
مصعب الأحمد بن أحمد
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
وعضو رابطة العلماء السوريين
لماذا تتحول الكثير من الجماعات و المؤسسات و الى علامة مسجلة على اشخاص بعينهم ، أو شخص مفرد ، وتتمحور حوله ؟ حتى لاتكاد تعرف الا به ، وكثيرا ما تحيا بحياته ، وتموت أو تضعف بموته . أو على الاقل تختزل في عائلة ، أو فئة أوطائفة .
وان كنت تعلم ان الجماعات والمؤسسات تبدأ صغيرة ، فتعلم ايضا من المؤسسات تقوم على فكرة أحد ، ثم بهمة أحدهم تشتد وتمتد ، وقد يموت صاحب الفكرة ، فيحملها رجل قوي ويحييها ، ويجتمع اليه بعض من يؤمن بفكرته أو الخيرين من الناس ، ويبقى هو المحرك والباعث وصاحب الهم .
ولأن المغنم على قدر المغرم ، فإن معظم المؤسسات لها مغنم ومغرم ، ومعظم الناس لايريدون تحمل الاعباء بل التنعم بالمزايا .
لذلك يقع العبء الاعظم على القافلة الاولى أو الشخص الفرد المؤسس ، ثم تبدأ رحلة الكفاح كأي مؤسسة ناشئة ، تحتاج الى تمويل ، وادارة ، وتنظيم ، وتكاليف اعلامية ، واجتماعات ولقاءات فردية وجماعية ،ووقت ، وتعب ،ومشقة ، وتحمل الاذى والصد من الناس ، ومنافحة الخصوم وصد السهام ، ثم يكتب الله تعالى لها ان تقف ، أو تنتشر ، أو تحد من عملها ، فاذا توقفت فلذاك مبرراته من أن اليد لم تكن مجتمعة ، واذا حددت عملها وضيقت دائرتها اختزلت اعمالها بالجماعة والفئة، وربما العائلة والمحيط القريب، فتشخصنت آليا ، واذا كتب لها الانتشار ، اعتبر رأسها أن من احياها هو صاحب الملكية ، وانه لولاه لم تكن ، وأن من لم يتحمل مغرمها لا ينبغي أن يتمتع بمغنمها ، وان من يطلب الغاية الان يطلبها ليفشلها ويذهب تعب من سهر الليالي وقطع الفيافي لقيامها .
وأيضا من أهم عوامل الشخصنة أن القائمين على الجماعات ، والمؤسسات شخصيات قد يتمتعون بوافر العلم والجلال ، لكن كثيرا منهم لا يمتلك القيادة والقدرة على فهم العمل المؤسساتي وأهميته ولايعرف ابجدياته
وهذا مقتل الجماعات والدول .
ولأن الإعلام يسلط الضوء على الشخص ويختزل به كل عمل الجماعة ، وهذا من أساليب الاعلام الخبيثة ، حتى ليهيء له ان الجماعة قائمة به وهو قائم بها وليس لاحدهما وجود الا بالآخر ، فيأطرونه عليها وهو ملحظ خطير ..
ولأن فكر الوراثة مسيطر على عقول الناس ، وكأنه حتمية طبيعية ، والشخصنة تؤدي الى المحسوبيات وسلطة العائلة .
ولأن اسلم طريق للفساد المالي ، والاداري ، وعدم المحاسبة .وافضل بيئة هي بيئة الشخصنة .
كل ماسبق وغيره من الاسباب التي تؤدي الى الشخصنة الكارثية .
وما يؤدي بدوره الى ضعف انتماء جميع العاملين ، وضعف المؤسسة ورصيدها الاخلاقي والاجتماعي ، وانتشار ظاهرة اللوبيات داخل الكيان الواحد ، وانتشار النفاق للقائد الفرد وصناعة الفرعون ، وضعف الجماعة وضعف قراراتها وخاصة بعد مضي الرعيل الأول .
هذه كوارث تعصف بالمؤسسات والجماعات والهيئات وكل الكيانات المعتبرة .
وقبل أن تقول لي ذكرت العيوب وتغافلت عن المزايا !!
أليست الشخصنة باب لقطع دابر الطامعين والحفاظ على وحدة المؤسسة ؟
أليست مصدر قوة ان كانت تنتمي الى شخصية مؤثرة ؟
أليست اسرع في صنع القرار ووحدة القرار ، وقطع لدابر الخلافات والتقاتل على السلطة ؟
أليست الاشخاص تنتسب الى رأس الهرم والاعمال تعرف به ؟
اليس للاسلام خليفة ؟ وللمالك ملك ؟
أقول :
لو نظرنا في الايجابيات لعظمنا الشخصنة ، ولو نظرنا في السلبيات لانكرناها ودعونا لهدمها .
وليس هذا بصواب ولا ذاك .
فلا الشخصنة مذمومة مطلقا ولا نقيضها .
فنحن بحاجة الى شيء من الشخصنة لمنع الفرقة ، والطمع ، والفساد ، وغيرها من الكوارث ولغرض جمع الكلمة.
وبحاجة الى نقيضها لمنع سلطة الفرد ، والوراثة المقيت منها ، والشللية والمحسوبية ، وتفرد الطائفة وغير ذلك .
والذي ينظم هذا العقد خيط عظيم هو الاخلاص والتجرد لله ، والرغبة في استمرار الاعمال ، والادراك والوعي لدى المدراء والرؤساء والامناء وارباب الجماعات ، ان الوحدة والبقاء في السنن الكونية سائرة باتجاه العمل المؤسساتي الرصين القائم على مبدأ الشورى ، ( وأمرهم شورى بينهم ) ويمكن للرأس ان يبقى ابا روحيا للعمل وموجها ومحل تقدير وتعظين واجتماع ، ويورث تلك الأبوة لمن هو حقيق بها بتجرد لله ، ويعطي الادارة لمجلس شورى متخصص كل في مجاله ليس صانعا للقرار فحسب بل حاميا له ،ومراقبا ،ومحاسبا ، ومدققا وموجها ، ومخططا من الامناء على العمل لكي لا تنحصر الدنيا بشخصه فتذهب الاعمال بذهابه ، ويفصله عن الادارة المالية ، والادارة المباشرة ، ويجعل على كل من الادارتين محط محاسبة ، ثم يضع لوائح وقوانين تضبط الوظائف الادارية وميزاتها ومدتها وشروطها ولا يخترقها ولا يسمح باختراقها ، ثم يعتزل بنفسه ليترك المجال لغيره ممن يجد فيه الاهلية ، ويؤهل غيره لها ، ولسان حاله يقول المؤسسة هي الاهم ، ويؤسس لعمل يبقى مدى الدهر قلعة رصينة ودولة تتنامى وتزداد مع الزمن .
ولعمري اي جماعة تلك التي تقول لا نجد في كل ابناءها بديلا ، أليس هذا يقدح فيها على الجملة ان لم تتمكن من تأهيل من يصلح بديلا ؟
وقد عهدنا اكثر من في الارض من المؤسسات والجماعات يستصحبون المنصب الى القبر ولو استطاعا لاستصحبوه في القبر ايضا .
ان التجرد لله ، والوعي ، وفهم العواقب ، وادراك المآلات ، ونصح المسلمين ، والعمل المؤسساتي الرصين البعيد عن الشخصنة المقيتة هو كلمة السر في نجاح أي جماعة أو مؤسسة أو منظمة كبرت أم صغرت .
ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذهب من بعده الخلفاء الراشدون وبقي الاسلام .
وليكن شعار الجميع
(لتذهب الاشخاص وتبقى المؤسسة والجماعة)
