Mr. Jackson
@mrjackson

على مصرف لبنان إحترام أحكام التعاميم التي يصدرها والإلتزام بها

محمد فحيلي

خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد

في الوقت الذي تفتقد فيه الساحة السياسية في لبنان إلى الإرادة من قبل مكونات الطبقة السياسية لإقرار الإصلاحات الضرورية والأساسية لإنقاذ الوطن والمواطن، أصبح من البديهي أن أكثر المتألمين من إطالة أمد الأزمة هم أصحاب الودائع المحتجزة في المصارف التجارية العاملة في لبنان، هناك سيولة جاهزة بالعملة الأجنبية بين مصرف لبنان والمصارف المراسلة هي من حق جميع أصحاب الودائع خارج إطار الحسابات الخاضعة لأحكام التعاميم 150 و 165 لا تصرف لأصحابها في الوقت الذي هم بأمس الحاجة لها.
حتى تاريخ إصدار تعميم مصرف لبنان الأساسي الذي يحمل الرقم 150 في 9 نيسان 2020 – تعميم حسابات الدولار الفريش – كانت كل الودائع بالعملة الأجنبية (كلن يعني كلن) تخضع للتوظيفات الإلزامية (Mandatory Placements) لدى المركزي بنسبة 15% من أرصدتها.
وبعدها صدر التعميم الأساسي رقم 151 في 21 نيسان 2020 ليعطي سعر ثابت للدولار المحلي عند السحب فقط؛ ومن بعده جاء التعميم الأساسي رقم 158 بتاريخ 8 خزيران 2021 ليصنف الودائع بالعملة الأجنبية وفق تاريخ تكوينها. الأهم هو أن هاتان التعميمان (151 و 158) أبقوا التوظيفات الإلزامية على ما هي. التوظيفات الإلزامية هي سيولة جاهزة لدى مصرف لبنان (وهي 25% – Required Reserves – مقابل الودائع بالليرة اللبنانية). فقط التعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 150، الصادر في 9 نيسان 2020، حرر الحسابات بالعملة الأجنبية من أي توظيفات، ولكنه عاد وفرضها بصورة غير مباشرة عند إصدار التعميم الأساسي رقم 165 في 19 نيسان 2023. وهذا يعني بصريح العبارة أن هناك عدة كيانات منفصلة لجهة تأسيس وإدارة الحسابات المعنونة بالعملة الأجنبية:

  • الحسابات في الدولار المحلي التي تخضع لأحكام التعميم الأساسي رقم 151،
      – الحسابات في الدولار المحلي التي تخضع لأحكام التعميم الأساسي رقم 158،
  • الحسابات في الدولار الفريش التي تخضع لأحكام التعميم الأساسي رقم 150،
  • وأخيراً، الحسابات في الدولار الفريش التي تخضع لأحكام التعميم الأساسي رقم 165، ويشمل هذا التعميم الحسابات بالليرة اللبنانية الفريش.
    السؤال الأهم هنا، هل تلتزم المصارف بتصنيف حساباتها بالعملة الأجنبية وفق أحكام هذه التعاميم وتُصرح عنها للجهات الرقابية، أي لجنة الرقابة على المصارف؟ الجواب السريع والمباشر هو أن غياب دور لجنة الرقابة على المصارف يضيف ضبابية على المشهد المصرفي في لبنان، ولا يساهم بتوصيف الأمور كما هي ويزيد من منسوب التكهنات والسِناريوهات لجهة تحديد مستقبل المصارف التجارية العاملة في لبنان. 
    وبالعودة إلى مايجب أن يكون هناك من سيولة جاهزة بالعملة الأجنبية، جاء في 27 آب من سنة ال 2020 أيضاً التعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 154 وألزم المصارف بتكوين 3% من أرصدة ودائعهم بالعملة الأجنبية (أي الدولار المحلي) سيولة جاهزة خارجية لدى المصارف المراسلة.
    وهذا يعني أنه بإحتساب بسيط نستخلص ما يلي:
  1. هناك 15% من أرصدة الحسابات بالدولار المحلي سيولة جاهزة لدى مصرف لبنان وعلى حاكم مصرف لبنان بالإنابة إبلاغ الشعب اللبناني، المودعين منهم، إذا كانت هذه السيولة بالدولار الفريش “الظريف” أم بالدولار المحلي “السخيف”.
  2. وفي المقلب الآخر، يجب أن يكون هناك 3% سيولة جاهزة لدى المصارف المراسلة ومن الطبيعي أن تكون هذه السيولة متوفرة بالدولار الفريش الظريف.
    نشر أرقام وحجم الإحتياطي الإلزامي لا يقدم ولا يؤخر بالأمر لأن الواقع المرير هو أن هناك تعتيم فاضح في ما يخص مصير هذه الأرصدة لدى مصرف لبنان!
    توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان والإكتتاب في الديون السيادية هو قرار الإدارة التنفيذية في المصارف التجارية وعليهم، وفق القوانين وتعاميم مصرف لبنان ذات الصلة، تحمل أي خسارة قد تنتج عن هذه التوظيفات من جراء تعرضها لأي مخاطر كمخاطر الإئتمان، السوق، او تقلب الفائدة؛ أما قرار التوظيفات الإلزامية يعود إلى المجلس المركزي لمصرف لبنان وعلى هذا المجلس وضع حدّ للضبابية التي تواكب مصير هذه الأرصدة:
  • 70% من الإحتياطي الإلزامي بالليرة اللبنانية (سيولة جاهزة بالليرة) تم إستهلاكها من خلال قروض مدعومة الفوائد للقطاع الخاص. أين هي؟
  • 18% (15% + 3%) سيولة جاهزة بالعملة الأجنبية بين مصرف لبنان والمصارف المراسلة. ما هو مصيرها؟
  • الكل بات يعلم بأن المصارف لا توظف 100% من السيولة المتوفرة لديها، بل تحتفظ بجزء منها كسيولة جاهزة في خزناتها الحديدية كإحتياطي إضافي وقائي (Excess Reserves).

عندما إتخذ المجلس المركزي لمصرف لبنان قرار تخفيض نسبة التوظيفات الإلزامية على الودائع بالدولار المحلي (كل الودائع التي لا تخضع لأحكام التعاميم الأساسية التي تحمل الأرقام 150 ، 165 لنكن شموليين رغم أن التعميم 165 صدر بعد هذا القرار)، كانت الودائع بالدولار المحلي تلامس ال 85 مليار دولار. وهذا يعني أن 850$ مليون دولار أصبحت متوفرة للمصارف التجارية للتصرف بها. هذا المبلغ هو من حق أصحاب الحسابات المصنفة وفق أحكام التعميم 151 وأيضاً التعميم 158، ولكن للأسف لم يرفق تحرير هذه النسبة بأي تعليمات لجهة سدادها إلى أصحابها. وغياب لجنة الرقابة على المصارف عن أداء دورها الرقابي عزز من منسوب الإستنسابية في ممارسة المصارف لدورها في خدمة المودعين.

في كل إطلالة له كان حاكم مصرف لبنان بالإنابة يعدنا بالشفافية المطلقة؛ ها نحن نسألك يا سعادة الحاكم: ماذا فعلتم وماذا فعلت المصارف بالسيولة الجاهزة، داخلية وخارحية، التي يجب أن تكون متوفرة لديهم؟ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *