Mr. Jackson
@mrjackson

وقفوهم إنهم مسؤولون..

الشيخ الدكتور حسان محيي الدين

“وقفوهم إنهم مسؤولون”
آية كريمة من كتاب الله العزيز، نتلوها في وردنا ونقرأها في صلاتنا ولكن، هل تدّبرناها وفهمناها بالتمام والكمال؟ أليس الله تبارك وتعالى هو القائل ((أفلا يتدّبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها))؟ وما نفع المظاهر الإيمانية، باللباس والزي، أو بالخطابات الرنانة، أو بالعلاقات والإستقبالات اليومية لذوي المناصب الدنيوية (الفانية)!
العجيب ،أن الجميع، وأقصد هنا (المسؤولين) بالذات، يعلمون أنهم في موقع المسؤولية ولكن يفسرونها ذاتياً مفتخرين ومسرورين أنهم أصحاب مناصب، ولا يتفكرون بهذه (المسؤولية) أنهم سيكونون محور سؤال بل أسئلة تكاد لا تنتهي، فالتحقيق في سراديب الدوائر المختصة في الدنيا، عدلي، قضائي، شرعي وغيره ينتهي بنتيجة، والمحقق من البشر، أما التحقيق والسؤال يوم القيامة فيكاد لا ينتهي، فالمحقق هو العزيز الجبار! فماذا أعددت أيها المسؤول للسؤال؟
أي مسؤول لا يفكر في ذلك مهما كانت رتبته ومهما كان منصبه، إلا النادر جداً؟ فالمسؤولية في الدنيا رتبة وعلامة، وفي الآخرة خزيٌ وندامة، إلا من مشى فيها بالعدل والحق، والكل معني بالمسؤولية، من القمة (الرؤساء) لكل المناصب حتى أصغرهم في المصالح والدوائر والفروع وغيرها من مسميات الأنظمة والحكم، ولكن لنا في دين الإسلام نصيب وافر في المسؤولية، خصوصاً أنه وردت آيات بينات وأحاديث عديدة حول تولي الفرد لمنصب وغيره، وبالمقابل كان الجزاء له، فمن أحق الحق وأشاع العدل له الحسنى، ومن أساء الأمانة وضيّعها وسار بالظلم والجور، فله العاقبة السيئة والعذاب الشديد، وفي تاريخنا أمثلة على ذلك، وهنا لا بد من استذكار قول الشاعر:
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم آخره يأتيك بالندمِ
تنام عينك والمظلوم منتبهٌ
يدعو عليك وعين الله لا تنمِ
فكم من مظلوم يدعو وينتظر من ربه إجابة دعواه وشكواه ورفع مظلمته حتى لو تأخر جواب السماء، وكم من ظالم أمعن وأسرف في ظلمه لنفسه ولغيره ولم يأبه للعاقبة ولم يفطن للحساب
في الحقيقة، أن من تولى شؤون الناس ولم يكن على قدر من المسؤولية بحجة واهية أن الضغوطات عليه تجعله ضائعاً تائهاً لا يستطيع أن يهتم بالكثير من معاناة الناس، مهما كانت رتبته ووظيفته، فليعلم أنه قد أغضب العزيز الجبار وليتذكر أن من كان قبله لم يستطع إرضاء الخلائق ولن يستطيع، فعليه قدر الإمكان وحسب طاقته البشرية أن ينتهج العدل وذلك الفاروق (عمر) رضي الله عنه كان مسؤولاً عن عشرة بلدان اليوم، لا ينام الليل ويحاسب نفسه مشفقاً عليها، ويحمل همّ دابة في العراق إذا تعثرت في طريقها، يرأف بالحيوان فكيف بالإنسان، واليوم المسؤول عنا إذا أردنا أن نخاطبه بالكاد نستطيع رؤيته ومقابلته بعد مئات الإتصالات ومئات الطلبات، وبوسائط من المقربين، وإذا قابلته فربما لدقائق معدودة، ولا تسمع عنه في الإعلام إلا أنه، الصالح، العادل، التقي، النقي، الطاهر، خادم العلم والدين، أنيس الفقراء والمحتاجين، لا داعي لكل ذلك، فالدنيا بكل ما فيها فانية، وما عند الله خيرٌ وأبقى والله عز وجل مطّلعٌ على السرائر والضمائر، وعند الله تجتمع الخصوم، فيا من تولى من أمر الدين والدنيا شيئاً، انظر إلى من سبقك (فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك)، وفكر وتدبر، واعلم أنك مفارق كل شيء يوماً ما، وستكون في ذاكرة النسيان ومن حطام الماضي، وستقف مخذولاً مجرداً من الحراسة والمنصب بين يديه، تبارك وتعالى، ليسألك عن ظلمٍ هنا، وجورٍ هناك، وتعسفٍ هنا وكسر للخواطر هناك، واستعلاء واستكبار وكأنك نسيت أنا إلى الله راجعون جميعاً، وهناك لا ينفع الندم، ولا مال، ولا بنون، إلا قلب سليم وعمل صالح…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *