في الساحة السياسية مشهدان مختلفان تمامًا:
- مشهد المعارضة التي يتبلور موقفها الرئاسي تباعًا من خلال حركة مكثفّة غير المرئي فيها أكثر من الظاهر، على رغم ان الحركة المعلنة مهمة، حيث إنّ مساحة التوافق بين مكونات المعارضة أصبحت أكبر من مساحة الاختلاف، واجتماع دار الإفتاء في 24 الجاري يشكل نقطة تحوّل مهمة باتجاه مزيد من توحيد صفوف المعارضة.
- مشهد الموالاة الذي يشهد تناقضًا ما بعده تناقض حول تأليف الحكومة وليس فقط رئاسة الجمهورية، وذلك في ظلّ خلاف مستحكم بين العهد الذي يريد حكومة من 30 وزيرًا تضمّ 6 وزراء سياسيين ومن بينهم النائب جبران باسيل طبعًا، وبين الرئيس نبيه بري الذي لا يريد منح العهد فرصة تشكيل حكومة جديدة.
خلاصة ما تقدّم: أنّه في الوقت الذي تعمل المعارضة على توحيد صفوفها والاتفاق على مواصفات مشتركة وغربلة أسماء المرشحين وصولاً إلى مرشّح رئاسي واحد، تنقسم الموالاة بين مَن يريد حكومة جديدة ومَن يسعى لاستمرار حكومة تصريف الأعمال، وهذا الانقسام الحكومي ينسحب حكمًا على الاستحقاق الرئاسي.
وعلى رغم ان الدينامية المعارضة لن تقود إلى انتخاب رئيس للجمهورية حتى لو نجحت في تبني ترشيح معيّن، لأنّ الفريق الآخر سيعطِّل جلسة الانتخاب، إلا أنّ ما هو أهم يكمن في الرباعية الآتية:
- أولا، قدرة المعارضة على توحيد صفوفها حول مرشّح رئاسي يضعها في موقع الفعل، ويضع الفريق الآخر في موقع ردّ الفعل.
- ثانيًا، من المهمّ جدًّا إظهار فريق 8 آذار بأنّه يعطِّل النصاب الدستوري ويمنع انتخاب رئيس للجمهورية.
- ثالثًا، تحويل الاستحقاق الرئاسي إلى محطة تلاقٍ بين المعارضة والناس التواقة إلى عهد جديد بمواصفات سيادية وإصلاحية والمجتمع الدولي الذي يريد انتخابات في وقتها وتجسِّد التغيير الذي أفرزته الانتخابات النيابية.
- رابعًا، وحدة موقف المعارضة رئاسيًّا والتي تجسِّد مطلبًا شعبيًّا ستساهم في مزيد من رصّ صفوف هذه المعارضة، فلا يكون التلاقٍ على القطعة فقط، إنما يتحول إلى تفاهم استراتيجي غير موجود اليوم.
وعليه، من الضروري التقاط المعارضة للمبادرة الرئاسية، والمؤشرات تفيد أنّه مع الدخول في الشهر الثاني للمهلة الدستورية ستكون المعارضة جاهزة لإعلان مرشحها.
وفي هذا السياق بالذات تأتي دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية “من البيئة الوطنية الاستقلالية”، وهذا الكلام بمنتهى الوضوح لجهة استبعاده اي مرشّح من فريق 8 آذار، ودعوته الصريحة إلى انتخاب رئيس يحمل التوجهات الاستقلالية والسيادية، لأنه خلاف ذلك يعني الاستمرار في دوامة الأزمة ومواصلة الانزلاق إلى مزيد من الفصول السيئة والسوداء.