Mr. Jackson
@mrjackson

المقاطعة ثقافة شعب

مصعب الأحمد بن أحمد

يعتدى على الأمة في شتى بقاع الأرض، فيهب البعض للدفاع عنهم  ، فلايجد الأكثرية – مع الأسف- لضعف الامة وتشذمها إلا الدعوة إلى المقاطعة ، فهل المقاطعة سلاح ناجع ، وهل يمكن أن يكون فيه تأديب للاقتصاد الموغل في دماء الناس ؟
يشكك بعضهم في جدواها كما يقلل البعض في القدرة عليها ، ويقول آخرون باستحالتها حيث معنى ذلك أن تركب الأمة الخيول في زمن الطائرات ، ولن تجد ماكينة خياطة لتخيط ثوبا ، اذ الأمة عندنا – مع الاسف – لا تصنع شيئا ذا بال وتعتمد في كل صناعاتها على الغرب في شتى صنوف الحياة .
دعوة لمقاطعة الصين لانه تستضعف المسلمين الايغور ، ثم الهند لان الهندوس يعتدون على المسلمين ويمارسون  حرب ابادة ، ثم البوذيين لانهم يسومون الروهنجا سوء العذاب ، ثم امريكا لانها غزت افغانستان والعراق ، ثم المانيا لانها تدعم اليهود في فلسطين ،ثم فرنسا والدنمارك للاساءة المتكررة للمقام الاعلى ،  ثم دول الناتو لانهم ضالعون في انتهاكات سوريا ، ثم روسيا لذات السبب ، الى آخر تلك القائمة ..
وكلما دهم الناس داهم نسي الناس المقاطَع السابق ودعوا لمقاطعة الجديد ، والغرب يبتسم بخبث وصلف ، وهو يدرك ان المقاطعة لن تؤثر على اقتصاده لانها فورة حليب لاغير ..

فأين تكمن المشكلة ؟
يتعامل الناس عامة من الذكور الذين هم مناط الأمر وعصب الحياة في الامة الاسلامية مع الامور الكبرى معامل المرأة والطفل للأشياء ، حيث هي – في الغالب – لايعنيها الشأن العام مطلقا ولا تقيم وزن جناح بعوضة للوحدة ومعاني القوة ، وتمتلك ذاكرة ذبابة ، فهي فاقدة للمشاعر الانسانية العامة،  فهل رأيتم فتاة تسكب العبرات لأن المسلمين يقتلون في بورما ؟ أو يجوعون في غزة ؟ أو يقتلون في سوريا ؟
سمعت احداهن صوت انفجار قريب فاذهلها ولما علمت انه في الحارة المجاورة عادت لتخيط الثوب وقال الحمد لله ( مو عنا ) أي ليس عندنا
لكنها تسكب العبرات لأن طفلها يبكي دون انقطاع ، وتذرف لمن تعرف انه مرض من محيطها ، وتتأوه لوفاة من التقت به مرة ، وغير ذلك فلا يعنيها الأمر  .
وكذا الطفل يبكي لجوعه يبكي لمرضه يصرخ لاجل لعبته وحسب ..
تعامل العامة مع قضايا الامة بهذه الطريقة يؤدي الى افقاد الاسلحة التي يمتلكها المسلمون قيمتها ، فيصبح أحدهم ولا هم له إلا نفسه ، فإن أسرف في الخير اهتم لأمر عائلته القربى ثم قبيلته وقد يفعل ذلك -على ندرة – لدولته التي حددها الاستعمار  ورسم خريطتها ، ولايعنيه ما وراء ذلك .
هكذا مجتمع اسلامي ليسوا أمة بل ” وهم أمة” وأمة غثاء، وهم عالة عليها بلاشك لانهم يحسبون عليها دون اي فائدة تصل منهم اليها ..
ففي الاسلام (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويردّ عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم..
وفي الاسلام ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)
عندما يقتنع احدهم بمقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض ، وان ما يكون هناك قد يكون هنا وان الجسد عندما ينزف يهوي الجسد كله اخيرا وان السفينة بلا لوح لن تبقى سفينة ..
ولو أن الأفراد تعاملوا مع قضايا الأمة بمنهج حياة ووحدوا القلوب فدعموا كل منتَج اسلامي وكل منتِج اسلامي ،  ونأو بأنفسهم عن كل غربي يستغنى عنه مما يمكن الاستغناء عنه وفهموا فقه التخلي والبدائل والولاء والبراء في سبيل الأمة لنجعت عندها المقاطعة ولاثمرت شجرتها ولأوجعت بسياطها كبرياء الغرب المتأنق ..
ولا اقصد الطعام والشراب والملابس والمعاني الضيقة التي تتبادر للاذهان فهي اسهل ما يقاطع واقرب ما يمكن النأي عنه ، لان بدائله كثيرة ، ولكني اقصد كل شيء غربي ، الثقافة ، الفكر ، العادات ، التقاليد ، المعتقدات ، الاشياء التي لا يستغنى عنها وأما ما لايستغنى عنه فنتعامل معه معاملة أكل الميتة حالة الضرورة ..
وهب مثلا أن المسلمين الذين يمثلون ما يقارب الملياري مسلم ، قاطعوا بهذا المعنى الشامل والافق الواسع الاتحاد الأوربي ، يكفيهم عزا انهم عندئذ قد حققوا وحدة اسلامية في شيء ما ، ويكفيهم انهم اوجعوهم وقطعوا عنا شرورهم وثقافتهم وفكرهم وعاداتهم ثم ادبوهم غاية التاديب لانهم-الاوربيين- يفكرون بمنطلق مادي بحت ومستعدون للطواف حول الكعبة لارضاء من يدفع ، حيث لا مبادئ ولا حاكمية الا للغة واحدة هي المنفعة والمال .
الدول الاشتراكية والليبرالية والعلمانية الماركسية  الشعبوية امريكا روسيا اوربا الصين  كلها تفكر بنفس الطريقة ، حيث طغت المادية عليهم وتسرب منهم الينا – مع الاسف الكثير –
المقاطعة لن تكون ناجعة حتى تصبح منهج حياة ، لا للفرد المتدين بل للمجتمع الواعي ، فلقد وصل الانحطاط والتبعية والتقليد الاعمى موصلا لم يدر في خلد كانت ان يصل اليه الناس حتى جحر الضب لم يعد يتسع لكثرة الواردين ،
التقليد وهوس الموضة والازياء والانجرار وراء الالة الاعلامية والافلام الغربية ودعاة الغزو الفكري هم اولى بالمقاطعة من ماركة احذية وكلهم في السوء سواء ..

والداهية الدهياء ان يظن الناس ان المقاطعة مستحبة او مندوبة كما يشيع دعاة المندي والكبسة وشيوخ البلاط وعلماء السوء ، ممن يحرم المقاطعة دون اذن ولي الامر ، والداهية الادهى ان يعتبروا هؤلاء اولياء امور لهم تجب طاعتهم ، فالاجماع منعقد بين العلماء على وجوب تحقيق المصالح العامة للامة وترك المفاسد وسد الذرائع ، ولا مفسدة اعظم من مال تقوي فيه اقتصاد من يقتل المسلمين ويسفك دماءهم بمالك او يشتم النبي ويهين الاسلام ، او يتقوى على غصب اراضي المسلمين واموالهم .
العدو يقتنص كل فرصة وكل ميدان وكل ثغر لينقضّ علينا ونحن ما زلنا نناقش حكم المقاطعة الاقتصادية، ثم نبكي ونقول لم لا ينصرنا الله تعالى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *