مروان حيدر
صحافي وناشط في الشأن السياسي
لم يعد الإتفاق النووي مع إيران مجرد عرض بروتوكولي يريده الديمقراطيون في أميركا ويرفضه الجمهوريون، ولم يعد ورقة يلوح بها الغرب كلما أراد أن يخفف من الضغوطات الدبلوماسية والعقوبات نحو فقاعة إيران التي أوجدت لتكون (بوعبع) العرب، إنما أصبح الإتفاق النووي اليوم مع إيران حاجة أساسية يبحث عنها الأمريكي والأوروبي على حد سواء، فمن جهة الأوروبي بحاجة لتنويع مصادر الطاقة، ومن جهة أخرى يجب على الأمريكي أن يجد الحلول اللازمة لهذه المشكلة الأساسية في القارة العجوز، بعد أن أصبح واضحا أنه لن يتدخل عسكريا لإنقاذ أي بلد يقع تحت وطأت الدب الروسي الذي يريد قضم المزيد من البلدان في محيطه، تكريسا لكسر سياسة القطب الواحد.
صحيح أن الحرب الروسية الأوكرانية خلطت المزيد من الأوراق في العالم، وأصبح الهاجس الأساسي اليوم للعالم هو تأمين مصادر للطاقة بديلا عن الغاز الروسي المتحكم بالقسم الأكبر من العالم، إلا أن الحديث عن عودة المفاوضات في الملف الإيراني مع الغرب، كان قد طرح منذ تولي الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، وبالتالي كانت هناك مساعي أمريكية لعودة المفاوضات مع الإيرانيين، وهذه استراتيجية معروفة عند اشتداد الإحتقان بين الأطراف، فثمة من يقول أن هناك إرادة عند الغرب لبقاء إيران تلعب دورا في تشتت المنطقة وانقسام الأمة الإسلامية والعربية، لذلك هناك حاجة من الحين للآخر لمثل هكذا اتفاقات، تعطي دافع الزمن المطلوب لهذه الأنظمة، في حين يمكن القضاء عليها ببرامج العقوبات والتدخل العسكري الموضعي إن لزم الأمر …
أي هناك حاجة إضافية للاتفاق مع إيران !!
اليوم اكتملت الصورة ربما في جميع بنود الإتفاق، والمعلن من منها أقل من البنود السرية الكثيرة التي لا نعرف مضمونها في الوقت الحالي، والتغيرات التي ستحصل في المنطقة بعد هذا الاتفاق لن تكون كما قبله، وبالتالي نحن أمام معادلة جديدة في المنطقة، تطرح إيران حليفا للغرب الذي صنع منها فقاعة كبيرة تخيف جيرانها من العرب،
مسودة الأتفاق علقت على بندين أجل البحث بهما لما بعد توقيع الإتفاق، وهي الضمانات الاقتصادية التي تطلبها ايران اذا ما عطل الإتفاق بينها وبين الغرب، كما حصل في السابق، وملف إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية،
ومن المتوقع حسب رأي المتابعين أن من بين البنود السرية للاتفاق ستتخلى إيران إحدى الأوراق الأربع الممسكة بها، وهي العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولكل ورقة منها اهمية تختلف في مضمون دورها الاستراتيجي لإيران…
فمن المتوقع أن تتخلى إيران عن ورقة العراق الذي يعاني من أزمة سياسية واقتصادية وشعبية شيعية وسنية ضد إيران، وستتخلى أيضا عن ورقة اليمن مقابل ارضاء المملكة العربية السعودية المطلوب إرضاءها في ملف زيادة إنتاج النفط الذي تريده أمريكا للتخفيف من زيادة أسعار المحروقات عالميا…
إذن سيبقى لإيران سوريا ولبنان، فمن المنطقي أن تترك الولايات المتحدة سوريا لإيران فهي لا تريد أن تقاسمها روسيا وتركيا النفوذ هناك، وكذلك لن تهتم أميركا بدعم لبنان ولا الإمساك بملفه، البلد الصغير الغارق في الأزمات المالية والاقتصادية، والأهم أن قوة إيران الأساسية كامنة في (حزب الله) أي في لبنان، والمعروف أن حزب الله من دون سوريا، خاصرته الأساسية في الامتداد والنفوذ، سيكون محاصرا ببيئة معارضة ومعادية له من الشعب اللبناني فضلا عن إسرائيل … لذلك من المنطقي أن تحافظ إيران على ورقتي لبنان وسوريا معا لضمان استمرار نفوذها…
ومن المتوقع أن يترجم هذا الإتفاق في أول استحقاق قادم على لبنان ( انتخابات رئاسة الجمهورية) ومن المتوقع أيضا أن تشهد سوريا موجة من التقاربات العربية نحوها، أملا في محاولة التأقلم مع الواقع الجديد …