Mr. Jackson
@mrjackson

لغة لأجل الوطن

طارق الحجيري

ما يحصل في لبنان منذ أشهر طويلة، ويتكرر حاليًا بشكلٍ مثير للدّهشة والإستغراب، بل للإشمئزاز والنفور، موجة الاتهامات والتخوين المُتَفَّلتة من الضوابط الأخلاقية والوطنية، تَشُنّها جماعة الممانعة وأبواقها ومرتزقتها، باتت تُشًكِّل تهديدًا خطيرًا لما تبقَّى من نسيج وطني وتعايش سلمي بين اللبنانيين، تؤسس لفتن ومشاكل قد لا تُبقي حجرًا على حجر.

أضحى الإسفاف والسفاهة والتطاول على كرامات الناس ورموزهم، نهجًا وديدنًا عامًا لدى المتأيرنين، ضاعت لغة العقل والمنطق، التخوين والتهديد جاهزَيَن ضد كُلَّ من يخالفهم الرأي، رغم معرفتهم أنَّ البيئات المُخَوَّنَة استقبلت العائلات المُهَجَّرَة وقدمت لها الدعم في الأزمة، استضافتهم بكرم وحفاوة وحس إنساني دون مِنَّة، في الوقت ذاته يقابلها المتأيرنون بالنكران والتجريح والتهديد.

رغم تصاعد وتيرة الحرب وقساوتها، بشاعة مناظرها ومرارتها، لم يَتَّعظوا ويخافوا الله في الناس، بل نجدهم مستمرين بحقدهم الأسود فقط لمجرد الاختلاف معهم في الرأي ووجهات النظر، لمجرد أنَّ الأخر ليس نسخة عنهم، هذا ما يُوَّلد الأحقاد المُضَادَّة والتهديدات المُضَادَّة، فأين هي مصلحة لبنان التي يَدَّعون القتال لأجل الحفاظ عليها؟

نعرف جميعًا صعوبة عيشهم بصفة مواطنين لبنانيين فقط وتخليهم عن المفاخرة بالولاء الايراني، كذلك صعوبة عودتهم إلى كنف المؤسسات الرسمية الشرعية، والركون لمنطق الدولة، أليسوا هم من حارب قيامها طيلة أربعة عقود ونصف، لكن زمان “الأول تَحَوَّل” وإعادة الناس إلى حظيرة الخوف بات خَيَالًا وضربًا من المستحيل، لذلك عليهم “حفظ خط الرجعة” مع اللبنانيين بدل تهديدهم.

أكثر ما يحتاجه لبنان اليوم هو بناء وعي جماعي، ثقافة مواطنة فعليَّة، نهج يؤمن بوحدة المجتمع ويبني الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، لا داعي لإثارة خوف الناس، من خطر العودة إلى الحرب الأهلية، فهي بعيدة كل البعد، لا مصلحة داخليّة لأحد بها، ولا أطراف خارجية مساعدة عليها ومستعدة لتمويلها، لكن جماعة الإستعلاء والتخوين ربَّما يدفعهم يأسهم لمحاولة إحراق البلد وهذا ما لن ينالونه.

تحصين السلم الأهلي واجب الجميع، كما هو مصلحة الجميع، يتحقق بالابتعاد عن لغة الكراهية، ونبذ خطاب التخوين والإستعلاء، كذلك منع الاستقواء بالسلاح والاغتيالات، وحدة المجتمع اللبناني يجب أن تكون غاية الجميع وهدفهم، فهي الحصن المنيع والسور العالي، ولا حمايات غيرها، خاصَّة الإرتهان للخارج وخدمة مشاريعه.

قطار الدولّة الفعليّة في لبنان يتقدم، بات قريبًا من بلوغ السكة الصحيحة، فيما مشروع الدويلة يتقهقر في طريق الإندثار، هذه هي الحقيقة التي يحاول البعض تجاهلها، من أراد النجاة والفوز عليه ركوب مركب الدولًّة تحت دستورها وقوانينها وأحكامها، ومن يكابر سيغرق في بحر إيران المغلق ومشروعها العدمي، مشروعها الذي لم ينتج سوى الموت والخراب والدمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *