لصالح من سلخ السنة عن العرب؟
أبعد من الانتخابات.. سياسات الذلّ والاستسلام وبيع أهل السنة لإيران

أحمد الأيوبي
لم يعد خافياً أنّ الرئيس سعد الحريري يتدرّج في إعلان عدائه الواضح للمملكة العربية السعودية حتى يكاد ناشطو تيار المستقبل يعتمدون نسخاً طبق الأصل عن خطاب “حزب الله” في إعلان العداء المباشر لها وقد بدأ جيشه الالكتروني يضخّ في هذا الاتجاه بشكلٍ واضح في الأيام الأخيرة، وذلك على خلفية الموقف من الانتخابات النيابية وإصرار الحريري على تقديم المقاعد السنية بشكل مكشوف لـ”حزب الله”، مقابل دعوة السفير السعودي أهل السنة للمشاركة في الاقتراع، دعماً لموقف سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.
عشية إعلان الحريري تعليق عمله السياسي، إنزلق أنصاره إلى مهاجمة السعودية، لينتقل خطاب الكراهية تجاه الرياض من الصالونات إلى الشارع، ومن يسمع أنصار الحريري على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يهاجمون المملكة، يدرك أنّ مرحلة الضبابية في الموقف قد انتهت بين الطرفين، بعد أن باشرت صحيفة عكاظ السعودية كشف الحقائق المرتبطة بموقف الحريري السياسي والانتخابي.
نهاية الالتباس وبداية الانقلاب المعلن
إنتهى الالتباس في موقف الحريري من السعودية بعد أن كان الخلاف الفعلي قد بدأ على خلفية تفريط الحريري بالتزاماته السيادية وبدء تسوياته الخطرة مع “حزب الله”، وصولاً إلى تفريغ المحكمة الدولية الخاصة من مفاعيلها تحت ذريعة رفض الفتنة، لنكون أمام بداية انقلاب معلن من الحريري على كامل تحالفاته العربية واللبنانية.
لم يعد هناك مجال للشكّ بأنّ الحريري انتقل إلى معسكر الممانعة، وهو يراهن على إسقاط البلد بيد “حزب الله” ليعود إلى رئاسة الحكومة، وهو في الأصل المرشح المفضل لدى حسن نصرالله الذي بكى على إسقاط حكومته، ونبيه بري الذي جلب له لبن العصفور.
ترويجٌ أزرق للفتنة
بدأ الذباب الأزرق يروِّج للادعاء بأنّ معارضة السعودية ضرورية للحفاظ على الخصوصية والسيادة ورفض التدخلات الخارجية.
وهنا يحضر سؤال وقح: أين كانت هذه الاستقلالية عندما كان الحريري يتلقّى الدعم السعودي ليقوم بنشر مشاريع التنمية في المناطق اللبنانية عموماً والسنية بشكل خاص، وفرّط بما كان مؤتمناً عليه؟
عندما ذهب الحريري إلى بشار الأسد ونام في قصره، نَسَبَ فعلته تلك إلى الإرادة السعودية، وأنّه فعلها امتثالاً للضغط السعودي عليه في إطار ما عُرف بمبادرة الـ”س.س”.
إذا صحّ أنّ سعد الحريري قـَبِلَ بطاعة السعودية وذهب للقاء من اتهمه حينها بقتل أبيه رحمه الله، فلماذا لا “يطيع” السعودية في الالتزام بمبادئ سيادة الدولة والثبات على تحالفاته وعدم تضييع الإنجازات السياسية، ولماذا خالف التوجه العربي العام برفض التطبيع مع السلاح في الداخل وعدم تقديم التنازلات السياسية والدستورية لمعسكر الممانعة؟
كذبة الدفع للحرب الأهلية
من أكثر الدعايات التي بثّها الحريري في الوسط السياسي والإعلامي والشعبي زعمه أنّ الأمير محمد بن سلمان طلب منه الدخول في مواجهة قتالية ميدانية مع “حزب الله”، وأنّه رفض ذلك درءاً للفتنة السنية الشيعية، وهي الدعاية نفسها التي يمشي بها “حزب الله” وإعلامه.
يدّعي الحريري زراً وبهتاناً أنّ السعودية دعته إلى الحرب مع “حزب الله” ليخدم رواية الحزب في الحرب السياسية والإعلامية ضدّ المملكة، بينما هو يتّجه إلى حالة تكفير سياسي وتخوين وطعن بكلّ من شارك في الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً.
واقع الحال أنّ المملكة العربية السعودية وكلّ العواصم المعنية بلبنان الدولة والكيان، لم تطلب فتنة ولا صراعاً ميدانياً، بل كلّ المطلوب، سابقاً وحالياً ولاحقاً، هو مواجهة سياسية مبدئية في إطار مشروع استعادة الدولة، ومقاومة السلاح غير الشرعي، والدليل على ذلك هو حرص الرياض على مشاركة أهل السنة في الانتخابات النيابية، فهي لم تدعهم لتشكيل ميليشيات ولا لافتعال صدامات، بل حرصت على دعم الشرعية وأهمّ أعمدتها الجيش اللبناني، لتأمين الحماية الشرعية للشعب اللبناني.
يريد سعد الحريري بتر أهل السنة وقطعهم عن عمقهم العربي، ليكونوا محاصرين في الزاوية الفارسية، وليعيشوا في ظلّ النموذج الإيراني البائس الذي يتمدّد في لبنان بفضل هذا الكمّ الهائل من تنازلات الحريري، مع عوامل أخرى.
بدل أن يخوض سعد الحريري معركته لاستعادة التوازن في وجه “حزب الله” ينزلق نحو مواجهة مع دار الفتوى وضدّ العرب، فاتحاً الباب لفتنة سنية داخلية، ومستقوياً بحزب السلاح على أهل السنة، لإحلال نواب الخط الإيراني في مناطقهم وإدخال لبنان في عصر الظلام والتخلّف.
أهل السنة مخيّرون الآن بين أن ينجرّوا مع سعد الحريري إلى حظيرة “حزب الله” وبين أن يثبتوا مع المملكة العربية السعودية ويختاروا بين أن يكونوا في معسكر إيران الفارسي أو معسكر العرب والإسلام السمح والثبات على الهوية والانتماء والنضال لاستعادة الدولة من الدويلة، والأهمّ استعادة العمق العربي بأبعاده الكبرى، وليس فقط ببعده الاقتصادي، لأنّ وشائج القربى مع العرب، والخليج خاصة، هي روابط دين وحضارة وإنسانية تسعى للتقدّم في مواجهة ظلام فارس الأسود.
