أحمد الأيوبي

نالت حكومة الرئيس نواف سلام الثقة بعد أن وعدت بإطلاق المشاريع التنموية وخصّت طرابلس والشمال بتشغيل مطار الرئيس رينيه معوض – القليعات والمنطقة الاقتصادية الخاصة وتطوير مرفأ طرابلس في إطار رؤية الحكومة للنهوض الإنمائي خاصة أنّ المطار عالق منذ عقود بسبب الاستهداف السياسي المزمن من قبل نظام الأسد و«الثنائي الشيعي»، والمنطقة الخاصة معطّلة بسبب تواطؤ تيار المستقبل مع النائب جبران باسيل الذي سطا على مشاريع الشمال الإنمائية بالتشبيح السياسي، وقد آن الأوان لتحرير جميع المشاريع الإنمائية ليس في طرابلس والشمال وعكار فقط، بل في كل لبنان.
وكما زار الرئيس سلام الجنوب لتفقّد الواقع وإطلاق الالتزام بإعادة الإعمار، فهو مدعوٌّ لعقد جلسة للحكومة في طرابلس وتأكيد تسميتها «عاصمة لبنان الاقتصادية» والاطلاع على واقع المدينة وعلى مشروع «طرابلس الكبرى» الذي أعدّته غرفة التجارة والصناعة والزراعة برئاسة توفيق دبوسي، وهو يجسِّد الطموح الذي يحمله أهل الفيحاء للنهوض بالاقتصاد الوطني انطلاقاً من مدن الفيحاء لإنشاء منظومة اقتصادية تمتدّ من المرفأ إلى العبدة تنشأ فيها جميع الخدمات الخاصة بالنقل البحري والمناطق الخاصة وتجعل من هذا المشروع منصة إقليمية ودولية للتجارة والنقل الإقليمي والدولي.
والرئيس سلام مُطالَبٌ باتخاذ خطوات سريعة لفرض الأمن في طرابلس، وإنهاء الجزر الأمني التي يغطيها بعض النواب والأحزاب، وأخطرها الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يشكّل مركزه في محلة الجميزات مركز إرهاب وقتل، كان آخر ضحاياه المهندس الشاب زكريا الآغا الذي قتلته ميليشيا القومي بالسلاح غير الشرعي كون الحزب منخرط في الصراع على مافيا المولدات، وهذا يوجب إنهاء نفوذ بعض النواب والحزب القومي الذي يمكنهم من حماية المطلوبين بجرائم القتل وإطلاق النار، وكذلك يوجب فرض قبضة الدولة على المولدات وإلزامها تطبيق القانون وهذا كله يترافق مع إزالة المحافظ العوني الذي طغى وتجبّر طيلة سنوات عهد رئيس الجحيم واستبدّ بمرافق طرابلس والشمال، مما لا يوجب عزله بل ومحاكمته على أذاه الذي تسبّب به في المدينة وفي الشمال عموماً.
والرئيس سلام مطالب بالتعجيل بالإصلاحات القضائية لأنّ كثيرين من القضاة في طرابلس والشمال وربما في كل لبنان، تحوّلوا إلى «حلفاء» لمافيات المال المشبوه وقوى الأمر الواقع، وهذا ما سهّل ويسهّل للمجرمين جرائمهم، ونموذج اغتيال الشيخ الشهيد أحمد شعيب الرفاعي دليل فاقع على كيفية تواطؤ الأجهزة الأمنية والقضائية لصالح الفساد المالي والسياسي وغيرها الكثير من الجرائم المسكوت عنها، وهذا الأمر جوهري لإنهاء ظاهرة حماية بعض النواب للقتلة والمجرمين تحت عناوين مختلفة.
والرئيس سلام مطالَب بإنصاف القطاع الصناعي في طرابلس والشمال بعد أن عانى من سياسات الاستنساب والتمييز التي مارسها الوزير السابق والذي حرك أبناء المدينة من حقوقهم في التراخيص القانونية ربطاً بمصالح الشبكات التي يرعاها «حزب الله» خاصة في مجالات الصناعات التحويلية وإعادة التدوير وغيرها من المجالات.
والرئيس سلام مطالَبٌ باتخاذ القرارات التنفيذية لإنشاء وتشغيل المنطقة الاقتصادية الخاصة وتحريرها من الحسابات السياسية ومن الفساد الذي عطّل إنشائها في الفترة الماضية، رغم أنّ غرفة تجارة طرابلس قدّمت المقرّ والرواتب للإدارة تشجيعاً على إطلاق المشروع من الأوراق إلى التنفيذ. فهناك تركة إدارية سلبية لا ينبغي أن تبقى بل المطلوب جيل جديد يمتلك الكفاءة الإدارية والخبرة والقدرة على إنشاء العلاقات اللازمة لتشغيل وإنجاح منطقة طرابلس الاقتصادية الخاصة.
ولا شكّ أن على الرئيس سلام الاطّلاع على أنّ فندق المدينة معطّل منذ سنوات وسنوات ولم يستطع نواب طرابلس «الفطاحل» الضغط لتشغيله، وأنّ المعرض شارفت مبانيه على الانهيار بعد أن أكلته عوامل التعرية لطول الهجر والتعطيل.. ولا بـُدّ للرئيس سلام أن يعلم أيضاً أنّ المسلخ في عاصمة الشمال معطَّلٌ منذ سنوات أيضاً ولا يعلم لأهلها هل ما يأكلونه لحوم خاضعة للذبح والفحص أم أنّهم يأكلون المتردية والنطيحة أو لحوم الحمير أو حتى الكلاب!!
ولا شكّ أن تشغيل مطار رينيه معوض – القليعات أولوية توجب اتخاذ القرارات التنفيذية وتسريع الخطوات وفتح الباب أمام كلّ فُرَص التطوير لهذا المرفق انطلاقاً من أنّه ضرورة تنموية وليس في إطار كونه بديلاً عن مطار الشهيد رفيق الحريري في بيروت، وأن يُبنى كلّ ذك على القواعد العلمية الصحيحة بحيث يكون المطار مرفقاً منتجاً ومُحرِّكاً للاقتصاد المحلي والوطني.
اللائحة لا شكّ تطول وتستعصي على الاستعراض السريع، لكن يمكن تلخيص هذا المسار بأن يولي الرئيس سلام عناية خاصة بطرابلس والشمال وعكار وأن يكلف فريقاً حكومياً وآخر من كفاءات هذه المناطق بالعمل المشترك على وضع أولويات وترتيبات إطلاق ورش عمل متخصصة في كل القطاعات على قاعدة الشراكة والتعاون لتناقش الواقع وتقترح المخارج والحلول.
أخيراً، فإنّ المجتمع المدني والاقتصادي يجب أن يتحرّك لملاقاة الحكومة بمبادرات عملية تعاونية في مختلف القطاعات لوضع الأولويات والرؤى والخطط المبنية على الشراكة بين القطاعين العام والخاص واستقطاب الاستثمارات والمسارعة في فتح ورشة تشريع لتطوير القوانين التي تسمح بإطلاق الشراكة مع القطاع العام، وهذا كفيل بالبدء في إطلاق العملية التنموية بشكل عادل يواكب الفرصة الدولية والعربية الممنوحة للبنان في ظلّ عهد الرئيس جوزاف عون.