عبد المنعم يوسف
بعد القراءة الهادئة والمتأنية، يتبين لي أن تقرير التدقيق الجنائي الذي أعدّته شركة “الفاريز ومارسال” لم يكشف شيئاً جديداً مهماً عل الإطلاق يدين أعمال حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة.
بل على العكس تماماً، ربما أن خذا التقرير يعطي صك براءة لحاكم مصرف لبنان السابق.
فباستثناء العمولات التي حازت عليها شركة “فوري” والتي اشار اليها التقرير الجنائي أن “هنالك اثباتات على منح عمولات غير شرعية لهذه لشركة”، لم يكشف التقرير اي تزوير او احتيال مقصود مع سابق إصرار وتصميم بمعنى fraudulent behavior وحتى لم يذكر اي “شك في جرم الاحتيال” suspected fraud كما هو متّبع في إصدار هكذا تقارير. ولم يذكر أي شيء بشأن “تشكيل عصبة أشرار” بهدف سرقة المال العام.
إن كل ما ذكره التقرير عن اعمال مصرف لبنان هو اما “سوء إدارة” misconduct او أن الحاكم “لم يتبع معايير الحوكمة” governance او أنه كان “يفتقد الى الشفافية” او أن “أرقامه غير معلنة” وعبارات مشابهة لا ترتقي الى توصيف إرتكاب أي جرم او إحتيال مقصود او تزوير مع نية مسبقة، ولا حتى الشك في ذلك.
بل على العكس، إن التقرير قد شكك في كل الأرقام التي وردت في متن التقرير نفسه مدعياً ان عدة مواضيع بحاجة الى مزيد من التحقيق!. ما يعني ضرورة إستكمال أعمال التدقيق الجنائي للتحقق من صحة الأرقام وللحصول على الأرقام والمستندات الأخرى التي لم تتمكن الشركة من الحصول عليها في عهد الحاكم السابق رياض سلامة. أي أن القصة طويلة، وما زلنا في بداياتها.
باختصار، ان موضوع شركة “فوري” سبق وثبتت المخالفات الكبيرة فيه للتحقيق الدولي.
بالاضافة الى أن تقرير التدقيق الجنائي لم يضف شيئاً هاماً في هذا الإطار.
للأسف، إن هذا التقرير لم يكشف أية عملية إحتيال حقيقية وملموسة موثقة، ولم يذكر والقرائن القانونية أي تزوير قام بها حاكم مصرف لبنان السابق.
أما فيما يتعلق بموضوع seigniorage المذكور في التقرير فيجب أن ننتظر موقف المصارف اللبنانية وجمعية المصارف لنرى هل ستسمح هذه الجهات باحتساب هذه النتائج “التحاسبية” البحتة كأرباح في موازناتها أم أنها ترفض ذلك. إذ أن هذا الأمر يتعلق فقط بالفارق بين الكلفة الحقيقية لطباعة النقد والقيمة الشرائية الفعلية لهذا النقد في السوق.
اقد ذكر التقرير الجنائي كيفية وطريقة إحتساب seigniorage في المقاطع 6.6.2, 6.6.3, 6.6.4 منه. وقد أعطت الشركة المدققة رأياً مخالفاً وطريقة إحتساب أخرى عن تلك التي اعتمدها مصرف لبنان. واستعملت الشركة المدققة في التقرير المذكور فقط حرفيا عبارة : “برأينا… In our opinion…”. ولم يتم ذكر اي جرم بالتزوير اقترفه مصرف لبنان في هذا الخصوص، ولم تسجل الشركة المدققة هذا الموضوع كمخالفة جسيمة للإجراءات والأصول التحاسبية والتحليلية الدولية المتبعة لدى المصارف المركزية. بل تم ذكر هذا الموضوع فقط على أساس أنه “رأي آخر”.
محزن جدا أن يلد الجبل، بعد طول انتظار، فأرا. إن هذا التقرير هو تقرير منافق، لا يبنى على أساسه أي توجه عدلي قضائي في وجه الحاكم السابق سلامة.
الأمر الوحيد المفيد نسبيا هو ما ذكره التقرير الجنائي من أسماء للسياسيين والموظفين والجمعيات والمؤسسات النافذين المستفيدين من “الكرامات الفاسدة” التي انتفعوا بها من الحاكم السابق من أموال المودعين بالدولار وبالليرة اللبنانية.
إن التقرير الجنائي المذكور قد كلف موازنة الدولة اللبنانية ما يفوق ٣.٥ مليون فريش دولار من ودائع الناس، وجاء مخيبا بشكل مدروس ومقصود.
بهذه الصيغة لن يؤدِ هذا التقرير إلى أية نتيجة ملموسة. بل إنه، كما يقول المثل الفرنسي، قد راعى في ذات الوقت شهية العنزة وسلامة الملفوفة.
أو كما يقول المثل اللبناني :”لا يموت الديب. ولا يفنى الغنم”. ولو أن الغنم في حالتنا قد تم إفناؤه.