أحمد الأيوبي

كتب الصديق العزيز الشيخ محمد أسوم في إحدى قراءاته الرمضانية متناوِلاً مسألة هامة تتعلّق بطبيعة وشكل العطاء والمساعدة في شهر رمضان المبارك ولماذا تكون مشروطة أو مرتبطة بالتحكّم بحاجات الأشخاص الذين تُوجَّهُ إليهم المساعدات ولماذا تكون محصورة في نطاقات محدودة وفي مجالات مقيَّدة، فهذا يحمل في مكانٍ ما شكلاً من أشكال التحكّم بإنسانية من يتلقى هذا الإحسان ويجعل العطاء منقوصاً ويحمل غصّة لدى شريحة واسعة من الذين يستحقون المساندة والتكافل والتضامن، وهذا ما يحتاج إلى بحث عميق بحيث يجري تغيير ثقافة المساعدة الاجتماعية بشكل عام وليس فقط في شهر رمضان المبارك.

نعود إلى تساؤلات الصديق محمد أسّوم الذي طرح الآتي:
ــ لماذا يختار المتصدقون للفقير ما يريدونه هم…ولا يتركونه يختار ما يريده هو لنفسه؟؟
ــ لماذا يبذلون أموالهم له في المونة الغذائية.. ولا يتذكرون أنه يحب أن يأكل الحلويات كما يحبون ؟؟
ــ لماذا عندما يفكرون بشراء حلويات له.. يختارونها من محلات عادية وليس من المحلات الفاخرة التي يأكلون منها ؟؟
ــ لماذا عندما يكسون أولاده كسوة العيد.. لا يختارونها من محلات الثياب المميزة؟؟
ــ لماذا يفكرون بتوزيع صدقاتهم على أكبر عدد من الفقراء.. ولا يركزون على كم عائلة يكفونها هم الطعام والشرلب والكسوة طوال الشهر؟؟
ــ لماذا عندما يشترون لهم الزيت والسمنة والسكر والأرز.. لا يختارون أجودها وأحسنها ؟؟
هذه الأسئلة تبدو ملحّة على مجتمعنا، وخاصة في هذه الأيام التي تحتاج للانتقال من الكمّ إلى النوع وإلى اعتماد الجودة في العطاء كما في العمل والإنتاج، وإلى ملامسة روح التكافل والتضامن الاجتماعي بروح الإسلام وبروح الإنسانية لنضمن انزلاق العمل الخيري إلى درك التكابر والتصنيف والطبقية والاستعلاء على الناس.
في زحمة الأنشطة الرمضانية التي تطال جانب التكافل لفت الانتباه ما بادر به النائب إيهاب مطر عندما ارتأى تنظيم سلسلة إفطارات لأهالي المناطق الشعبية في أفضل مطاعم المدينة وأكثرها جودة وإتقاناً في الطعام والخدمات، تكريماً لضيوف الشهر المبارك، فوجدنا أهالي هذه المناطق يلتقون على موائد الرحمن وقد أتوا من المدينة القديمة والتبانة والمنكوبين والقبة والميناء وبقية المناطق، ليحظوا باستقبالٍ راقٍ وتكريم شخصيّ لافت وبعناية من فريقه في كلّ إفطار نظّموه لتشكِّل هذه الفتة نموذجاً مختلفاً فيه تكريمٌ وفتحٌ لأبواب التواصل بأسلوبٍ يحمل عناصر الاحتواء والرعاية وحفظ الكرامة وكسر الحواجز الأمر الذي يُبنى عليه في سائر أيّام العام.
لن يستطيع النائب إيهاب مطر سدّ كلّ الثغرات في مساحات الفراغ المسيطر منذ ما قبل الانهيار الذي شهده لبنان، لكنّ نوعية المبادرة تعطي فكرة عن نوعية العمل العام، ولا شكّ أنّ مجتمعنا بحاجة إلى ما هو أبعد من استضافة أهلنا في مطاعم فاخرة، لكنّ شعور المحبة من النائب مطر إلى ضيوفه قد وصل وبكلّ حرارة الأخوّة في الدين وفي المجتمع وفي الانتماء إلى مدينة المحبة والتلاقي والتعاون على الخير العام.