أحمد الحريري نموذج التسطيح السياسي والتطاول على أهل الدولة
الهجوم على السنيورة لتفريغ الساحة السنية من الأقوياء
إنتصر السنيورة بالمشاركة الكثيفة، واستعادة القدرة على المواجهة وإسقاط أغلبية “حزب الله” ورموز النظام السوري

أحمد الأيوبي
فرض سعد الحريري ابن عمته أحمد الحريري في المعادلة التنظيمية والسياسية، ليكون الأمين العام لتيار المستقبل، ولولا هذا المنصب عبر السنوات، ما كان أحد سمع باسمه ولا أقام له اعتباراً، ولم تكن له مهمّة ذات قيمة، سوى إثارة الفتن وتفريق الصفوف وتعزيز مسار التفاهة والتسطيح في هذا التيار، حيث أعطى نموذجاً سافراً في الاعتداء على وعي الناس وعقولهم، وفي التحكّم بمصائرهم بأسوأ السلوكيات، وهذا ما أنتج كوارث تنتشر على طول امتداد المناطق السنية من الشمال إلى الجنوب ومن البقاع إلى بيروت.

بلغ الاستخفاف عند أحمد الحريري حدود أن يعلن على الشاشات أنّه يتعامل مع جمهور رفيق الحريري على أساس السوق، و”حسب السوق بيسوق”، ليبرِّر استخدام الخطاب الطائفي والمذهبي لشدّ العصب في مواسم الانتخابات، من دون أن يستحيي من هذه الإهانة للرأي العام السني، الذي يدرك الآن أنّ انتماء وخطاب الحريري لا يمتّان بصلة إليه، إنّما هي لعبة المصالح والوصول إلى السلطة ليس لأجل الصالح العام، بل لجني الأرباح الخاصة، وتكديس الثروات في مصارف خارج البلد.
نشر أحمد الحريري المزيد من مظاهر التفاهة السياسية عندما سخّر السيارات العسكرية والأمنية في موكبه، وهو من دون صفة تخوِّله هذه المرافقة كلّها، وأشاع مظاهر إغلاق ساحات طرابلس وشوارعها من أجل “عزيمة” فول وحمص في الزمن الانتخابي الغابر، فحمل لقب أبو الفول، وعزّز ثقافة الرشاوى وابتعد عن المشاريع والتوجهات التنموية الجادة.

وبتوجيهات سعد، إستقطب أحمد الحريري الزعران واستبدل بهم أصحاب المهن الحرة من أطباء ومحامين ومهندسين، فتحوّلت الغوغاء إلى صاحبة مسيرة الشهيد رفيق الحريري، وأصبحت عصابات الاستيلاء على الملك العام أبرز أدواته الزرقاء، وظهر هذا في طرابلس وطريق الجديدة بشكل سافر.
تجديد الهجوم على الرئيس السنيورة
في الساعات الأخيرة غرّد الأمين العام للتيار الأزرق أحمد الحريري عبر تويتر قائلاً: “يكابر الخاسر الأول في الانتخابات النيابية في الاعلان عن خسارته، ويحاول التذكير بأمجاد غابرة من كيس غيره”. وأرفق التغريدة بصورة الرئيس فؤاد السنيورة.
لا يمكن فهم هذا الموقف الحاقد إلاّ في إطار سياسة التفاهة التي انتهجها الثنائي سعد وأحمد في تفريغ تيار المستقبل والساحة السنية عموماً من رجال الدولة والقيادات القادرة على تحمّل المسؤولية ومواجهة التحديات، وتحطيم أيّ شخصية لديها الرؤية السليمة لإدارة الصراع في البلد مع “حزب الله” وتمتلك الفهم الكافي لواقع لبنان وكيفية التعامل مع نسيجه الوطني.
ماذا يعني الإصرار على إقناع الرأي العام بأنّ الرئيس السنيورة خسر معركته من أجل المشاركة والمواجهة ضدّ “حزب الله”، بينما كان أحمد الحريري يدفع الأموال الطائلة لفرض المقاطعة واختراق الماكينات الانتخابية واللعب الخبيث بالشرائح الفقيرة الناخبة، حتى وصل به وبابن عمّته النزق حدود تضييع 4500 صوت كتب أصحابها اسم سعد الحريري في صناديق الاقتراع..
لماذا الإصرار على مواصلة الحرب على الرئيس السنيورة رغم أنّ الانتخابات انتهت وأظهرت نتائجها خيبة أمل سعد وأحمد رغم عدم فوز لائحة “بيروت تواجه” بعد كلّ الحروب والجنون الذي مارسه سعد وأحمد الحريري لإسقاطها، وهما ما زالا جزءاً من الدولة الأمنية العميقة، بالتعاون مع “حزب الله”؟

تفنيد مزاعم أحمد الحريري
خاض الرئيس السنيورة معركة متعدِّدة الأوجه، شملت جبهة الدعوة إلى المشاركة وكسر المقاطعة، وتضمّنت دعم لوائح في بيروت والمناطق، واحتوت تحالفات وطنية سعت لتعزيز الشراكة الإسلامية المسيحية.
إنتهت المعركة بنتائج هامة، منها:
ـ نجاح المشاركة في الانتخابات النيابية ورفع نسبتها بشكل صدم دعاة المقاطعة، بغض النظر عن توجهات الاقتراع.
ــ إسقاط وهم العجز وعدم القدرة على المواجهة السياسية، الذي زرعه سعد وأحمد الحريري في أذهان الكثيرين تحت عنوان حماية أهل السنة من الإبادة وحفظ السلم الأهلي وتجنّب الحرب الأهلية. فكانت واقعة الانتخابات تكذيباً ميدانياً لكلّ دعايات الإحباط والتنازل.. وأكّدت النتائج أنّ اللبنانيين قادرون على المواجهة الكفوءة إذا نظّموا صفوفهم ووحّدوا كلمتهم وموقفهم.
ــ أنّ الأكثرية تحوّلت ولم تعد في يد “حزب الله” وهذا انتصار لا ينكره إلاّ حاقد أو مشبوه، وكان للرئيس السنيورة فيه يد بيضاء وقوّة ضاربة.
ــ إسقاط رموز من عتاة وجوه الممانعة، كانوا من أشدّ الخصوم ضراوة في محاربة أهل السنة وأهل السيادة.
ــ وصول سبعة نواب في إطار التحالفات التي التزم بها الرئيس السنيورة، حيث لم يقل إنّ النواب الذين فازوا في اللوائح التي دعمها تابعون له أو يشكلون كتلة يرأسها، بل أكّد أنّ تحالفاته دعمت وصولهم إلى المجلس النيابي في بيروت والبقاع والجنوب والشمال، وهذا أمرٌ تثبته الأرقام والوقائع.

حاول إعلام سعد وأحمد الحريري تصوير أنّ الرئيس السنيورة انتهى ولن تقوم له قائمة، لكنّ الواضح أنّهما وقعا في خطأ كبير. فالرجل يحافظ على مكانته السياسية والوطنية، ولا يزال محطّ اهتمام عربي والإقليمية، ولا يزال حاجة ضرورية على المستوى الإسلامي والوطني في هذه المرحلة الصعبة، وكأنّ من يريد إقصاءه يصرّ على وضعنا تحت وطأة الفراغ.
جاءت زيارة السفير السعودي وليد البخاري للرئيس السنيورة واعتذار جريدة “عكاظ” عن بعض المقالات التي وردت فيها، لتدحض دعاية مشتركة بين الحريريّين وبين إعلام “حزب الله” زعمت وجود توتر بين السنيورة والمملكة، ولتؤكّد مكانته العربية واستمراريته في مساره السياسي، مستنداً إلى الثوابت الوطنية التي تمسّك بها طيلة سنوات عمله السياسي.

هل أخطأ الرئيس السنيورة؟
ما يفعله الرئيس السنيورة في الأساس هو مواجهة منهجية التفاهة التي أغرق بها سعد الحريري وأمينه العام، الواقع السني والوطني، فالرجل يجهد للحفاظ على الثوابت ويسعى للتفاهم على الأولويات، والأرجح أنّه أخطأ في مراعاته لسعد الحريري، وإبقائه على خطاب لَيِّنٍ تجاهه، لأنّ الأخير فـَهِـمَ وفاء السنيورة لرفيق الحريري ضَعفاً، وهذا ما وقع فيه أيضاً الدكتور مصطفى علوش، لهذا فإنّ المواجهة باتت حتميّة للردّ على هذه الافتراءات وحسم الموقف في اتجاه تشكيل البديل الصالح والجادّ وإنهاء مرحلة التفاهة التي قادها سعد وأحمد الحريري، مرة واحدة وإلى الأبد.
