Mr. Jackson
@mrjackson

فرنسا الفوضى الشاملة وقطر التألق في التنظيم وحفظ القِيم: باريس تفشل في الرسالة والتنظيم وتستدرج نقمة العالم المسيحي والإسلامي

أحمد الأيوبي

لا يمكن النظر إلى الفعاليات الدولية في عالم الرياضة على أنّها مبارياتٌ ومنافسات بحتة، بل هي منصات حضارية ثقافية عالمية يُفتَرَضُ بها أن تعزِّز القيم الإنسانية وأن تُسهِم في رفع مستوى التواصل بين الشعوب والأمم، وهذا ما يسري على مجمل البطولات والمحطات ذات الطابع الدولي، بحيث يمكن اختصارها بدبلوماسية الرياضة التي تكسر الحواجز وتقفز فوق السياسة والصراعات العسكرية لتتيح المجال لأشكال التواصل التي تسمح بتخفيف التوترات وتفتح الباب للحوارات الجانبية وغير المباشرة، كما أنّ هذه المؤتمرات الرياضية فرصة لتعزيز القيم الإنسانية الجامعة، ورفع شأن الأخلاقيات العامة، وعندما تعاكس هذه الرؤية تخرج عن رسالتها وقيمتها الكبرى.

قطر: النموذج الناجح في الرسالة والقيم والأمن

في استضافة قطر لبطولة كأس العالم  لكرة القدم 2022، قدّمت الدوحة سلسلة من الرسائل الحضارية والإنسانية المكثفة التي اعتمدت على تكريم الهوية العربية والإسلامية بالتوازي مع الانفتاح على العالم بثقافاته المتنوعة وإتاحة التعريف بها قدر ما تسمح به العملية التنظيمية لتلك البطولة، كما استثمرت القيادة القطرية في توفير الأمن وسهولة الانتقال والمرافق والبنى الأساسية، مما جعل تلك استضافة محطة تاريخية يصعب الوصول إلى ذروتها مع من يليها، بالنظر إلى الى الاستثمار البشري والمالي الضخم الذي خصّصته الدوحة لإنجاح البطولة، والأهمّ اعتناء القطريين بتظهير القيم الأخلاقية والإنسانية المحافظة على احترام الأديان والثقافات بكل احترام وتقدير.

فرنسا ماكرون: الفشل الشامل

في المقابل، سقط الاستعراض الفرنسي الذي أتى بالوفود إلى حفل إطلاق الألعاب الأولومبية عبر نهر السين بعد أن تحوّلت هذه المناسبة إلى سلسلة من الإخفاقات المعنوية والتنظيمية التي أفقدت هذه المناسبة ريقها ورونقها الذي يُفترض أن يسيطر على الأجواء. فقد عجز المنظمون الفرنسيون عن تنظيم المؤتمر الصحافي الرئيس بسبب عدم استعدادهم لاحتمال سقوط الأمطار واضطروا لإلغائه قبل 20 دقيقة من المو عد المقرر لانعقاده.

كما تعرّض معسكر الفريق الأرجنتيني للسرقة وأكد خافيير ماسكيرانو، مدرب المنتخب الأرجنتيني الأولمبي، الواقعة، وبحسب مكتب الادعاء العام في سانت إتيان، فقد تقدم الوفد الأرجنتيني بشكوى إلى شرطة ليون. وقال ماسكيرانو:”لقد ذهبوا إلى التدريبات وسرقونا خلال الأولمبياد، لم نرغب في قول أي شيء بعد التدريب، من المزعج حدوث مثل تلك الأمور”.

كما تعرض أسطورة كرة القدم البرازيلية زيكو، لسرقة إكسسوارات شخصية تقدر قيمتها بنصف مليون يورو في العاصمة الفرنسية باريس خلال تنقله بسيارة أجرة وأفادت صحيفة “ماركا” الإسبانية، بأن الحقيبة كانت تحتوي على ساعة رولكس وسوار من الألماس وأوراق نقدية تصل إلى ألفي يورو.

وبلغت الفوضى حدود اشتكاء اللاعبين في القرية الأولمبية من قلّة أو انعدام الطعام وخاصة الخضار والبروتينات عشية بداية الألعاب الأولمبية.

هذا فضلاً عن الخرق الأمني الكبير المتمثل في شلّ حركة القطارات وعلق أكثر من 800 ألف راكب في محطات القطارات بسبب أعمال تخريب واعتراف وسائل الإعلام الفرنسية بوجود مواد حارقة داخل بعض المحطات مما أدى إلى التوقف التام لحركة القطارات بين فرنسا وألمانيا.

إلاّ أنّ السقطة الكبرى للسلطات الفرنسية تمثّلت في ما تضمّنه حفل الافتتاح من “محاكاة لوحة العشاء الأخير” التي رسمها الفنان الإيطالي الشهير، ليوناردو دا فينشي، وفي اللوحة الاستعراضية التي جرى تقديمها في حفل الافتتاح، ظهرت المحاكاة ساخرة لـ”العشاء الأخير”، تضمنت وجود أشخاص يعبرون عن كلّ أشكال الشذوذ ولوحات لراقصين شبه عراة، واستهزاءً صارخاً بالسيد المسيح عليه السلام وبالقيم التي تمثلها الديانة المسيحية، وفي هذا الصدد، قال الأساقفة الكاثوليك الفرنسيون في بيان، إن الحفل “تضمن للأسف مشاهد تسخر من المسيحية وتستهزئ بها”. 

وفي هذا الصدد، قال الأساقفة الكاثوليك الفرنسيون في بيان، إن الحفل “تضمن للأسف مشاهد تسخر من المسيحية وتستهزئ بها”.  كما أوضح رئيس أساقفة مالطا، أنه تقدم بشكوى مكتوبة إلى السفير الفرنسي.

ولا شكّ أنّ هذا الخرق الأخلاقي تعرّض لانتقادات واسعة في الغرب والشرق، لكنّه في واقع الحال يعبِّرُ عن حقيقة ما وصل إليه الغرب من انحراف خطر عن الفطرة البشرية، والأسوأ من هذا أنّ الدول الغربية تسعى لفرض سياساتها هذه على العالم الإسلامي والعربي بشكل إكراهيّ وقسري، مستغلّة جميع الوسائل والطرق لفرض الانحراف على هذه الشعوب.

يدفع ما جرى في باريس إلى التفكير لدى أتباع الأديان، وتحديداً الإسلام والمسيحية في الغرب وخاصة الشرق، في ما يجب فعله مواجهة هذا الإصرار على عولمة الشذوذ والخروج على الفطرة البشرية، فلم يعد ممكناً التغاضي عن حتمية هذه المواجهة الصعبة لأنّ اليسار الغربي المتطرف الحاكم في الولايات المتحدة والمسيطر في كثير من مواقع القرار الدولية والأممية قد أعلن بالفعل حربه على الدين والقيم والأخلاق، وهو يجاهر بكلّ قوة بالفحشاء والرذائل ويمارس الابتزاز على دولنا وأحزابنا وجمعياتنا للانضواء تحت لواء الانحراف.

المسلمون والمسيحيون مدعوون للاتحاد

إذا أراد المسيحيون والمسلمون في العالم النجاة، فإنّ عليهم الالتقاء والتحالف على قواعد القيم الدينية والأخلاقية الجامعة، وهذا واجب المؤسسات الإسلامية من الأزهر إلى علماء الخليج وبلاد الشام وواجب الكنائس من الفاتيكان إلى الكنائس الشرقية للحفاظ على القيم والأسرة والفطرة الإنسانية في مواجهة فكر العقم والفساد والإلحاد المتفشي في العالم.

قدّمت قطر نموذجاً إنسانياً راقياً وجامعاً، ونجاحاً تنظيمياً وأمنياً وإدارياً باهراً بحيث أعجزت مَن سينظّم بطولة كأس العالم في كرة القدم بعدها، وسقطت فرنسا في رسالتها التي جاءت خارج نطاق القيم، وفي التنظيم والإدارة بالفشل في توفير الأساسيات لتصبح دولة تقترب من الفشل خاصة مع دخولها أزمة حكم تشبه ما يجري في كثير من دول العالم، حيث يبدو أنّ كفّة الغرب تترنّح كلما شذّت عن ثوابت القيم الدينية والإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *