ليس لليابان أجندة مخفية وتنسيق سعودي ياباني فاعل في زمن استهداف الطائف

كتب أحمد الأيوبي
إعتاد لبنان على مشاركة سفراء الدول الصديقة والشقيقة في القضايا الاجتماعية والتنموية لكنّ هناك ظاهرةً يشكّلها السفير الياباني في بيروت تاكيشي أوكوبو تتّسم باختلاط الدبلوماسية بالمشاعر الشخصية وترجمتها بأداءٍ إنساني بات يميّز تعامل هذا السفير مع الواقع اللبناني المعقّد والمزروع بالألغام، فإذا به يكتسب الخبرة والمرونة ليقدِّم نموذجاً استقطب محبة اللبنانيين واحترامهم وتقديرهم، ليس فقط لمبادراته الداعمة لهم، بل أيضاً بلغته العربية الجميلة وبإتقانه لها واستخدامها في التعبير عن أفكاره وتطلعاته تجاه لبنان.

يمكن اعتبار السفير أوكوبو سفير اليابان إلى العالم العربي. فقبل مباشرة مهامه لدى الجمهورية اللبنانية في تشرين الثاني 2019، كان قد شغل منصب سفير للشؤون الفلسطينية، ممثلاً اليابان إلى فلسطين (2015-2019). كما خدم في وزارة الخارجية كمدير لملف أفغانستان ـ قسم تخطيط المساعدة في مكتب التعاون الدولي وكذلك المنسق الخاص لشؤون الشرق الأوسط (2013-2015).
شغل السفير أوكوبو العديد من المناصب الخارجية، معظمها في الدول العربية، منها منصب المدير السياسي للسفارة اليابانية في مصر (2010-2013) ، ومستشاراً في السفارة اليابانية في المملكة العربية السعودية (2006-2010) ، وكدبلوماسي مبتدئ في السلطة الفلسطينية وسوريا وليبيا، فشهد الانتفاضة الفلسطينية الثانية وموجة الربيع العربي..
منصة للتعبير عن الدبلوماسية بإنسانية مؤثِّرة
تحوّل حسب السفير أوكوبو على “تويتر” إلى منصّة عبّر فيها عن رؤيته الشخصية لمنطقة الشرق الأوسط التي خدم فيها “أكثر من ٢٠ عاماً” مضيفاً أنّ هذه المنطقة أصبحت “جزءاً مهماً من حياتي حتى أنّ ابني ولد هناك”.

كما عبّر عن حبّه لمدن لبنان وبلداته، فينشر على حسابه صورها وصور المدن اليابانية معلناً عن محبته لها:”كيوتو هي المدينه المفضلة لديّ بعد بيروت. للمدينتين صفات مشتركة مثلًا المباني القديمة، الأماكن الدينية، التاريخ العريق، والطعام الشهي إضافة الى شعبيهما المضياف!”.
تنسيق سعودي ياباني فاعل في زمن استهداف الطائف

يؤكّد السفير أوكوبو أنّه “ليس لليابان أجندة مخفية لمساعدتها. إنّ مهمتي تكمن في إظهار حسن نيةٍ صافية بالمساهمة في بناء الأمة في المنطقة. تقف اليابان دائماً بجانبهم وخاصة في الأوقات العصيبة. حمى الله لبنان الشبيه بالجوهرة”.
وتحرص الدبلوماسية اليابانية على استقرار لبنان علاقته الوطيدة بالمحيط العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية، لما لها من مكانة إقليمية، ولدورها الأساس في وقف الحرب الأهلية وإنجاز اتفاق ودستور الطائف. لهذا يحرص السفير أوكوبو على التواصل مع سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد البخاري في المحطات المهمة، وكان آخرها لقاؤهما في منزل السفير أوكوبو في منزله باليرزة في 14 تشرين الأول الجاري، حيث كان “اللقاء هادفاً ومثمراً في ضوء آخر المستجدات المحليه والاقليمية. كما هو الحال دوما وجهات نظره ثاقبة”.
تكمن أهميّة هذا اللقاء بأنّه جاء في قلب الحملة التي بدأت للانقلاب على اتفاق الطائف ولتغيير الدستور اللبناني بالاستناد إلى فرض الأمر الواقع، وتهديد البلد بالمزيد من الانهيارات للوصول إلى ما يسمى المؤتمر التأسيسي.
الاهتمام بالثقافة اللبنانية

يعتني السفير أوكوبو بالقيم التي يحملها لبنان وموقعه في سلّم الثقافة العالمية، فأبدى سروره من إعلان مؤشر المعرفة العالمي 2021 أنّ “لبنان يحتل المرتبة الـ8 عالمياً في حجم الصادرات الثقافية”، ليعلّق بالقول إنّ “هذا المؤشر دليل واضح عن عمق الثقافة والحضارة في لبنان، وعن تميز التعليم العالي، وانتشار المثقفين في المجتمع، والأسلوب اللبناني الاستثنائي في التفكير والابتكار. كل هذه المميزات تجعل من لبنان محط اعجاب عالمي!”.
مشاركة اللبنانيين يومياتهم
يشارك السفير أوكوبو اللبنانيين في أحزانهم وأفراحهم، فيعزيهم بضحايا زوارق الموت قائلاً:”مرة أخرى تحلّ الفاجعة على عدد كبير من لبنانيين وغيرهم ممن ماتوا غرقاً في رحلة الموت مهاجرين من وطنهم بحثاً عن حياة أفضل. أشعر بحزن عميق ولا أجد الكلمات لمواساتهم. ما أصعب الغرق وما أقسى الموت”.
وعند فوز الفرق الرياضية والفنية اللبنانية، يكون السفير الياباني في طليعة المهنئين والمشجيعين للطاقات والمواهب والداعمين لها.
خدمات من دون تمييز
في مجالات التنمية لا يترك السفير أوكوبو منطقة لبنانية إلاّ ويعطيها من جهده واهتمامه، من دون تمييز، بل يضع في أولوياته مساندة الشعب اللبناني في مواجهة تداعيات الانهيار، من خلال نشر المشاريع ذات الطابع المستدام، وخاصة تزويد المرافق الصحية والاجتماعية والإنسانية بالطاقة الشمسية النظيفة، في وقتٍ تعزّ فيه طاقة كهرباء الدولة عن هذه القطاعات الحيوية، فيمتدّ الدعم الياباني في مختلف المحافظات من عكار حتى الجنوب، ومن البقاع حتى بيروت والجبل.
تعزيز قدرات
مستشفى رفيق الحريري

مولت اليابان نظاماً للطاقة الشمسية وقدمت معدات طبية عبر @UNOPS، ليؤكّد السفير أوكوبو أنّ “الطاقة المتجددة حل لانقطاع الكهرباء المستمر ومحدودية الموارد المالية لتأمين الفيول. كانت اليابان وستبقى تدعم قطاعات لبنان الأساسية في الرحلة نحو الطاقة المتجددة”.
الضاحية الجنوبية على خريطة المساعدات اليابانية
مولت اليابان عبر @UNICEFLebanon مشروع إعادة تأهيل شبكة المياه في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي أتى استكمالاً لهبة يابانية سابقة تم عبرها بناء خزان مياه كبير للمنطقة حيث عانى الناس من شح المياه لمدة طويلة، ليؤكد السفير أوكوبو أنّ هذه المشاريع تضمن حصول السكان على مياه آمنة عبر توزيع مستدام، ليخلص إلى أنّ استدامة المشروع تعتمد بشكل كبير على المسؤولية المشتركة والتعاون الجيد بين البلديات والمجتمعات المحلية والمؤسسات العامة المعنية، واستمرار نجاح المبادرة في السنوات المقبلة سيستند حتماً على الاشتراك الفعال للسكان في خدمة المياه، وإدارتهم الجيدة للموارد المائية.

وفي جبل لبنان دشّن السفير أوكوبو مشروع تجهيز عيادات مركز بعقلين الطبي بمعدات طبية متطورة بهبة من اليابان، على أن يتضمّن حصول الاف المرضى سنوياً على الرعاية الصحية في عدة مجالات بكلفة متدنية، مجدِّداً التزام بلاده بدعم لبنان للتخفيف من وطأة الأعباء الني تواجه الشعب اللبناني.
طرابلس عروس المتوسط الغنية بالإمكانات
يكرّر السفير أوكوبو زياراته إلى طرابلس “عروس البحر المتوسط” كما يحلو له أن يصفها، فيقول متغزِّلاً بجمالها:”إستمتعت بزيارة طرابلس.. وفي كل مرة أزور هذه المدينة، أعود مقتنعًا بأنها “تتميّز بأوجه جمالية عدّة تتخطى حدود المرفأ. يذكّرني سحر المدينة في كل مرّة بإمكانياتها الهائلة التي لا بد من تطويرها في العديد من المجالات بما في ذلك السياحة والصناعة والتجارة.. في طرابلس الطعام لذيذ، الأسعار معقولة وشعبها ودود!”.
أرسى السفير أوكوبو علاقة صداقة وتعاون مميزة مع غرفة طرابلس الكبرى ورئيسها توفيق دبوسي لينفتح أفق أفضل في التلاقي والتنسيق لما فيه خير لبنان واليابان.


