بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات
حسان القطب
قبل اكثر من عقد من الزمن تحدث الملك عبدالله ملك الاردن ،عن ان ايران ترسم الهلال الشيعي في المنطقة وان على العرب الانتباه والحذر من قادم الايام ومخاطر التوسع الايراني…. ونشر موقع (جفرا نيوز) ما يلي.. (كان الملك عبدالله الثاني اول من استخدم مصطلح الهلال الشيعي وحذر منه في تصريحات لصحيفة الواشنطن بوست عام 2004 ، وافردت وكالة رويترز العالمية تقريرا كاملا تناولت فيه دور ايران في المنطقة ، وخصوصا في الحرب بسوريا)…
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تدخلت ايران في الشان السوري لسحق الثورة السورية، ولكنها فشلت وكادت ان تخسر المواجهة، فكانت الاستعانة بدولة روسيا التي كانت تتطلع للتمدد في سوريا ومنطقة الشرق الاوسط، واستعادة بعضاً من حضورها ونفوذها في المنطقة، ولكن بقبول وموافقة وتعاون دولي، يعطيها غطاءً دولياً وقبولاً عربياً والاهم اسرائيلياً..
وهذا ما كان، واشار لافروف وزير خارجية روسيا الى ان اولوية السياسة الخارجية الروسية في سوريا هي ضمان امن اسرائيل… ومع ذلك وافقت ايران وميليشياتها المذهبية على التعاون مع المحتل الروسي، لضرب الشعب السوري وابادة ما يمكن وتهجير ما امكن….؟؟
تصريح لافروف الواضح الصيغة والنص والمفردات والالتزام.. يشير ويؤكد الى ان الغارات الاسرائيلية المتواصلة على المواقع الايرانية والميليشيات التابعة لها، كانت برضى ان لم يكن بتنسيق مع روسيا نفسها.. لاخراج ايران بأقل كلفة ممكنة ولاستنزافها ايضاً في سوريا…
ولكن مع اعلان الحرب الروسية على دولة اوكرانيا المجاورة، ومع فشل الجيش الروسي في حسم المعركة خلال ايام كما كان الانطباع الاولي سائداً.. نتيجة صمود الشعب والجيش الاوكراني، واندفاع الغرب برمته لدعم اوكرانيا بالسلاح والعتاد والمتطوعين.. اضطرت روسيا لمباشرة سحب (55) الف جندي، اي معظم قواتها الموجودة في سوريا لتعزيز قواتها المقاتلة في اوكرانيا.. كما قامت بتجنيد الالاف من السوريين الموالين للنظام الحاكم للقتال الى جانبها في اوكرانيا.. مما يعني ان الفراغ الروسي، سوف يترك آثاراً سلبية على الواقع السوري من حيث الاستقرار مع تراجع القدرات العسكرية، كما من ناحية النفوذ والهيمنة السياسية والعسكرية.. والتي بالتأكيد سوف تنتقل الى القوة الاكبر والاكثر تنظيماً وتمويلاً.. وهي ايران.. وهذا ما اثار قلق الاردن.. فقد قال ملك الأردن: (إن الوجود الروسي في جنوب سوريا كان مصدراً للتهدئة.. والفراغ الذي ستتركه روسيا في سوريا ستملؤه إيران.).. كلام الملك عبد الله يتضمن رفض الوجود الايراني..؟؟
حاول بشار الاسد طمانة العرب، لذا زار دولة الامارات بتشجيع روسي، طمعاً في الحصول على دعم عربي، لتحقيق شيء من التوازن مع الوجود الايراني، ولكن لم تثمر الزيارة ولم تحقق الغابة المرجوة منها..
ثم كانت زيارة طهران مؤخراً واللقاء مع مرشد الجمهورية، لتنسيق المواقف ورسم الخطوات المقبلة.. لضمان بقاء النظام وتمويله حتى لا ينهار نتيجة العقوبات والضغوطات الاقتصادية، كما لتغطية الفراغ الروسي المحتمل… ولكن الواقع الايراني الحالي لا يبشر بالخير..
ايران الان تعاني من ازمة داخلية، سياسية وشعبية وامنية واقتصادية خانقة ..تمنعها من نشر المزيد من المقاتلين في سوريا.. وكذلك استحضار مقاتلين افغان، نتيجة التوتر والمناوشات المتواصلة مع طالبان على الحدود الايرانية – الافغانية.. وايران بحاجة اليها..
ميليشيات الحشد الشعبي العراقية، خسرت الانتخابات التشريعية، ومنقسمة على بعضها.. وتتعرض لضربات جوية متواصلة مع تراجع شعبيتها ومؤيديها في الداخل العراقي..
