طارق الحجيري
مهما حاول نظام ملالي طهران، وأتباعه في البلاد العربيَّة تجميل واقع محورهم، حتَّى لو ردّدَت أبواقه موشَّحات الانتصار المٌعَظَّم، ذلك لا يّغَيّر في الواقع ذرة أو قيد أنملة، فنظام العدميَّة والقمع وزرع الفتن يقترب من نهايته المحتمَّة، يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل الموت.
في الحروب الوجوديَّة تسقط كل المعايير، كل التحليلات، تسقط كل دروس وتجارب الحروب السابقة، يبقى الميدان وحده الحَكَم، يعني البقاء للأقوى، عسكريًا لوجستيًا اقتصاديًا، لمن يستند إلى حلفاء أقوياء يسندونه إذا أوشك على السقوط.
المعركة التاريخيَّة الفلانية، الغزوة المقدسة العلَّانية، حكايات وخيالات وجدانية من الماضي، لا أثر ولا تأثير فعلي لها في الحاضر، حيث تتصارع أحدث تقنيات واختراعات العقل الإنساني مع ايديولوجيات لا طائل منها ولا جدوى سوى تغييب العقل ومنعه من العمل والتطور، تمهيدًا لاستتباع الجمهور والسيطرة عليه.
قام نظام الخميني القومي الفارسي، بقناع ديني، وضع أهدافه “تصدير الثورة” و”نشر التشَّيُع والمذهب الشيعي الإثني عشري” عبر استلحاق كيانات، أحزاب، ميلشيات عربية مرتزقة تدين بالولاء والانتماء لنظامه، تفديه بالدم والمال والأولاد، اخترع هذه الكيانات، عبأها ماليًا وايديولوجيًا كي يستخدمها بيادقًَا حين تقضي مصلحته، حتَّى لو اضطر للتضحيَّة بها كما يجري الآن، فأوجب الواجبات وأقدسها بالنسبة إليه، هو الحفاظ على النظام وبقائه حتى لو عبر الحاضنة الاميركية، أليس الخميني نفسه من قال يوما “بقاء النظام أهم من حياة المهدي” ؟؟
فور قيام حركة حماس بعملية “طوفان الأقصى” سارعت ايران للتبرؤ منها، نفت أي علاقة لها أو علم بها، هذه العملية شكَّلت طعنة قاتلة في صدر المشروع الفارسي، كشفت زَيْف ادعاءاته وتجارته بقضيّة فلسطين المُحٍقَّة، بدماء أبنائها وأرواحهم، التزمت الحياد ولم تدخل الحرب، منعت حزبها في لبنان من خوض حرب فعليّة، فقط جبهة “إسناد وإشغال” استغلتها اسرائيل بأحسن طريقة، فعملت على تصفية قيادات الحزب العسكرية والسياسيّة بعد ضرب أغلب مخازنه.
شكَّل تدمير غزة واغتيال قادة حماس ضربة كبرى للحركة وايران، لكِنَّ الضربة القاصمة كانت اغتيال أمين عام الحزب، فقد شَكَّل السيد نصرالله بشخصيته القيادة الفذّة، بالكاريزما وسحره للجمهور، العمود الفقري للمشروع الفارسي عربيًا، خاصة بعد اغتيال قاسم سليماني عام ٢٠١٩.
بعد غَزَّة ولبنان تلقت أذرع إيران في اليمن والعراق وسوريا ضربات مؤلمة، كما تَمَّ توجيه ضربات مهينة لايران في قلب طهران، سواء عير اغتيال اسماعيل هنية في معقل الحرس الثوري، أو عبر ضرب منظومة الدفاعات الجويَّة الروسية الصنع S-300.
على المقلب الأخر يقف نتنياهو في أفضل مكان يتمناه، نقلته عملية “طوفان الأقصى” من متهم مُهَدَّد بالسجن إلى مُرَشح لتبوء مقعد أعظم قادة في تاريخ اسرائيل، فهو الذي يُمَهّد للقيامة الثالثة لها، يشطب أكبر أعدائها، في الظل وفي العلن، تلتف حوله أكثرية تدعمه وتدعوه لشن حرب على إيران وانهاء برنامجها النووي.
النتيجة سواء أعجبت البعض أم لا، تعرَّض مشروع ايران لصعقات مميتة، يستحيل عليه بعدها البقاء حيًا، مهما حاول الترقيع، عبر ارسال المسؤولين السياسيين لرفع المعنويات، أو العسكريين لادارة المعركة، فإن عملية “طوفان الأقصى” واغتيال نصرالله من علامات الأفول النهائي للمشروع الفارسي في بلاد العرب، ومن يعيش يرى بعينيه موت الأوهام الفارسيَّة.