كتب أحمد الأيوبي في نداء الوطن
إستكملت دار الفتوى استحقاقاتها الانتخابية بعد إتمام انتخابات المفتين وتعديل سنّ التقاعد لمفتي الجمهورية وتعيين مجالس الأوقاف وأخيراً انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى لتكون عملية البناء المؤسساتي قد أتمّت دورتها الكاملة بعد عقود من الاضطراب والانقطاع، فتدخل المؤسسة الدينية مرحلة الاستقرار وما يليها من بحث في سبل النهوض بعدما تحرّرت من القيود السياسية التي كانت تعيقها عن القيام بتحرير وتنمية الأوقاف، وكانت تتدخّل في عمل المحاكم الشرعية وتكبّل الحركة الوطنية لمؤسسات دار الفتوى.
العنوان العريض لانتخابات المجلس الشرعي هو تحرّره من السطوة السياسية لـ»تيار المستقبل» وعدم قدرة بقية القوى السياسية على فرض سيطرتها عليه، فجاءت النتائج لتُعبِّر في معظمها عن رفض تكرار التجارب السابقة والتمسّك بإرادة الإصلاح والتغيير والتنمية، وهذا ما فرض منازلات حامية في معظم المناطق جاءت في أغلبيتها الساحقة لصالح تحالف العلماء مع المستقلين، من بيروت حتى عكار.
في بيروت كان التنافس على أشدّه فاتّحد العلماء مع جبهة الدفاع عن المقاصد وشكّلوا لائحة موحّدة ضمّت: محمد مكاوي، زياد الصاحب، عبد الحميد التقي، محمد مازن شربجي، عبد العزيز الشافعي، وسيم مغربل، وسام رضوان وفؤاد زراد، وقد فاز جميع أعضائها باستثناء الشافعي الذي يعتبر مؤيّدوه أنّه تعرّض لتزوير بحذف 4 أصوات لصالح عبد الله شاهين، بينما كان الخرق الأكبر في مواجهة رئيس جمعية المقاصد فيصل سنّو بنجاح شربجي الذي يتصدّر حملة الدفاع عن هوية المقاصد الإسلامية، ووضع سنّو ثقله لمنع وصوله إلى المجلس الشرعي.
كذلك فشل مرشح «الأحمدين» (الحريري وهاشمية) القاضي وائل شبارو في الوصول إلى عضوية المجلس الشرعي ولا يعوّض هذه الخسارة نجاح شاهين المحسوب في عداد «المستقبل» لأنّ شبارو كان رأس الحربة في الحملات التي استهدفت رئاسة المحكمة الشرعية ومقام مفتي الجمهورية مدعوماً من أحمد هاشمية.
في محافظة الشمال إخترق الشيخ مظهر الحموي والمهندس وائل زمرلي لائحة تحالف المفتي محمد إمام و»تيار المستقبل» والنواب: فيصل كرامي، جهاد الصمد وطه ناجي، ليصل منها كلٌ من: فايز سيف، بلال بركة، أحمد الأمين، مظهر الحموي، أسامة طراد ومنذر حمزة الذي يضع ترشيحه في إطار دار الفتوى وليس في الإطار السياسي، وكذلك سيف الذي يعتبر أنّه يعمل في دائرة إجماع فاعليات المنية على دعمه، بينما شكّل الشيخ الحموي ظاهرة لافتة في وصوله مستقلاً رغم احتدام المنافسة. تعرّضت اللائحة للكثير من الاهتزازات ما دعا إلى تكثيف التدخّلات لصالحها حتى اللحظات الأخيرة، وساد الاختلاف بين النائبين جهاد الصمد وفيصل كرامي، ما دفع «الأفندي» إلى دعم الشيخ الحموي ليخسر الشيخ أمير رعد المدعوم من الصمد.
أمّا في عكار فإنّ الهزيمة المكشوفة قد لحقت بـ»تيار المستقبل»، حيث لم يتمكّن أمينه العام أحمد الحريري من ضبط المرشحين المحسوبين على «التيار»: سامر خزعل، نزار قاسم ومحمد حافظة فاستمرّ الثلاثة بالترشّح ليسقطوا جميعاً ولينكشف حجم «التيار» أيضاً، فأصوات الثلاثة مجتمعة لم تكن كافية للفوز الذي حقّقه مرشح الجماعة الإسلامية الدكتور كفاح الكسار، بعد أن كان «المستقبل» يحجب عن «الجماعة» ما يستطيع من المواقع في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة.
أما في جبل لبنان، فإنّ القاضيين الفائزين رئيف عبد الله وحمزة شرف الدين هما مستقلان خارج مظلة «التيار»، لتكون الحصيلة الإجمالية في احتساب الناجحين في بقية المناطق سقوط الأغلبية المعلنة والمضمرة التي كان «التيار الأزرق» يمتلكها ويتحكّم من خلالها بالكثير من التوجّهات والقرارات داخل الطائفة السنية.
تتميّز طبيعة الفائزين في انتخابات المجلس الشرعي إجمالاً بأنّها واعدة وكفوءة ومستقلة وما هو منتظر الآن أن تنسجم في العمل مع مفتي المناطق ومفتي الجمهورية لإدارة عجلة علاج المشاكل ودخول مرحلة النهوض بالمؤسسة الدينية.
إنّ اكتمال النصاب الدستوري والقانوني لمؤسسات دار الفتوى بدفعٍ واضح من المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، وتلاقي النواب السنة الذين يمثلون الشرعية السياسية تحت مظلة دار الفتوى وانتهاء فترة التشرذم والتشظي في صفوفهم، والوصول إلى تفاهم التعاون على ثوابت الدار ومتطلبات المصلحة العامة لأهل السنة، باتت تستوجب دخول مرحلة ترتيب البيت السني واستكمال التكامل مع الشرعية الشعبية التي تتجسّد اليوم في كتلة العشائر العربية والوجود السني المستقلّ في الجمعيات والمؤسسات الأهلية وفي مفاصل الدولة ومواقعها، وهذا هو المنتظر في القادم من الأيام، وهذا هو بالضبط ما كان تيار المستقبل يضع عليه المنع الكامل عندما كان يملك سلطة القرار.