التعاون بين غرفة طرابلس وإدراتي كهرباء لبنان وقاديشا يفتح أبواب تحصين الأمن المائي والاجتماعي
خيار الطاقة النظيفة واعد ويبشِّر بإمكانية
حلّ معضلة الكهرباء
محطة كوسبا أبو علي لا تزال تعمل على الطاقة النظيفة منذ العام 1932 وهي نموذج قابل للتطوير
أحمد الأيوبي
بهدوء وإصرار كان العمل جارياً في غرفة طرابلس الكبرى للوصول إلى تأمين الطاقة المستدامة لمؤسسة مياه لبنان طرابلس لمنع الانزلاق إلى انهيار الأمن المائي والاجتماعي في عاصمة لبنان الثانية، وذلك بالتزامن مع الجهود المشكورة التي بذلها النائبان أشرف ريفي وكريم كبارة ومؤسسة مرعي وبعض الجهات الأخرى التي سعت لتأمين مادة المازوت للمؤسسة منعاً لانقطاع الكهرباء على مضخات المياه التي تعتبر الأفضل في لبنان لناحية التجهيزات أو البنية التحتية.
سدّت الجهود العاجلة الحاجة الضرورية، بالتزامن مع ضغوط مورست من قبل الرئيس نجيب ميقاتي لتأمين التيار الكهربائي لمؤسسة المياه، لكنّ تأمين المازوت بشكل دائم أمر مستحيل فلا قدرة لأحد على احتمال كلفته العالية جداً، لذلك كان البحث عن الحلّ المستدام مالياً وبيئياً، فانعقدت الاجتماعات المتتالية، بمبادرةٍ من رئيس غرفة طرابلس توفيق دبوسي، مع مجلسي إدارة كهرباء لبنان وشركة قاديشا والمولج بمتابعة حسن سير الأعمال في شركة قاديشا المهندس كريم سابا ومدير شركة كهرباء قاديشا المهندس عبد الرحمن موّاس ومدير مصلحة الإنتاج في الشركة المهندس باسم خياط ، ومواكبة من مديرة الغرفة الأستاذة ليندا سلطان والفريق التقني فيها، ليستقرّ القرار على البدء في تشغيل المحطات الكهرومائية العائدة لشركة كهرباء لبنان وشركة كهرباء قادشيا، وهو خيار اقتصادي وبيئي متكامل ويلبي الحاجة المطلوبة.
الثروة الكهرومائية المخبوءة
لدى مقاربة هذا الملفّ، اكتشف المتابعون أنّ شركتي كهرباء لبنان وقاديشا تمتلكان ثروة حقيقة في محطاتها الموجودة بين بشري والكورة، لا يعلم بها أكثر اللبنانيين، حيث يعود تاريخ إقامة هذه المنشآت إلى العام 1932 لكنّها لا تزال تحتفظ بمرافقها وبالكثير من تجهيزاتها التي تواصل عملها منذ ثلاثينات القرن الماضي حتى اليوم، مولِّدةً طاقة نظيفة، لتعطي الأمل بإمكانية تحقيق تنمية مستدامة في قطاع الطاقة.
من يشاهد محطة كوسبا – أبو علي الرابضة في قلب الوادي المجاور لدير “السيدة” ويعاين أناقة البناء ومتانة الإنشاء، وجمال الطبيعة الغنّاء، وتدفّق المياه المنسابة وصولاً غلى طرابلس الفيحاء، يدرك، كم كان أجدادنا أصحاب عزيمة وإرادة، حتى تمكّنوا من زرع هذه المحطة وربطها بين الوديان العميقة والجبال الشاهقة، بشبكة المياه وبشبكة الكهرباء، وكم هو مدهش مشهد خطوط الكهرباء وهي تحلّق فوق الوادي السحيق، لتذكّرنا كم بذل السابقون للأجيال التي خلفتهم، على جميع المستويات.
في الجولة على الشبكة الرافدة لمحطة كوسبا – أبو علي ترى الأنبوب الكبير يتلوّى عبر الوهاد وصولاً إلى خزان البستان الذي يعتبر المغذّي المباشر للمحطة، وهو يتمتع بكفاءة التشغيل والاستثمار وكأنّه قد جرى إنشاؤه في الأمس القريب.
في الجولة على المنشآت نكتشف أنّ هناك آلات لتوليد الطاقة الكهربائية لا تزال تعمل على التوليد من خلال ضغط المياه، وأنّ هناك آلات أخرى جرى تطويرها، لتواكب اتجاه السلطة نحو الاعتماد على المحروقات، بينما جرى إهمال التوليد عبر الطاقة الكهرومائية عبر السنين.
لا بدّ من الإشادة هنا بأمانة وكفاءة الفريق المشرف والعامل على محطة كوسبا – أبو علي، وهم الذين حافظوا على موجوداتها واحتفظوا بلمسات التاريخ فيها، فيمكنك أن تجد غرفة التحكم وفيها المفاتيح والساعات ووسائل التحكّم القديمة كما هي، وبعضها ما يزال في الخدمة.
لا يمكن لمن يطّلع على هذه المنشأة إلاّ أن يبدي التقدير لمن حافظ عليها بأمانة رغم مرور تقلّبات كثيرة وكبيرة على البلد، أطاحت بهذا القطاع بشكل خاص، وأخضعته للكثير من عوامل التدمير، لكنّ هذه المحطة صمدت وبقيت واستمرّت.
إعادة الاعتبار للطاقة النظيفة
لقد عملت غرفة طرابلس الكبرى على تأمين قطع الغيار المطلوبة لإعادة تشغيل أوّل محطة كهرومائية والتي توفر 3 ميغا لصالح مؤسسة مياه طرابلس، وتغنيها عن الاستنزاف في تأمين المازوت الذي تبلغ كلفته 15 ألف دولار في الأسبوع.
أمّنت غرفة طرابلس الكلفة المالية لتصليح وصيانة المحطة الكهرومائية المعطّلة ويتابع رئيس الغرفة توفيق دبوسي جهوده لتشغيل محطاتٍ أخرى، بالتنسيق والتكامل مع إدارات المؤسسات المعنية، حيث يُنتظر وضع خطة متكاملة لتوفير الموارد المالية اللازمة لإطلاق المزيد من المحطات الكهرومائية التي يبدو أنّها مشروعٌ واعد ليس من أجل تأمين الطاقة لمؤسسة مياه طرابلس، بل إنّها تصلح لبناء استراتيجية تأمين الكهرباء لطرابلس والشمال إذا جرى تشغيل المحطات الأربع ويزيد الأمر أهمية في حال التعاون على تشغيل محطة نهر البارد.
دبوسي يسعى لتطوير التعاون في مجال الطاقة
يقود توفيق دبوسي مسعى دؤوباً للوصول إلى تعاون وطني جامع لصالح إعادة تشغيل المحطات الكهرومائية فتعود الحياة إلى مناطق الشمال وفي القلب منها طرابلس، وهو يعمل خارج الصلاحيات التقليدية لرئاسة الغرفة، بما يتجاوزها إلى تحقيق روح المصلحة العامة ومنع الانهيار من أن يصيب الناس في حقّهم في المياه، شرباً واستخداماً، والتعاون القائم مع إدارات كهرباء لبنان وقادشا ومؤسسة مياه طرابلس ولبنان الشمالي، هو تعاون نموذجي يستحقّ التقدير، ويستدعي مدّ الأيادي للتعاون في توفير الطاقة النظيفة وحفظ الأمن المائي والاجتماعي شمالاً.