حزب الله في لبنان.. يعاني هو الاخر.. فقد خسر الانتخابات التشريعية.. ولبنان يعاني من ازمة اقتصادية خانقة، والتوتر على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية بلغ اعلى مستوى.. الى جانب الانقسام السياسي والاجتماعي بين اللبنانيين.. اضافة الى تورطه في حرب اليمن..؟؟
كذلك لا يمكن تجاهل او نسيان العامل الاسرائيلي لذا نسأل ..هل تقبل اسرائيل بتغيير خارطة جنوب سوريا، مع خروج القوات الروسية.. لذا لاحظنا الغارات الاسرائيلية المكثفة مؤخراً..؟؟؟
فهل يتحمل الاردن هذا الواقع المستجد.. وعودة الميليشيات الايرانية الى جنوب سوريا والى الحدود السورية – الاردنية..؟؟
ان من الواضح ان الاردن لا يستطيع تحمل حرب استنزاف او ضغوطات امنية على حدوده مع سوريا، ومواجهة ميليشيات لا يعنيها حجم الخسائر البشرية والمادية امام تحقيق وانجاز مشروعها الديني في المنطقة وتكريس وجودها وهيمنتها السياسية والعسكرية.. وتحقيق التغيير الديموغرافي المناسب لترسيخ بقائها في سوريا وخاصة على حدود الاردن.. وانجاز الهلال الشيعي لخدمة استراتيجية ايران.. مما يعني ان الاردن هو الهدف التالي لهذه الميليشيات وراعيها الايراني….؟؟؟
لذلك وتحضيرا لمتغيرات قادمة بدانا نرى ونسمع ونقرا البيانات الاردنية المتكررة التي تتحدث عن دور الميليشيات المؤيدة لايران في تهريب المخدرات عبر الحدود السورية – الاردنية وتسمية حزب الله بالتحديد على انه راعي هذه الحملة وداعمها لتهديد الامن الاجتماعي للدول العربية وخاصةً الاردن والخليجية منها..؟ .. بحسب موقع العربية نت.. التي نشرت التالي..(عاد مجدداً إلى الواجهة ملف تصنيع المخدرات، ونقلها بين لبنان وسوريا، بعد إعلان الجيش الأردني اليوم الأحد تنفيذ عملية نوعية على الحدود السورية الأردنية أدت إلى مقتل 4 مهربين. فيما أكدت مصادر مطلعة أن أحد القتلى على صلة بميليشيات حزب الله اللبنانية، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. إلى ذلك، لفتت المصادر إلى أن المجموعات المرتبطة بـحزب الله، والفرقة الرابعة التي يرأسها شقيق رئيس النظام السوري، ماهر الأسد، كثفت مؤخراً عمليات نقل المخدرات من لبنان إلى مناطق بمحافظة درعا والسويداء، بهدف إدخالها إلى الأردن وغيره من الدول العربية..)..
وانطلاقاً من الواقع الاردني .. نتوقف عند بعض الملاحظات والمؤشرات والنقاط التالية:
الاردن يعاني من ازمة اقتصادية خانقة ولا يملك امكانية التعرض لحرب استنزاف في مواجهة هذه الميليشيات الدينية..
الاردن لا يتحمل ان تنتشر على ارضه صناعة واستهلاك المخدرات لما تشكله من تهديد لامنه الاجتماعي والاقتصادي..
الاردن لا يتحمل ان يكون ممراً برياً لتصدير المخدرات الى الدول العربية المجاورة.. لانها ستشكل فرصة لتنامي مجموعات مسلحة تحمي هذه التجارة وسوف تسيء لعلاقات الاردن مع جيرانه العرب..
إن اي خلل امني في الاردن سوف يهدد استقرار النظام الذي يعاني من ازمة سياسية وخلافات حادة ضمن العائلة المالكة (الصراع مع الامير حمزة شقيق الملك عبدالله والذي وضع قيد الاقامة الجبرية)
مع ذلك ولمواجهة هذا الواقع فإن الاردن يملك نقاط ايجابية لصالحه كما انه بحاجة لمشهد جديد على الساحة العربية والدولية…
من هنا فإن الاردن سوف يستفيد من حجم واهمية الغارات الاسرائيلية التي تستهدف الحشود الايرانية ضمن سوريا والفاقدة للغطاء الجوي او الدفاعات الجوية..لاضعافها تمهيداً لتصفيتها..
الاردن يملك علاقات طيبة ووطيدة مع العشائر العربية المنتشرة على جانبي الحدود، وبالتالي لن يواجه مشكلة في التدخل لضبط الوضع والقضاء على هذه الميليشيات الايرانية مستفيداً من وجود قاعدة التنف الاميركية في المنطقة وتضامن ابناء المنطقة الذين يتطلعون للخلاص من ظلم وقهر هذه الميليشيات والفوضى المنتشرة..
الخلاصة.. لذلك فإن امكانية التدخل الاردني في جنوب سوريا لتغيير الواقع الامني والعسكري واعادة ضبط علاقات مكونات المنطقة مع بعضها البعض وحماية الاقلية الدرزية التي تتعرض لضغوطات من ميليشيات النظام وتلك المؤيدة لايران..قد اصبح بالغ الاحتمال، برعاية ودعم عربي ودولي وقبول اسرائيلي وربما مشاركة ايضاً…. والاشارات والبيانات المرتبطة بمواجهة عصابات نشر المخدرات وتوزيعها وتسويقها وتسمية من يقوم بها ويقف خلفها.. تشكل تحضيرا اعلامياً ومعنويا ونفسيا ..وتعطي مبررا كافيا للتدخل..
اضافةً الى ان الوضع الداخلي الاردني اصبح بحاجة لصدمة جديدة تاخذ انظار الاردنيين من معاناة الازمات الداخلية سواء السياسية منها او الاقتصادية الى الانتصار في مواجهة عدو متربص ومخاطر حدودية ووجودية تتمثل في انتشار ميليشيات فوضوية ومنع توزيع وتسويق مخدرات تستهدف جيل الشباب والامن الاجتماعي الاردني والعربي، الى جانب حسم المخاطر الامنية التي تستهدف استقرار الاردن والدول المجاورة..
فهل يغير الاردن المشهد العسكري والامني كما السياسي في سوريا كما مستقبل المنطقة…!!