Mr. Jackson
@mrjackson

“الجماعة” والمقاومة: كيف التخلّص من أحادية “الحزب”؟

كتب أحمد الأيوبي في نداء الوطن

بينما كانت عملية «طوفان الأقصى» تتواصل في فلسطين، وقف الأمين العام لـ»الجماعة الإسلامية» في لبنان الشيخ محمد طقوش ليعلن من عكّار أنّه تفقّد مواقع قوات الفجر في الجنوب قبل ساعات، مجدِّداً التأكيد بأنّ الإصبع على الزناد وأنّ «الجماعة» حاضرة في معادلة المواجهة مع العدو الإسرائيليّ بتاريخها الذي بدأته في مواجهة الغزو الإسرائيلي عام 1982 وبجهوزيتها التي حافظت عليها على مرّ السنوات رغم استئثار «حزب الله» وتفرّده وسيطرته على مجمل الجغرافيا الحدودية وهيمنته على قرار السلم والحرب.

نائب رئيس المكتب السياسي لـ»الجماعة الإسلامية» في لبنان الدكتور بسام حمود، دعا في حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي أنصار «الجماعة» للاستعداد الجدّي للانخراط في المعركة، منوّهاً بالمقاومة الفلسطينية في غزة التي حقّقت الانتصار الحقيقي وبرهنت أنّ العدو جبان ويخشى المواجهة، معتبراً أنّ هذه الدعوة تتكامل مع الاستنفار على أرض الميدان في المناطق الحدودية الجنوبية في صفوف قوات الفجر– الجناح العسكري للجماعة، والذي هو على أهبّة الاستعداد للتصدّي لأي عدوان إسرائيلي ضد لبنان في حال تقرّر توسيع نطاق المعركة إلى حرب على محاور عدة».

تذكِّر مصادر «الجماعة» أنّها كانت في قلب المواجهة خلال عدوان 2006 وشكّل حضورها نقطة ارتكاز في الصمود المتحقِّق من دون أن تعلّق على تجاهل «حزب الله» الدائم تضحياتها التاريخية وشهداءها الذين قضوا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعلى التضييق الفعلي الحاصل على حركة مقاوميها الميدانية، وكانت آخر مظاهر هذا التضييق اعتقال عضوين من «الجماعة» بسبب عملهما في التحضير والتجهيز لأيّ مواجهة محتملة في الجنوب مع العدو الإسرائيلي، ولم يُطلق سراحهما إلا بعد جهد جهيد وضغطٍ كبير على مستويات متعدّدة.



عند هذه النقطة يبرز النقاش الجدّي عن دور الجماعة باعتبارها التنظيم السنّي الأكبر والأعرق في المقاومة. لماذا هي مقاومة شبه محظورة لا تتمتّع بالشرعية السياسية التي تتيح لها التحرّك بالحريّة المطلوبة لتأمين مستلزمات عملها المقاوِم؟ ولماذا يستمرّ «حزب الله» في احتلال الواجهة من دون شراكة، رغم أنّه يستند في «شرعية» طروحاته بالمقاومة إلى أراضي شبعا وتلال كفرشوبا ذات الهوية السنيّة؟ فهو يقصي المكوِّن السنّي لصالح استفراده بالقرار والميدان، وهذا يتناقض مع مزاعمه بالاستعداد للشراكة في المقاومة مع كلّ من يريد أن ينخرط في هذا المجال، والسبب الواضح لهذا المسار أنّ «الحزب» لم يستطع تحويل الجماعة إلى واجهة سنيّة طيّعة قابلة للتحكّم في سلوكها السياسي. ولا يمكن هنا تجاهل محاولات «حزب الله» لشقّ صفوف «الجماعة» أو لخلق ازدواجية في عملها المقاوِم من خلال دعم مجموعة عبد الله الترياقي أحد كوادر «الجماعة» السابقين ومحاولة فرضه باسم «قوات الفجر» وهو الاسم الذي لطالما عُرف به الجناح المقاوم للجماعة الإسلامية.

كانت تلك محاولة مكشوفة من «حزب الله» لخلق وقائع في الساحة السنية تتناسب مع سياسته، وفي هذا الإطار يكمن تجاهله تاريخ «الجماعة» المقاوِم وإنجازاتها في تحرير صيدا وشهداءها الذين تقدّموا صفوف المواجهة في الاجتياح الصهيوني عام 1982 وكسروا موجة الخوف من ذلك الزحف المخيف الذي وصل إلى أول عاصمة عربية وحاصرها.

مع انطلاق «طوفان الأقصى»، عادت الأسئلة لتطرح نفسها عن موقع الجماعة الإسلامية في معادلة المقاومة الدفاعية أو الردعية، وبينما يتغنّى «حزب الله» بدعم حركة «حماس» ذات الانتماء الإخواني، نجد «الحزب» يتعامل بتجاهل كامل مع التنظيم اللبناني للإخوان أعني «الجماعة الإسلامية». وبينما يذهب الى التأكيد أنّ دعمه «حماس» هو دليل على إسقاط الفتنة (المذهبية) في لبنان، كما أشاع عبر نشطائه في وسائل التواصل الاجتماعي، تصدّت شرائح سنيّة واسعة لهذا الطرح مؤكِّدة أنّ الدعم في الساحة الفلسطينية لا يكفي لإصلاح ما تخرب بين «الحزب» والسنّة وبقية اللبنانيين.

أكّد رصد النبض السنّي في مقاربة الأحداث أنّ الموقف من «حزب الله» لا يغيّره تقارب شكلي. فالـ»حزب» لا يزال يتمسّك بأنّ السابع من أيار 2008 كانت يوماً مجيداً ولم يقدِّم أيّ مراجعة تناقض ذلك، لا بل إنّ «الحزب» استخدم سلاحه في الداخل في خلدة ضدّ العشائر العربية وفي عين الرمانة والكحالة. هذا فضلاً عن مشاركته العسكرية ضد الشعب السوري… وهذا لا يتيح المجال للتعامل بمرونة مع هذا الإصرار على تنفيذ السياسات الإيرانية على حساب لبنان.

تؤكّد الوقائع أنّ أزمة «حزب الله» مع العالم السني والعربي عميقة، و»الحزب» مدعوٌ لمراجعة سياساته الداخلية والخارجية إذا أراد فعلاً أن يعود إلى سابق عهده من الاحتضان والدعم، فالمسلمون والمسيحيون لطالما أكبروا تضحيات المقاومين ومنهم مقاتلو «الحزب»، لكنّ اللبنانيين أصبحوا في المقلب المقابل ويصرّون على التصدّي للعجرفة التي تفيض من بعض قيادات الحزب وتستدعي كلّ أنواع الرفض والتصدّي لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *