Mr. Jackson
@mrjackson

سوريا الجديدة ولبنان القديم: متى قيامة الدولة؟

أحمد الأيوبي

 للمرة الأولى منذ تاريخ استقلال لبنان وسوريا ينشأ حكمٌ في دمشق يجاهر باستقلال وسيادة لبنان ويأتي من عُمق صراعٍ طويل مع نظام البعث وآل الأسد تعاقبت عليه أجيالٌ تعرّضت للإفناء الجماعي ووصل أحفاد الناجين منها إلى الشام في الثامن من كانون الأول 2024 ليحرِّروا سوريا ولبنان وسائر المنطقة العربية من إرهاب نظامٍ جمع كلّ أنواع الإجرام بلا منازع وعانى منه لبنان دولة وشعباً.

كلّ ما يجري في سوريا سريع ومنتظِمٌ ومحسوب وجريء ويمهِّد لمرحلة بناء دولة موحدة قوية ومتصالحة مع هويتها وقادرة على التواصل مع العرب ومع المجتمع الدولي، ومن يلتقي بُناة الدولة الجديدة في سوريا يرى شباباً بعضهم لم يتجاوز الثلاثين من العمر، وهم يتولون قيادة مؤسسات دولة كبيرة وهامّة كسوريا، وهم يحملون أفكاراً وتطلعات شبابية للنّهل من التجارب الناجحة في التنمية والسياسة.

وبعكس ما كان يخشاه الكثيرون من أن يسود منطق الحزبية والمحاصصة، أكمل رئيس الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع طريقه نحو ترسيخ منطق الدولة، فأعلن عن حلّ “هيئة تحرير الشام” بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري المرتقب، وسيشكل المؤتمر هيئة تأسيسية يمتدّ عملها لأربع سنوات مقبلة، من أجل صياغة دستور جديد والعمل على إعادة اللاجئين وإعادة إحصاء السكان وغيرها من الأولويات.

حصلت الإدارة السورية الجديدة سريعاً على الدعم العربي السعودي والقطري والبحراني وحصلت زيارات مصرية وإماراتية، بينما كانت مستندة في حركتها إلى قنوات حوار عميقة مع الإدارتين الأميركيّتين الحالية والمنتخبة، ومع عواصم القرار ومع المؤسسات الدولية الكبرى، مما يمهِّد الطريق لقيام دولة عصرية تتلوّن بهويتها الوطنية والاجتماعية، وتنفتح على المحيط والعالم بحيث تشكِّل واحة أمان إقليمية ودولية بعد أن كانت بركاناً لا يهدأ من الحروب والدماء.

هذا في سوريا الجديدة،

أمّا لبنان فإنّه لا يزال قديماً غير قادر على إمداد مؤسساته الدستورية بالتنفس الطبيعي. فرئاسة الجمهورية معلّقة لا قيامة لها، رهينة واقع استمرار أسر لبنان من المنظومة الإيرانية التي رغم خسائرها الفادحة التي تلقتها، غير أنّها لا تزال تمسك بمفاتيح الدولة وتمنع التغيير من الوصول إليها كما حصل عند إجهاض “انتفاضة – ثورة” 17 تشرين الأول 2019 ولا يزال عُتاة المناصب في البلد يظنون أنّ باستطاعتهم تجاوز التغيير السوري بدون تداعياته الطبيعية على الواقع اللبناني.

ليس المقصود بالتداعيات السورية هنا احتمال التدخل السوري في لبنان، بل المقصود هو حسابات الخسارة التي تكبّدتها إيران في سوريا ومعها “حزب الله” بعد انقطاع شريان الإمداد العسكري الآتي من طهران عبر بغداد فدمشق، وتأثير هذا البتر على “الحزب” من الناحيتين الاستراتيجية والسياسية بعد أن فقد الحليف والظهير البعثي وأصبح يواجه استمرار التنكيل الإسرائيلي به جنوباً بعد أن وقّعت الحكومة بموافقة وزراء الثنائي الشيعي على اتفاقٍ يكبّل “الحزب” ويمنعه من الردّ على الانتهاكات الإسرائيلية.

لبنان إذاً ما زال قديماً، وهو يفتقر إلى قيادةٍ سياسية شرعية تطوي صفحة هيمنة محور إيران على الدولة وتفتح الباب لتغييرٍ يريده العرب مبنياً على سيادة الدولة وعلى أن تكون جزءاً من المجتمع العربي والدولي لا أن تكون خنجراً في خاصرة العرب.

يبحث اللبنانيون عن تغييرٍ يلاقي التغيير السوريّ في مآلاته بعد أن شاخت دولتهم وهرمت مؤسساتهم وانهار اقتصادهم، فهل يمكن أن يحصل هذا التغيير “على البارد” وخاطفاً كالتغيير في الشام، بعد أن أصبح الجميع منهكين، أم أنّنا أمام مخاض طويل وعسير؟

يستبشر اللبنانيون خيراً بقدوم الوفد السعودي إلى لبنان بعد غياب طويل، وبعد تعزيز التوازن والاطمئنان إلى مسار التطورات في دمشق، فهل تؤدي حاجة الثنائي الشيعي الملحّة لإعادة الإعمار واحتواء تداعيات الخسائر الهائلة التي تلقاها وانكشاف العجز الإيراني عن إنقاذه… إلى التسليم بدخول مرحلة جديدة يكون عنوانها بناء الدولة الحرة السيدة المستقلة ذات الدور الحضاري المتجدِّد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *