خاص البديل
المفتي إمام كان مدعواً ولم يكن صاحب الدعوة
عبّر المفتي إمام بلغته السمحة في إطار رؤيته للتعامل مع الأزمات
هل سأل المنساقون في الحملة على المفتي إمام عن مصدرها ومنشأها وحقيقة أهدافها؟
هل صدرت فتوى تُحرِّم الاجتماع بجبران باسيل؟
واجبات موقع الإفتاء قد لا تُرضي الجميع لكنّنا على ثقة بمن يتولى زمام دار الفتوى: المفتي إمام وأمينها الشيخ بلال بارودي

أحمد الايوبي
لبّى مفتي طرابلس والشمال سماحةُ الشيخ محمد إمام دعوة النائب الصديق أديب عبد المسيح لحضور إفطارٍ رمضانيّ في إطار حسن التواصل الحاصل بين دار الفتوى وسائر مكوّنات المجتمع اللبناني وخاصة جوار طرابلس القريب في الكورة وزغرتا وبشرّي والبترون والمنية الضنية كجوارٍ تتجلّى فيه الشراكة الإسلامية المسيحية ويتجسّد التعاون والعيش الدائم منذ قرون ممتدة والمستمرّ ما بقي الناس في هذه الأرض.
حضور واسع جامع
حضر الإفطار ما يقارب المائتي مشارك من مرجعيات دينية ونواب ورؤساء أحزاب وفعاليات سياسية واجتماعية، لا بأس بسردهم في هذا المقام لتبيين مقدار التنوّع الذي ساد في هذه المناسبة ذات الطابع الجامع البعيد الذي أراده صاحب الدعوة.
أبرز الحضور:
وزير الإعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري، والنواب: ميشال معوض، فؤاد المخزومي، اللواء أشرف ريفي، فادي كرم، جورج عطالله، جبران باسيل، ايهاب مطر، أحمد رستم، وليد البعريني، حيدر ناصر، سجيع عطية، جميل عبود، محمد سليمان، وليم طوق، عبد العزيز الصمد، محمد يحيى، الياس الخوري، فيصل كرامي ممثلا بياسر عبوشي.
ومن القيادات الدينية: مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد طارق إمام، راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف والمطران ادوار ضاهر ممثلين بالأب جوزيف غبش، رئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ علي قدور ممثلاً بالشيخ أحمد كمال ابراهيم.
كما شارك كل من: الوزيرين السابقين ريمون غجر وميشال نجار، النواب السابقين اسطفان الدويهي، علي درويش، سمير الجسر، مصباح الاحدب ورامي فنج، نقيب المحامين في الشمال سامي الحسن، رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، قائمقام الكورة كاترين كفوري، قائمقام أعمال بلدية المينا وزغرتا إيمان الرافعي، قائمقام المنية – الضنية جنين الخولي، رئيس اتحاد بلديات الفيحاء حسن غمراوي، عدد من مشايخ الكورة وطرابلس، نقباء، رؤساء بلديات، مخاتير ومدراء عامين، منسقي الأحزاب ، فعاليات سياسية، ثقافية، إجتماعية، تربوية، قضائية، رياضية اعلامية، امنية، عسكرية، رؤساء جمعيات ونواد، رابطات وهيئات، واهالي الكورة من جميع القرى والبلدات.
لا بُدَّ من التذكير في هذا السياق بأنّ كاتب هذه السطور هو أكثر من واجه وتصدّى إعلامياً للنائب باسيل، ولي مقالٌ في جريدة “نداء الوطن” يحمل عنوان:”طرابلس لا تحبّ جبران باسيل” وبالتالي لا يمكن لأحد أن يزايد علينا في مواجهة هذا الشخص الذي تسبّب لنفسه بالكراهية على نطاق واسع بدءاً من “انتفاضة – ثورة 17 تشرين” حتى اليوم، لكن هذا لا يعني التخلّي عن مقاربة الواقع وتقدير الموقف بما يستحقّ من تقييم متوازن.

الحملة على المفتي إمام
جاء مقعد المفتي إمام إلى جانب النائب جبران باسيل، كما أشار المفتي في كلمته إلى سروره بحضور النائب باسيل في هذا الإفطار الأمر الذي أدّى إلى شنّ حملة انتقاداتٍ بعضُها التزم بأدبيات الخطاب وأغلبها خارج على الأدب واللياقة وصادر عن شرائح تتلوّن في مواقفها وتوجهاتها وبلغ الإسفاف بالبعض إلى التعرّض لشخص المفتي إمام ومقامه بعباراتٍ لا يمكن قبولها بأيّ شكلٍ من الأشكال، خاصة أنّ معظمها يأتي من أشخاصٍ أدعياء لا يملكون أدنى معرفة بفقه الواقع ولا بقواعد تقدير المواقف ولا يأخذون بعين الاعتبار حقيقة أنّهم يتطاولون على مفتٍ يعرفه الناس بنقائه وصدق سريرته وبحرصه على مصلحة المسلمين وعموم اللبنانيين.
بنى مهاجمو المفتي إمام سرديّتهم على أساس عدم قبول التقائه أو مجاملته للنائب جبران باسيل، وقد ذهب البعض منهم إلى تصوير أنّه قصد باسيل في هذا الإفطار وذهب إليه، بينما ذهب آخرون إلى تحميل المفتي إمام مسؤوليات الانهيار وأوضاع الناس المتردّية ومسؤولية الانفلات الأمني، ولم يكن ناقصاً سوى تحميله مسؤولية إفلاس البلد.. كما طالبه آخرون بمطالبة جبران باسيل بحقوق طرابلس وبالاعتذار عن إساءاته للمدينة وأهلها.
وتجاهل هؤلاء أنّ المفتي إمام كان مدعوّاً وليس صاحب الدعوة وأنّ طبيعة الأمور في لبنان أن يلتقي المتخاصمون في المناسبات الاجتماعية ويتصافح المتنافسون ولا يمكن النّظر إلى مثل هذه اللقاءات على أنّها ذات بُعدٍ يمكن البناء عليه في السياسة.
هكذا تعامل الرسول مع اعدائه وخصومه
كيف تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خصومه بل مع أعدائه، بل مع من حاولوا اغتياله مثل الصحابي ثمامة بن أثال الحنفي الذي أسره صحابة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بعد أن حاول أكثر من مرة اغتيال نبي الإسلام فأحسن إليه في الأسر وأطلق سراحه فعاد مسلماً.. كما تعامل مع أعدائه بقواعد الإسلام، ومع خصومه بالشرف وحسن الخطاب.
هذه هي قواعد الخطاب الديني وهذه هي ثوابت الإسلام الذي قال نبيه إنّني ما بُعِثـْتُ طعاناً ولا لعّاناً ولا شتاماً، فماذا كان يريد المتحاملون على الشيخ المفتي إمام أن يفعل عندما وجد نفسه جالساً إلى جانب جبران باسيل؟
هناك طريقان لمعالجة هذه المسألة:
ــ إمّا أن ينسحب أو يواجه باسيل ويفتعل معه شجاراً أو نقاشاً حاداً حول ما يعتبره المزايدون حقوق طرابلس.
ــ أو أن يتجاهل وجود باسيل على طريقة الحرَدِ والتجاهل، وهذا نادراً ما يحصل في مثل هذه اللقاءات، فإمّا الانسحاب أو المجاملة.
ومن يعرف الشيخ والمفتي محمد إمام يدرك أنّه يؤمن بطريقة الحوار واللّين وحسن الخطاب كوسيلة للتواصل حتى مع من يفترض وجود خلافٍ معهم، مهما كان نوع هذا الخلاف.. وكمنهجيّة لحلّ الخلافات.
هكذا قدّر المفتي إمام الموثوق ديناً ودنيا الموقف، فهل يستحقّ كلّ هذا التطاول من غوغاء التواصل؟
وهل غيّر جلوس المفتي إمام إلى جانب باسيل أو إبداء المجاملة له موقفَه أو موقف دار الفتوى من سلوكيات رئيس التيار الوطني الحر أو من أيّ قضية أساسية تخصّ المسلمين والوطن؟
بالطبع لن يغيّر شيء ثوابت المفتي وثوابت دار الفتوى وكان من الأجدى تقدير الموقف بالحكمة والنصيحة وفق قواعد النصح والحفاظ على وحدة المسلمين.
هل من فتوى شرعيّة تـُحرِّمُ لقاءَ باسيل؟
صحيح أنّ شريحة واسعة تتّهم باسيل بالفساد، وصحيح أنّ لغته الطائفية بشعة ومستهجنة، وصحيح أنّه استجلب لنفسه أسوأ أوصاف نالها سياسي في تاريخ الجمهورية، وصحيحٌ أنّه هضم بعضاً من حقوق طرابلس.. لكنّه أيضاً يبقى ممثلاً لشريحة لبنانية تشاركنا الوطن، ولم تصدر على علمنا حتى الآن فتوى تحرّم لقاءه أو مصافحته أو التحادث معه، وهذا هو المعيار الذي يتحرّك على أساسه المفتي إمام، بعيداً عن الشعبوية والمزايدات التي باتت مسموعة بفضل ما توفره وسائل التواصل من فرص للجهلة ومتسلّقي المواقف من منابر للظهور.
ولا بُدّ من الإنصاف بأنّ قسماً ممن انتقد المفتي إمام انطلق في انتقاده من عفوية وحسن نية، لكن فات هؤلاء أنّهم في أكثر من مرّة ينساقون في حملاتٍ يصنعها غيرهم ويجرّهم إليها فيتوسعون ويبالغون في “رشّ البهارات” على الحدث ويُسهمون في استهداف آخر مواقع أهل السنة الباقية وهي موقع الإفتاء.
من هم مهاجمو المفتي إمام؟
عندما تتطاول مجموعة المشبوهين في خلفيّاتهم أو من الجهّال المتسرّعين الذين لا يكاد بعضهم يفكّ الحرف أو يحمل شهادة ابتدائية فضلاً عن أنّهم لا يحملون شهادة العلم الشرعي، والسؤال هنا: هل يحقّ لمثل هؤلاء أن يتطاولوا على قامة مثل قامة الشيخ محمد إمام؟
يحقّ للجميع إبداء الرأي والانتقاد للمفتي إمام ولمفتي الجمهورية ولأي مفتٍ في أيّ منطقة، فلن يكونوا أعزّ وأعظم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي دعا إلى تقويم الاعوجاج وقبول نصيحة الرعية للمسؤول، لكن ثمة فارق شاسع بين النقد الواجب والنصيحة المطلوبة وبين التشهير والتطاول والإساءة، فهذه السلوكيات مرفوضة لأنّها أصلاً خارج دائرة الأخلاق والدين، فمن يخرج عن الخطاب الأخلاقي يخرج عن دائرة القبول الديني والاجتماعي.
فهل سأل المنساقون في الحملة على المفتي إمام عن مصدرها ومنشأها وحقيقة أهدافها؟
هكذا يرى الشماليون المفتي إمام
ينظر جميع الشماليين، مسلمين ومسيحيين إلى الشيخ إمام على أنّه رمزٌ للمحبة الصافية والتواضع والبشاشة والانفتاح والتعالي على الصغائر وفي التعبير عن الضمير الإسلامي والوطني وفي حسن الخطاب وحسن انتقاء المصطلحات والتعابير وفي قول الحقّ وفي الدفاع عن الحقوق وفي الحكمة والاحتواء وإدارة الأزمات بروح التعاون واكتساب الأصدقاء ونبذ الفرقة والجدل البيزنطي وترك منزلقات الفتن ظاهرها وباطنها، وهذا هو الشيخ الإمام محمد إمام.
في هذا النقاش، لا بُدَّ من الإشارة إلى أنّنا نطالب باستعادة طرابلس لدورها وبعودة الجوار إليها، وهذا لا يمكن أن يحصل إذا قاطعت مرجعياتها الآخرين، وإذا حصل أيّ احتكاك مع من نختلف معهم يهبّ البعض لإشعال لهيب الإثارة المشبوهة كلما حصل تواصل مع الآخر الذي نختلف معه، سواء في السياسة أو الدين، فكيف يحصل الانفتاح إذا قوبل بأساليب التشبيح والتطاول والإساءة لأنقى رموز طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام!
ماذا نفعل بمرجعيتنا؟
في شهر تشرين الثاني 2023 نزل بعض المتحمّسين مدفوعين ببعض المشبوهين أمام دار الفتوى في بيروت للاحتجاج على استقبال مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان للسفيرة الأميركية الأمر الذي أدّى إلى إلغاء الزيارة، بينما برز الثنائي الشيعي قادراً على إدارة الجبهة العسكرية في الجنوب ومواصلة المفاوضات مع الموفد الأميركي الإسرائيلي آموس هوكشتاين، بينما بدا السنة ومرجعهم الأول ضعيفاً في الشكل أمام بضعة أشخاص قادهم إلى حفلة الشبهة تلك أحد رموز المتاجرة المتقلّب بين تيار أزرق و”سرايا مقاومة”.
هذا هو حصاد الغوغائية والشعبوية وتصدّر الرويبضة للمسائل الحسّاسة واستعمال التهجّم على الكبار وسيلة للظهور وتسلّق الشهرة وتحقيق الحضور الزائف، لكنّ من يدفع الثمن هم المسلمون بمؤسساتهم وكيانهم.
صحيح أنّ المطلوب من دار الفتوى عمل أكبر وجهد أقوى لكنّ وجود التقصير لا يبرِّر الهدم وهذا المستوى من التطاول على المرجعيات الدينية مسارٌ خطر يضع مصير المؤسسة الدينية تحت ضغط الغوغاء ولا ينقص المسلمين مثل هذا الانزلاق المخيف بحيث يخربون مؤسّساتهم بأيدهم ويدمّرون ما تبقى من مكانة لعلمائهم بأيدي العابثين.
يفرض الموقع الرسمي على من تبوّأه واجباتٍ وسلوكاً قد لا يُرضي الجميع لكنّنا على ثقة بمن يتولى زمام دار الفتوى في طرابلس من سماحة المفتي الشيخ محمد إمام إلى أمين الفتوى وشيخ القرّاء الشيخ بلال بارودي وإذا وجد بعضُنا ما يستوجب النصيحة فينبغي أن تحصل في دائرة الأخوّة والبناء والحرص، وهذا هو سلوك المسلمين الأوائل الذين نسير على طريقهم ونقتدي بهم وهكذا تقوى الدار ويقوى أهلها.
