رئيس حزب القوات اللبنانية كشف عن أن “أكثر من طرف داخلي وخارجي حاول إقناعنا بفرنجية ورفضنا”
دنيز رحمة فخري – اندبندنت عربية
فعلها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وقرر أن يخرج عن صمته الرئاسي معلناً في حديث صحافي دعم رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وبذلك يكون بري، حليف “حزب الله”، قد كشف للمرة الأولى وبشكل علني عما كان يقال في الغرف المغلقة، أن مرشح الثنائي الشيعي، حركة “أمل” و”حزب الله”، هو سليمان فرنجية. وبرر رئيس المجلس، صاحب القرار الأول والأخير في الدعوة إلى جلسات انتخاب الرئيس، التأخر في إعلان ترشيح فرنجية بسبب “انتظار توافر أوسع تأييد له”. وفي تبنيه العلني لفرنجية مرشحاً جدياً وحيداً يكون بري قد قطع الطريق على قائد الجيش العماد جوزيف عون المنافس الأقوى لفرنجية. وأكد “أن وصول قائد الجيش يحتاج إلى تعديل دستوري، أعتقد أن حصوله في الوقت الحاضر متعذر، إن لم يكن أكثر، فلا الظروف الحالية تتيح حصول مثل هذا التعديل، إضافة إلى عقبة أكثر تعقيداً تمنع تعديل الدستور في ظل حكومة مستقيلة”. وحصر بري الترشيحات الجدية بفرنجية وحده، بعد أن شطب مرشح المعارضة النائب ميشال معوض من لائحة السباق إلى الرئاسة وقال “مرشحنا جدي وأكدنا عليه مراراً، أما مرشحهم فليس سوى تجربة أنبوبية”. وربط كثيرون في لبنان توقيت الموقف الرئاسي لبري وتمسكه مع “حزب الله” بفرنجية، وهو الذي كان يدعو إلى عقد حوار للاتفاق على رئيس، بسلسلة تطورات مرتبطة بالموقفين الفرنسي والأميركي باتجاه الضغط للإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، حتى لو كان فرنجية.
موقف فرنسي وآخر أميركي شجع بري
لم يكن الترشيح العلني لرئيس “تيار المردة” وليد الصدفة، فقد سبق موقف بري حركة لافتة للسفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو على المسؤولين ورؤساء الكتل النيابية، نقلت خلالها طرحاً تقدمت به بلادها في اللقاء الخماسي في باريس، نص على انتخاب سليمان فرنجية رئيساً مقابل الاتفاق على رئيس حكومة توافق عليه المعارضة، واقترح اسم السفير السابق نواف سلام. وكان بري قد تقصد، قبل إعلان تبنيه ترشيح فرنجية تسريب معلومات محددة عن لقاء جمعه بالسفيرة الأميركية دوروثي شيا قبل نحو الشهر، وأوحى أن أميركا لا تدعم أي مرشح كما لا “فيتو” لديها على أي مرشح. وجرى التركيز على تسريب متعمد لكلام يقال إنه جاء على لسان السفيرة الأميركية عندما سألها بري عن رئيس “تيار المردة” وكان جوابها “لمَ نكون ضد فرنجية، وماذا لو انتخب؟”. وعلمت “اندبندنت عربية” أن فرنسا لا تزال تسعى إلى فكفكة العقد أمام الاستحقاق الرئاسي، وهي تعطي خيار فرنجية مهلة شهر أي حتى نهاية مارس (آذار) الجاري قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى. أما السفير السعودي وليد البخاري فلفتت – في خضم الحديث عن تبني بري ترشيح فرنجية – تغريدته التي حملت كثيراً من المعاني وقد كتب “تستهويني كثيراً أطروحة الأمل الذي لا يمنح الثقة ولا يرتقي إلى مستوى التنبؤ- لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب بقوله (الأمل كالسراب يغر من رآه ويخلف من رجاه)”، فأتى كلامه عن السراب والأمل ليؤكد ما سبق وكشف عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن لقائه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي أبلغه أن لا مساعدات للبنان في ظل تآمر “حزب الله” على الرياض. أما فرنسا فتتحرك مسلمة بعدم القدرة على تخطي “حزب الله” وموقفه المتشدد بدعم فرنجية، وتبذل غريو مع شيا جهداً لإقناع المعترضين وفي مقدمهم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، خصوصاً أن وصول فرنجية يحتاج إلى تصويت مسيحي وازن غير متوافر، بسبب رفض الكتلتين المسيحيتين الكبريين، “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، التصويت له. ولفت في هذا الإطار ما كان كشف عنه جعجع في حديث إلى جريدة “الشرق الأوسط” عن “تواصل تم مع القوات اللبنانية من طرفين أحدهما دولي وآخر محلي اقترحا القبول بانتخاب فرنجية في إطار صفقة ما”، وهو ما أكده مجدداً رئيس حزب “القوات اللبنانية” في حديث خاص لـ”اندبندنت عربية” مؤكداً بأن “هذا الخيار ليس وارداً بالنسبة إلى القوات اللبنانية”.
فرنجية مرشح بري و”حزب الله” منذ البداية
لم يتفاجأ رئيس حزب “القوات اللبنانية” بتبني بري ترشيح فرنجية، مؤكداً أنه كان على علم منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية من ستة أشهر، أن المرشح الجدي والفعلي لـ”حزب الله” وبري وحلفائهما هو سليمان فرنجية، من هنا يضيف جعجع “كانت رد فعلنا برفض الدعوات إلى الحوار (المصطنعة)، على اعتبار أنها ستكون مضيعة للوقت طالما الفريق الآخر متمسك بمرشحه، وأكبر دليل ما صدر عن الرئيس بري”. ويعدد جعجع سلسلة الحوارات القائمة المباشرة وغير المباشرة التي لم تتوقف، وأهمها التي قادها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط مع “حزب الله” وبري، إضافة إلى الحوار غير المباشر بين بكركي ورئيس مجلس النواب، وبين بكركي و”حزب الله”، وبين المطران طوني أبونجم وكل القيادات المسيحية، وكل هذه الحوارات يتابع جعجع “لم تؤد إلى نتيجة لأن (حزب الله) وحلفاءه لا يريدون إلا فرنجية، فيما المعارضة أعلنت مراراً، مع مرشحها النائب ميشال معوض، أنها غير متمسكة بترشيحه إذا طرح اسم آخر يمكن أن يحصل على 65 صوتاً، ويتمتع بالمواصفات التي تستوفي الشروط التي تتطلبها المرحلة الحالية”.
سنتخذ الموقف نفسه من أي مرشح لا طعم له ولا شخصية
ويستبعد جعجع، رداً على سؤال أي إمكانية حالياً لتراجع “حزب الله” عن دعم فرنجية، لكنه يشير إلى أنه “إذا قرر ذلك فسيكون باتجاه مرشح لا طعم له ولا لون ولا موقف ولا شخصية، بالتالي فإن موقفنا من مرشح كهذا سيكون نفسه”، ليضيف “يعني أن المعطل الفعلي للاستحقاق الرئاسي هو رفض (حزب الله) لرئيس فعلي جدي للبنان”. ويتهم جعجع الحزب بأنه يريد إيصال رئيس يكون له مئة في المئة وينفذ له سياسته ولا يتجرأ على اتخاذ قرار، و”إلا فسيعطلون الانتخاب”. وعن موقفه المتقدم في شأن حضور الجلسات بعد أن كان يؤكد أن نواب تكتل “الجمهورية القوية” يمكن أن يتغيبوا عن جلسة أو اثنتين فقط، يؤكد جعجع أن لا علاقة لهذا الموقف بأي تطورات أو معطيات جديدة في شأن احتمال وصول رئيس “تيار المردة”. وقال “حتى الأمس القريب كنا لا نزال نطالب بالتقيد بالأصول الدستورية وبعقد جلسات انتخاب مفتوحة، وكنا مستعدين لتقبل نتائجها حتى لو فاز مرشحهم، لكن بعد مرور خمسة أشهر على الشغور الرئاسي، وبعد أن قرروا تغيير شروط اللعبة الديمقراطية، وتعطيل الدستور بانتظار توقيتهم المناسب، فهذا ما لن نقبل به”. وتابع جعجع بحزم “الآدمية شيء والاستقامة شيء، أما الغباوة فشيء آخر، ولا ينتظر أحد أن نكون أغبياء وأن نقبل بأن يعطلوا حينما يشاؤون، ليأتوا في غفلة من الزمن، بعد تأمين ظروف نجاح مرشحهم، ويطلبوا منا تسهيل وصوله”.
جعجع يكشف عن تلقيه عروضاً للمضي بفرنجية
لا ينفي جعجع، صاحب أكبر كتلة مسيحية في المجلس النيابي، مراجعته من قبل أكثر من طرف داخلي وخارجي في محاولة لإقناعه بالقبول بفرنجية لرئاسة الجمهورية، كاشفاً عن أنه تلقى عرضاً يقضي بالسير بفرنجية مقابل رئيس حكومة يكون مقرباً من المعارضة، لكنه رفض. وعندما كان مفاوضوه يسألونه، ما المشكلة بفرنجية؟ كان يجيب بأن المشكلة ليست بشخص رئيس “تيار المردة” بل المشكلة تكمن في أننا نكون قد قمنا بخطوات تزيد الأزمة تأزماً بدلاً من حلها، مضيفاً “إذا وصل فرنجية إلى الرئاسة فإنه سيحكم استناداً إلى القوة التي ارتكز عليها للوصول إلى سدة الرئاسة، أي (حزب الله) وحلفاؤه”. هل يقبل جعجع بدعم فرنجية إذا تعهد الأخير بتنفيذ خطة إصلاحية تحظى بضمانة دولية؟ يجيب سريعاً “هذه الفرضية بعيدة كل البعد من الواقع، خصوصاً أن فرنجية ملتزم خطاً معيناً وكل المعطيات والوقائع طوال السنوات الماضية تثبت ذلك”.
نسأل رئيس حزب القوات اللبنانية أخيراً ماذا لو خيرت بين فرنجية أو الفوضى؟ فيجيب “شو بدك فوضى أكثر من التي نعيشها حالياً”. ويضيف “إما ننتخب رئيساً قادراً على المباشرة بحل الأزمة، وإلا فلماذا ننتخب”. وماذا عن المعارضة هل هي موحدة في مقاربة الاستحقاق الرئاسي وفي موقفها من ترشيح فرنجية؟ يجيب بثقة بأن الأكثرية في المعارضة متفقة على هذه المقاربة، ويجزم خاتماً رداً على سؤال عن المهلة المتبقية قبل تباشير الحل “سيطول الوقت اللازم ليأتي رئيس فعلي للبنان، فبعد كل ما وصلنا إليه لن نقبل أن نصوت إلا للرئيس الفعلي والقادر”.