
طارق الحجيري
قبل أسابيع من الذكرى السنوية التاسعة عشر لإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أطلق مناصرو نجله سعد حملة واسعة بعنوان “نزلوا كتار تا يرجع” على أمل أن يعود عن قراره بإستمرار تعليق عمله السياسي ويبقى بينهم.
كل متابع لواقع البلد السياسي كان يعلم أن زيارة الحريري قصيرة لن تطول، لكن بعيدا عن التبصير حول وقتها، لا بد من قراءة واقعية لمسيرة سعد الحريري طوال تسعة عشر عاما من وراثته لوالده.
سعد الحريري مظلوما
دخل سعد الحريري عالم السياسة على دم أبيه، الشاب الذي كان يعيش عالم المال والأعمال والرفاهية وجد نفسه فجأة على رأس تيار شعبي هائل، إنطلق بالسياسة زعيما أوحدا للطائفة السنية وقطبا أساسيا في قوى ثورة ١٤ أذار دون أي إعداد مسبق.
أول قرار سياسي أخذه كان بتأثير وضغط عمته بهية ووليد جنبلاط لخوض الإنتخابات النيابية جنبا الى جنب في التحالف الرباعي مع الثنائي الشيعي، ثم جاءت حرب تموز ٢٠٠٦ وما جرته على لبنان من خراب ودمار، ثم ٧ أيار المشؤوم، إجتياح بيروت وترويع أهلها وقتلهم على يد مسلحي الثنائي الشيعي، ترافق ذلك مع إستمرار حملة الإغتيال والقتل لرفاقه في ثورة الأرز.
هزيمة ٧ أيار المشؤوم سوف تطبع باقي مسيرة الرجل في زواريب السياسة اللبنانية وحفرها الكثيرة.
سعد الحريري ظالما
أعطت إنتخابات ٢٠٠٩ الأكثرية النيابية مجددا لقوى ١٤ أذار، قرر على إثرها سعد الحريري دخول نادي رؤساء الحكومات، لكن للأسف هذا الدخول كان “دعسة ناقصة”، رضخ لميشال عون مرغما بتوزير صهره جبران باسيل وتسليم الثنائي الشيعي الثلث المعطل الذي سيخرجه من رئاسة الحكومة بطريقة مهينة أثناء وجوده في البيت الأبيض.
إثر إسقاط حكومته غادر الحريري لبنان، أقام سنوات عديدة خارجه، لكن عودته كانت وبالا على لبنان، عاد ضمن التسوية المشؤومة بانتخاب ميشال عون رئيسا ورئاسته هو للحكومة التي أنتجت أسوأ قانون انتخاب في تاريخ لبنان.
سعد الحريري الذي قال يوما على منبر مجلس النواب “أنا بي السنة” لم يصن المواقع السنية، بل قدم الكثير الكثير من التنازلات على حسابها، في سبيل صداقته مع جبران باسيل وجوعه للسلطة ومغانمها، أزاح عبد المنعم يوسف من الإتصالات وأحال على التقاعد الكثير من النواب والوزراء الصقور ليستبدلهم بالحمائم والهادئين بناءا لرغبة باسيل أيضا، ووصل به الأمر حد تقبل الإهانات الشخصية من عون وصهره كي يبقى في كرسي السراي الحكومي.
بدل الشروع في بناء شخصيته وتطويرها والعمل على سد الثغرات في قدراته السياسية، مارس الحريري الإبن السياسة بطريقة الخفة والهواية والمزاح، من صورة السيلفي لخلع الجاكيت لكتابة خطاباته بالعامية ( وصل به الأمر حد قول فوج المجولق بدل المجوقل) .
في المحصلة يقول مناصرو سعد الحريري بأنه ضحى بالثروة لأجل الثورة وعمل على تجنيب البلد الحرب الأهلية، لكن دون إجابة أين هي هذه الثورة ماذا فعلت؟ هل لبنان اليوم معافى ينعم بالاعتدال والوحدة الوطنية؟
مرة جديدة يخطئ سعد الحريري بممارسة السياسية العاطفية وللأسف بدعم الثنائي وباسيل الذين يتباكون عليه اليوم! فالحملة الاعلامية الضخمة وتأمين النقل لضمان وجود حشد كبير قرب ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان هدفها توجيه رسالة للسعودية يقول فيها أنه لا زال الزعيم السني الأول في لبنان!! فهل فعلا السعودية تجهل ذلك؟ هل أعطت الرسالة مفعولها؟؟ أم الرد السلبي جاء مباشرة بغياب سفيري السعودية وقطر عن لقائه؟؟
قال الحريري في خطاب تعليقه العمل السياسي أنه عاجز عن العمل والتغيير طالما لبنان رهينة المشروع الإيراني، فما الذي تغير الآن؟ هل خفف حزب إيران قبضته على الدولة أم تغول عليها أكثر؟ هل ترك قرار السلم والحرب لها؟ أم هي من فعلت العكس باعتراف الرئيس ميقاتي؟
أتى سعد الحريري إكراما لروح والده الشهيد، قرأ الفاتحة على ضريحه ذرف دموعه تحت المطر على مرأى محبيه، إلتقى مروحة واسعة من السياسيين ثم غادر على أمل العودة في العام القادم.
تسعة عشر عاما لم يتعلم خلالها الشاب المهذب الخلوق الآدمي سعد الحريري أن السياسة في لبنان فيها كل شيء إلا الأخلاق، أما خطابات الإعتدال والعيش المشترك والوحدة الوطنية والبكاء لا طائل منها بل ستطيل مكوثه خارجه.
سنة لبنان بحاجة لزعيم وقائد شجاع مقدام لا يتنازل لا يساوم شعاره:
وما نيل المطالب بالتمني
لكن تؤخذ الدنيا غلابا
ما استعصى على قوم منال
اذا الإقدام كان لهم ركابا