قدّمت السفارة اليابانية في أوقات سابقة الدعم لمنتجي الأثاث في طرابلس ثم عاد السفير أوكوبو لزيارتهم معرباً عن إعجابه بالتصاميم وتنافسية الأسعار:” أنا مقتنع بالإمكانات المستقبلية لصناعة الأثاث. الاعتماد على السوق المحلي للأثاث بدل الواردات فرصة خلال الأزمات. آمل أن تتغلب الفطنة التجارية لسكان طرابلس على هذا الوضع الصعب”.

وللسفير الياباني في الميناء مرساة لقاء مع أصدقاء يشاركونه التطلعات الإنسانية نفسها، وكان لسفارة بلاده إسهام في تجهيز شوارعها بأنظمة إنارة بالطاقة الشمسية:”أتمنى أن ينسحب هذا المشروع النموذجي على بلدات أخرى لتأمين الانارة للأحياء ليلاً في ظلّ انقطاع الكهرباء ممّا يعزِّز الأمن المجتمعي ويُنشِّط الحركة الاقتصادية في الشوارع التجارية”.

كذلك زار السفير أوكوبو مركز التدريب الممول من اليابان للصناعات الخشبية في زغرتا ويسعدني جدا أنه لا يزال يعمل، مؤكداً أنّ دعم الإنتاج المحلي من خلال توفير التدريب المهني للشباب أمر مستدام إلى حد كبير وسنواصل دعمه. وكذلك زار مركز التوحّد في البلدة وتلقى فيه أعمالاً رائعة كلها مكتوبة بالحروف اليابانية والتي تعني “الأمل” و “الحب” و”القوة”: “زرتُ المركز لتشجيعهم ولكنهم في الواقع هم الذين شجعوني كثيرًا، إنّهم أطفال رائعون! أحيّي احترافية العاملين بالمركز في رعاية الطلاب. أتمنى لهم كل التوفيق!

لم تغب عكار عن دائرة اهتمام السفير أوكوبو فكانت له جولة على مشاريع تنموية نفذتها @IOMLebanon بهبة يابانية:”سررت بزيارة مدرسة رسمية في إيلات عكار حيث تم تركيب صفوف مسبقة الصنع تعمل بالطاقة الشمسية لاستقبال طلاب أكثر والحد من أزمة الكهرباء.اليابان من أوائل من دعم مدارس لبنان عبر الطاقة المتجددة وهي حريصة على مواصلة دعمها!”.

إزالة الألغام ومخاطر
الرصاص الطائش
تصل مساهمات اليابان إلى مكافحة الألغام وفي هذا الإطار أعلن السفير أوكوبو أنّ “قرية البستان أصبحت أخيراً خالية من الألغام، بعد 15 عاماً من الجهد. أهنىء سكان البلدة خاصةً المزارعين على مزاولة أنشطتهم الزراعية من جديد. كما أحيي جهود الفرق العاملة التي قامت بعمل يومي خطير وشاق. لم يكن من الممكن تحقيق هذا الإنجاز بدونكم!”

وشارك السفير أوكوبو اللبنانيين تعرّض مقر اقامته للمرة الثانية لرصاصة طائشة، موضحاً أنّها هذه المره ارتدّت واستقرت في بهو المنزل لكن لم يصب أحد بأذى. “أنا حزين جداً لما يحصل. رجائي أن تكفوا عن اطلاق الرصاص في الهواء كي لا يتحول ذاك إلى ضرر أو مأساة عند الاخرين”.
سطور تكريم لصاحب الطاقة المتجدّدة في محبة لبنان

تكشف حركة السفير أوكوبو عن كثافة وحجم المشاريع التي تقدِّمها اليابان للبنان، والتي لا يمكن إحصاؤها في هذا المقام، لكنّ ما يمكن تسطيره وتسجيله بحروف ذهبية هي صفات العمل الإنساني والتجّرد والحكمة التي يتمتع بها هذا الرجل، الذي يتّسم بالعزيمة على الاستمرارية والعطاء، بمشاركة فريق عمله الناجح.. وهذه السطور ليست سوى تكريمٍ متواضع لجهود شخصية دبلوماسية متألّقة كسبت احترام الجميع وأصبح لها في قلوب اللبنانيين مكانة مرموقة، لأنّه بالفعل يحمل طاقة متجدِّدة ونظيفة لا تتوقف في محبة لبنان ومساندة اللبنانيين، حيث يسمو العطاء ويرتقي البذل في أزمنة المحن والأزمات.. فاستحقّ الثناء والتقدير.
