كيف أضاع سعد الحريري إرث والده الشهيد.. وكيف سيواجه السنة تحدي الاستمرار
خـَـفَتَ صوتُ الزعامة السنية في الحرب الأهلية، وارتفعت أصوات المليشيات، واختارت الزعامات السنية أن تبتعد بعض الشيء عن حفلة الجنون الدولية التي مورست على أرض لبنان، فكانت الطائفة الوحيدة التي لم تفرز ما عرف بزعماء الميليشيات الذين التحقوا بالدولة الشرعية بعد العام 1990 وأكبر دليل على ذلك، غياب الحضور السني عن طاولة الاتفاق الثلاثي، الذي رعته دمشق في 28 من كانون الأول 1985 وقد حضره من الجانب اللبناني كل من النائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري والوزير الراحل إيلي حبيقة…
عاد لبنان إلى زمن السلم عقب اتفاق الطائف الذي عقد في المملكة العربية السعودية في 30 أيلول 1989، وقد بدأ فصلا من الزعامة السنية بقيادة الراحل رفيق الحريري بعمق عربي خليجي سعودي، وعناوين إعادة الإعمار وعودة الدور اللبناني وتأثيره ضمن الدولة والمؤسسات،
لعب الحريري دورا كبيرا في تزعم الطائفة السنية، بدعم سعودي، فرنسي ورضاء سوري، على أن تحفظ مصالح الجميع، وكانت الزعامة السنية الأولى من نوعها، بالشكل والمضمون، بأن يأتي رجل أعمال ليس من عائلة عريقة على مستوى العائلات التقليدية والإقطاعية، ويلعب دور قيادة الشارع السني بشكل وطني دون تمييز، أراد منه كسر العقلية الطائفية السائدة بعيد الحرب الأهلية،
نجح الحريري بإعمار لبنان وحافظ على الخلفية العربية في مرجعية الطائفة السنية ولبنان حتى اغتياله في ال 14 من شباط من العام 2005 .
مع هذا التغير الكبير في شكل الزعامة السنية، إلاّ أن الطابع التقليدي للعائلات السنية بقي حاضراً ولم ينته (آل السلام في بيروت وكرامي في طرابلس وسعد في صيدا وغيرهم).
سعد الحريري وفقدان البوصلة العربية
خلال 17 عاماً تولى خلالها الرئيس سعد الحريري خلافة والده بتزعم الطائفة السنية بأكبر كتلة نيابية سنية في البرلمان اللبناني حتى تاريخه، لم يستطيع في السنوات الثلاث الماضية المحافظة على العمق العربي الخليجي المرجعية الأساسية التي شكلت مظلة السنة في لبنان ودعمت الإقتصاد الوطني خلال السنوات الماضية، وذلك تبعا لتغير الموازين الدولية وانحراف الحريري الى خط التنازلات والتفاهمات.
وصل الحريري في مطلع العام 2022 الى قناعة خاصة تستند على مجموعة من التحولات والأزمات المالية والإقتصادية التي ضربته وضربت لبنان، فاختار تعليق العمل السياسي وعدم الترشح للانتخابات النيابية القادمة، فوضع الطائفة بتشرذم جديد يضاف الى مجموعة من التشرذمات وغياب القرار السني في الساحة الوطنية، نتيجة للاتفاقيات والتنازلات التي أبرمت لمصلحة القوى المسيطرة على الوضع اللبناني.
اليوم بعد هذا التصريح والموقف غير المسبوق للرئيس الحريري، هل أقفرت الطائفة من الشخصيات والزعامات السنية؟؟ أم أنّ ظاهرة الحريري التي طرأت على الجو السائد في توارث العائلات التقليدية للزعامة السنية قد انتهت؟
وهل أصبحت إحدى أهم الطوائف اللبنانية المؤسِّسة للكيان الوطني بلا مرجعية تمثيلية؟
ما إن طرحت هذه التساؤلات في الشارع اللبناني، حتى تهافتت القوى الحزبية على مختلف انتماءاتهم الى دار الفتوى، من رئيس الجمهورية إلى سائر الأحزاب من مختلف الطوائف، لتثبيت الموقف الوطني الرافض لغياب السنة عن المشهد السياسي وبالتالي غياب العمق العربي المرتبط تاريخياً بأهل السنة وبالتالي انتهاء الحضانة الخليجية للبنان بشكل رسمي…
فالطفل العربي المدلل (لبنان) أصبح اليوم بلا أيّ حضانة خليجية أو عربية واضحة.
القوى المؤثِّرة على الخط
بدأت بعض القوى المؤثـِّرة في المشهدية العامة الإقليمية الدخول الى المسرح اللبناني من خلال احتضان السّنة وإعطائهم مرجعية طالما فتشت عنها الطوائف اللبنانية بغضّ النظر من مدى إيمانها بلبنان السيد المستقل،
ولعل أبرز هذه المبادرات تجلّت في رسالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في الإستقبال الرسمي المهيب، الذي لا يقام إلا لرؤساء الدول والملوك.
فأهل السنة ما ابتعدوا نهائياً عن علاقتهم ورابطتهم بالأتراك، فالعائلات الطرابلسية وكذا البيروتية لديها ارتباطها العميق بالعائلات التركية، والكثير من العادات والتراث والقيم المشتركة وأهمها، سنية الطرح التركي المعاصر.
أصبح واضحاً أنّ المدخل الحقيقي للبنان على الدول العربية والخليج هم سنة لبنان، الذين شكّلوا مع مرور السنين الركيزة الوطنية المهمة الموازية والوسطية المعتدلة في الطرح وممارسة الحكم وإدارة العلاقات الوطنية، وبالتالي لا يمكن تعطيل دورهم أو تعليقه في أيّ مرحلة من مراحل الحياة السياسية اللبنانية، فهذا يعني تعليق العمل الوطني، ولا يمكن ربطه بشخصية أو حزب أو عائلة، فالخطّ العام من الإعتدال والاحتضان يبقى عند مختلف من يقود سنة لبنان ضمن المفهوم الوطني الجامع،
فما مصير الزعامة السنية في الإنتخابات النيابية القادم؟
ومن سيؤمن المرجعية التي لم تغيب عن الطوائف اللبنانية المتعددة الانتماءات ؟!