “حزب الله” خوض ما يعتبره جبهة إسناد لقطاع غزة وحركة حماس، يواصل انغلاقه العملي على الداخل ويصرّ على رهن رئاسة الجمهورية لحساباته، تعود الحالة نفسها للظهور في التخوين والطعن بالمعارضين الذين يحملون رؤية مختلفة، بل مضادة للحزب، لكنّهم شركاء في الوطن ولهم الحقّ في التقرير والتعبير عن رفضهم لسياسات الانفراد في الحرب والسلم، ولا يؤمنون بنظرية التكليف الإلهي التي اسبغها الحزب على نفسه عندما يذهب إلى الحرب غير سائل عن مصالح الجنوبيين وعن المصالح العليا للوطن، لأنّ حساباته دائماً أبعد من الحدود اللبنانية.

طرح النائب علي فياض ورقة وعناوين للحوار الداخلي وقد لاقت اهتماماً من كلّ القوى السياسية، ومنها القوات اللبنانية التي عقّب عليها رئيس دائرة الإعلام والتواصل فيها شارل جبور بحلقتين متتاليتين كإشارة اهتمام، لكنّها بقيت حبيسة الأسطر والنقاش الإعلامي، ولم تتحوّل إلى مبادرة وطنية مفتوحة تتيح النقاش حولها وتسمح بأن تخلق هوامش حوار حقيقي شفاف يؤدي إلى فتح ثغرات لصالح القواعد الدستورية ويوقف الإصرار على كسر الدستور بفرض حوار محصري حول رئاسة الجمهورية، في محاولة لفرض سابقة يُخشى أن تتحوّل إلى عُرفٍ ثابت عند كلّ استحقاق رئاسي.

يبرز هنا سؤال أساس وهام: هل يتعامل “حزب الله” مع السنة وسائر اللبنانيين كمنتصِرٍ عليهم وأنّه ينتظر الفرصة لفرض التعديلات الدستورية والسياسية لفرض هذا الانتصار بالقوة على الجميع؟ 

هذا السؤال ضروري طرحه الآن، لأنّ المنطقة على مفترق طرق خطر، يحتاج إلى التخلّي عن فائض القوة وفائض الاعتراض للوصول نقاط سواء تغلِّب المصلحة اللبنانية لأنّ انهيار لبنان بتنوعه الذي يضيق به “حزب الله” ذرعاً في كثر من الأحيان، هو الضامن للجميع بمن فيهم الشيعة للبقاء في نظام ودولة وكيان يحفظ الحريات والتنوّع والحق في المعارضة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *