طارق الحجيري
جمعية “بيس أوف آرت” Peace of Art، لم تبق أسيرة التصور القديم والنمط الجامد في عمل الجمعيات كما هو حال أغلبها في لبنان، بل ذهبت كما أراد مؤسسها الأستاذ مهدي يحي إبن بلدة العين البقاعية، لتصبح توأمًا مع التطور الذي يسابق الثواني والدقائق، ومع إطفاء شمعتها الثامنة، بات لديها فريقًا شبابيًا ناشطًا متميزًا.
خلال الحرب العدوانية التي استمرت 66 يومًا، كانت بيس أوف آرت من الجمعيات السبَّاقة في بلسمة جراح الناس وإيوائهم ودرء تأثيرات الحرب عنهم، لذلك كان لموقع “البديل نت” هذه الجلسة الحوارية مع مديرها التنفيذي الأستاذ ابراهيم يحي.
حول التحولاتِ السريعةَ التي شهدتْها الجمعيةُ، استجابةً للأزمةِ الإنسانيةِ الناتجةِ عن النزوحِ المفاجئِ بسببِ الحربِ أجاب يحي:
بقول آلبرت شفايتزر “الإغاثة ليست مجرد واجب، بل هي تعبير عن الانسانية”.
” باغتَتْنا الحربُ على لبنانَ بشكلٍ مفاجئٍ، ما جعلَ عملياتِ الإغاثةِ في الأيامِ الأولى صعبةً للغايةَ، خاصةً في ظلِّ غيابِ خطةٍ واضحةٍ من الدولةِ اللبنانيةِ، هذا دفعَنا إلى اتخاذِ خطواتٍ سريعةٍ عبرَ تفعيلِ أرقامِ الخطِّ الساخنِ، وفتحِ بابِ التطوعِ لتوسيعِ دائرةِ الدعمِ، قمنا باستقبالِ النازحينَ في المدارسِ التي أعلنتْها وزارةُ التربيةِ والتعليمِ العالي كمراكزِ إيواءٍ رُغمَ عدمِ تجهيزها بأبسط التجهيزات، عملْنا على تجهيزِها بالبنيةِ التحتيةِ اللازمةِ، من خزاناتِ مياهٍ وحمّاماتٍ، وتأمينِ مستلزماتِ النظافةِ والملابس وغيرها، كما أنشأْنا مطبخاً ميدانياً خلالَ الأسبوعِ الأولِ، ما مكنَّنا من تقديمِ آلافِ الوجباتِ الساخنةِ للنازحينَ، كذلك لم نغفلْ عن العائلاتِ الصامدةِ في منازلِها، حيث وزعْنا الحصصَ الغذائيةَ والأدويةَ بناءً على احتياجاتِهم”.
اتساع نطاق العمل وزيادة الأعباء
أمَّا عن التحدياتِ الناتجةِ عن توسعِ نطاقِ عملِ الجمعيةِ، أوضحَ الأستاذُ إبراهيمُ:
“منذ الأسبوعِ الأولِ، ظهرتْ احتياجاتٌ كبيرةٌ للنازحينَ، لا سيما الفئاتِ الأكثرَ ضعفاً مثلَ المرضى والأطفالِ وكبار السِّن، ما زادَ الأعباءَ على فريقِ الجمعيةِ، منطقةُ البقاعِ الشماليِّ تحديداً كانتْ من أكثرِ المناطقِ تأثراً بسبب بعدها الجغرافي عن العاصمة واهمال الجهات المعنية لها، إذ واجهْتنا صعوبات بالغةً في التنقلِ، لدرجة إنَّ معظمَ المساعداتِ التي قدمتْها هيئةُ الإغاثةِ لم يكنْ باستطاعتِهم إيصالُها لنا بسببِ الحصارِ الجوي شبهِ الكاملِ، كما أنَّ البنى التحتيةَ شبهُ المنعدمةِ والمستوى العاليَّ من الفقرِ في هذه البلدات المُضيفة زادا من تعقيدِ الوضعِ، بالإضافةِ إلى ذلك، شكّلَتِ الهجماتُ والقصفُ المستمرُّ تحدياً يومياً، لكن إصرارَنا على دعمِ صمودِ أهلِنا كان دائماً على رأسِ أولوياتِنا، تبنَّيْنا مبدأ: “إذا كانَ جارُكَ بخيرٍ، فأنتَ بخيرٌ وهو دافعَنا للاستمرارِ رغمَ المخاطرِ”.
تحديات التمويل وسبل تدبير الموازنة
فيما يتعلقُ بتغطيةِ الأعباءِ الماليةِ المتزايدةِ، بيّنَ الأستاذُ إبراهيمُ أنَّ الجمعيةَ اعتمدتْ على ثلاثِ وسائلَ رئيسيةٍ:
1. إطلاقُ حسابٍ على منصةِ GoFundMe، مما فتحَ البابَ أمامَ التبرعاتِ من مختلفِ أنحاءِ العالمِ.
2. تعبئةُ الجهودِ المحليةِ عبرَ التبرعاتِ العينيةِ والماديةِ من اللبنانيينَ بمختلفِ انتماءاتِهم.
3. التعاونُ مع الجمعياتِ الأهليةِ والدوليةِ، التي قدمتِ الدعمَ عبرَ مبادراتٍ إنسانيةٍ مختلفةٍ.
أضافَ قائلا ً:”نشكرُ كلَّ من ساهمَ وساندَ، سواءٌ بالتبرعاتِ أو بالمساعدةِ العمليةِ، لترسيخِ صمودِنا في مناطقِنا”
التكيف مع المستجدات وتطوير الخطط المستقبلية
عن تأثيرِ هذه التجربةِ على خُطَطِ وبرامجِ الجمعيةِ، قالَ الأستاذُ إبراهيمُ:
“تحملُ جمعيةُ “بيس أوف آرت” على عاتقِها مسؤوليةَ الاستجابةِ السريعةِ لأيِّ حالةِ طوارئٍ مستجدةٍ، وهو جزءٌ لا يتجزأُ من رسالتِها الإنسانيةِ، لقد أصبح لدينا اليوم خطة طوارئ جاهزة ،نتيجة الخبرات التي اكتسبناها خلال هذه الأزمة، نُثَمّن الجهود الجبارة التي بذلها المتطوعون من مختلف المناطق والبلدات مثل الفاكهة، جديدة، الزيتون، رأس بعلبك، عرسال، اللبوة، العين، كما نشكر الجيش اللبناني والاجهزة الامنية على مساندتنا وحمايتنا، الصليب الاحمر، الهيئات الاغاثية في المنطقة الذي قدموا الدعم اللازم، جميع العاملين في البلديات المحلية الفاعلين والمؤثرين، هذا التضامن المجتمعي أكَّد أن القيَم التي عمِلنا على ترسيخها في الوقت السابِق مثل المُواطنَة الفعّالة واحترام حقوق الإنسان، قد أثمرت تعاضداً وتكاتفاً مجتمعياً لم يسبق له مثيل .”
رؤية للمستقبل
اختتمَ الأستاذُ إبراهيمُ حديثَه بالتأكيدِ على أنَّ الأثرَ الإيجابيَّ للجمعيةِ في منطقةِ البقاعِ، خاصةً البقاعِ الشماليِّ، يعكسُ روحَ التضامنِ والعملِ الإنسانيِّ الذي لا يتوقفُ. وأضافَ: “نحنُ اليومَ أكثرُ استعداداً لأيِّ طارئٍ، نعملُ على تطويرِ استراتيجياتِنا بما يخدمُ رؤيتَنا ورسالتَنا الإنسانيّة، فالإنسانية ليست مجرد عبارة تُقال أو شعار يُرفع، بل هي جوهرٌ يتجلََّى في أفعالنا، وحقيقة نُحييها على أرض الواقع”.
للأمانة والتاريخ فإن الجمعيات “بيس أوف آرت” ومثيلاتها من الجمعيات، هي من خففت عبأ النزوح على الناس، ولولاها لضاع النازحون في غابة التغريدات على وسائل التواصل الإجتماعي، والمؤتمرات الصحافيَّة للمسؤولين، بينما تقديمات الدولة شبه معدومة.