سارية حسون
من أكّد بأن قوس قزح هو شعار محصور بالشاذين أو أنّه ملك لهم، ومن حدّد عدد الألوان وأعطاها صبغة الشذوذ ومنحهم إياها بعد أن كانت جزءاً من المشهد الإنساني الطبيعي الذي يعتبره الناس تجسيداً لألوان الطبيعة الخلابة المسكوبة بإعجاز الخالق سبحانه وتعالى.. ولقد تربينا وتربى أطفالنا على النظر إلى هذه الألوان على أنّها القوس الجميل الذي نختبر فيه تجاربنا الأولى في الرسم والتلوين، ولذلك، لا ينبغي تسليمه إلى أصحاب الشذوذ المارقين على الفطرة والخارجين على الأخلاق والأديان.
استخدامات قوس قزح عبر التاريخ
حين ابتكر الفنان والناشط الأمريكي جيلبر بيكر علم قوس قزح في 1978 كان يستخدم ثمانية ألوان وهي الوردي والأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والفيروزي والنيلي والبنفسجي ويرمز كل منها الى هويات جنسية مختلفة.. ثم تغير بعد ذلك ليصبح ستة ألوان، ويمكن أن يصبح 4 أو 3 ألوان.. أو أن يتغير نهائياً… فعلم قوس قزح لا يقتصر فقط على الشاذين، فهناك العديد من أعلام قوس قزح التي تستخدم على نطاق واسع في جميع انحاء العالم لأهداف لا تمتّ بصلة لهذا الفجور الحاصل.
ففي إيطاليا ظهرت الألوان في ما يسمى بالعلم التعاوني ويشير إلى الحركة الدولية التعاونية. كما تستخدم من قبل الحركات الأنديز للإشارة إلى امبراطورية الأنكا التي أسسها الهنود الحمر… أما في القرن 16 فاستُخدم العَلَمُ في حرب الفلاحين الألمان ورفع الفلاحون العلم باعتباره علامةً على حقبة جديدة للأمل والتغيير الإجتماعي.. كما استـُخدم أيضا كشعار لأحد الأحزاب السياسية في روسيا وفي جمهورية الاكوادور بأمريكا الجنوبية.. وأيضا يستخدم من قبل حزب يساري يسمى باتشاكوتيك…
إشكالية الرمزية والشعار
مثال بسيط عن تحريك الرموز ورمزيتها وأن الإنسان هو من يحدد بعين عقله إلى ما ترمز.. الكثير منا يعرف شعار الفوهرر هتلر، ولكن لا يعلم أصله أو قصته ومن أين بدأ ومتى؟!
Swastika أو كما يدعى بالصليب المعقوف شعار النازية، منقوش على حجر أثري قديم موجود قدم وجود الإنسان على سطح البسيطة، كانت أولى ظهوراته على تماثيل لآلهة الجمال السورية عشتروت. وذكر المؤرخ الأميركاني “هربر فوللر” في كتابه نسج التاريخ أن مهندس الآثار العلامة شليمان عثر في تنقيباته في أطلال طروادة (3000ق.م- و2900 ق. ب) على تمثال عشتروت وقد نقش في أسفل بطنها رسم للسواستكا كما وُجد منقوشاً على الأدوات الفخارية القديمة المكتشفة هناك وفي أماكن أخرى من العالم خصوصاً في الصين والهند واليابان وفارس، حيث رمز في حضارات تلك الشعوب إلى التيمّن والبركة والقوة الكونية.
كان الشعار أيضاً معتمَداً لدى الراهب القديم بوذا والراهب كونفيشيوش وأبرز الأماكن التي ظهر فيها رمز الصليب المعقوف هي سامراء في العراق وذلك ابتداء من الألف الخامس ق. م.. وفي دير القلعة في مدينة بيت مري نشاهد وبوضوح بأنه قد رسم بالفسيفساء الملون في قاعة “بعل مرقد”.. وكان واضحاً في الصلبان المعقوفة المتشابكة على أعمدة بعلبك، وهي ترمز حسب بعض الآراء إلى التعاون في الحياة بين أبناء البلدة الواحدة وهو من بين الرموز التي كانت تدل على الشمس.
اسم الصليب المعقوف swastika جاء من اللغة السانسكريتية الهندية القديمة وتعني” عمل الخير” و”الصحة الجيدة” غير أنّ النازيين حوّلوا هذا الرمز الجميل إلى رمز الكره والحرب والدمار ومعاداة السامية والتفوق العنصري للعرق الآري.
الصليب هو نفسه هنا وهناك.. تارة يرمز للخير وتارة يرمز للشر والكراهية.. ما الفرق بينهما؟ الفرق من يراه ومن يستخدمه وبما يفكر وماذا يريد ان ينشر!
لنثبت الصورة الحقيقية في أذهان أجيالنا
هناك الكثير الكثير من الرموز التي استـُخدمت على مدى عصور وعصور وتغيّر معناها ورمزها بين حقبة وأخرى.
ما أردت قوله إنّنا نرى بعين عقلنا الأشياء ونحدِّد معناها.. وإذا أردنا إنشاء جيل يتجه للمثلية نفتح حربا على قوس قزح ونحظر استخدامه.. علماً أنّ وسائل التواصل الاجتماعي متوافرة بين أيدي فلذات أكبادنا وستستمر في نشر الفكرة ولن نستطيع حظرها.. ولكن إن بقينا نستخدم هذا الرمز كما تعودنا استخدامَه في أفراح مناسبات الأطفال وغيرها ولا ننسى أبداً أن أول درس يتعلمه براعمنا الصغار هو درس الألوان عن طريق قوس قزح.. فنحن حتماً سنبقى نوجِّه أجيالنا إلى الطريق الصحيح والمعنى الصحيح لهذا الرمز.. ومن شبّ على شيء شاب عليه… صغاراً وكباراً ننتظر ببهجة في الشتاء لظهور قوس قزح وتصويره… فسارعوا الى ترسيخ الحقيقة الكونية الجميلة قوس قزح كما عهدناه دائماً.