العماد جوزاف عون يحسم المواجهة: لا ننتظر غطاء أحد لملاحقة المجرمين
الشيخ يزبك يتراجع عن إنذار الجيش والمؤسسة العسكرية تكسب الجولة
البيئة الشيعية تعاني وتطلب نجدة الجيش لوقف انتشار آفة المخدِّرات

أحمد الأيوبي
وجـّه قائد الجيش العماد جوزاف عون سلسلة رسائل من العيار الثقيل في إطار حرب المؤسسة العسكرية المفتوحة على البيئة الحاضنة لزراعة وصناعة وتجارة المخدِّرات، أكّد فيها أنّ هذه الآفة أخطر من الإرهاب، وأنّه لا تراجع عن تدمير البنية التحتية لهذه المنظومة الفاسدة، وأنّه لا يخضع لشروط القوى أو الفتاوى أو رجال الدين المنخرطين في حماية الضالعين في هذه التجارة المحرّمة.

أكّد قائد الجيش أنّ عنوان المرحلة هو اعتبار “آفة المخدرات هي أخطر من الإرهاب لا بل إنها تغذي الإرهاب وتضرب المجتمع”، مشيراً إلى أن “مهمة مكافحة المخدرات ليست أساساً مهمة الجيش، ولكن لا يمكن أن نسمح بأن يغزو هذا السم عائلاتنا وشبابنا ومجتمعنا. أصبحت هذه المهمة أولويتنا، انطلاقاً من إيماننا بوطننا وحرصنا على شعبنا”.
في هذا التصنيف والتقييم، وبينما تراجعت عوامل الضغط السياسي على الجيش لقمع البيئة السنية التي حاول البعض جعلها متلازمة مع “الإرهاب”، وسحبت قيادة الجيش عوامل الاصطدام المصطنعة، بحيث استقرّت هذه البيئة النابذة للإرهاب وغابت مشاهد الاعتقالات وماتت ظواهر التطرف، يبرز الآن خطر زراعة وصناعة وتجارة المخدِّرات كخطر داهم وأولوية مطلقة، باعتبارها عامل تدمير داخلي وخارجي على حدٍ سواء.
ففي البيئة الشيعية، أصبح خطر آفة المخدرات شديد التدمير، وتفيد آخر الإحصاءات بوصول نسبة الإدمان في الضاحية الجنوبية إلى 40 % من عدد السكان، وهذا الواقع كشفه بصراحة مطلقة الإعلامي حسين شمص الذي تحدّث عن “نسبة تعاطي المخدرات بالطائفة؟ ليخلص إلى أنّ المقاهي مليئة بجيل صاراسمه “جيل الأراغيل” لا يتجاوز عمره الـ15 سنة من الصبايا والشباب”.

في هذه الحملة، تلقّت قيادة الجيش سيلاً من الاتصالات الداعمة لها من أهالي البقاع، الذين أفادوا عن تعرّض أبنائهم لآفة الإدمان وتدمير حياتهم المهنية والاجتماعية، وركّزت المطالب على ضرورة استكمال المهمة واقتلاع حصون التدمير التي تمثلها تلك المنشآت، وأعرب الأهالي عن استهجانهم لوجود من يدافع عن هذه الآفة بهذا الشكل الوقح، وهذا ما أشار إليه العماد عون عندما لفت إلى أن أهالي البقاع سئموا التفلّت الأمني، ويعتمدون على الجيش لوضع حد له، لذا فإن هذه المنطقة تستحق التضحية لأجلها، بخاصة وأننا على أبواب موسم سياحي واعد.
الجيش لا ينتظر غطاء أحد.. الرسالة وصلت
رفض قائد الجيش الخضوع لأيّ شكل من أشكال الضغوط لوقف الحملة على معاقل عصابات المخدِّرات، وأكّد أنّه لا ينتظر غطاء أحد، لا سياسياً ولا دينياً، وذلك في ردٍّ مباشر وحاسم على التهديدات التي أطلقها رئيس شورى “حزب الله” الشيخ محمد يزبك الذي وصف تجار المخدرات بـ”المظلومين” وأعطى الجيش مهلة 24 ساعة لوقف عملياته ضدّ هؤلاء المجرمين، وكم كان لافتاً تجاهل الأمين العام للحزب حسن نصرالله في كلمته التي ألقاها مساء الخميس 9 حزيران لما يجري في البقاع من مواجهات، مؤكِّداً بهذا الصمت على الموقف الذي اتخذه الشيخ يزبك من عملية الجيش.
لم يترك العماد جوزاف عون للمجاملة مكاناً، فطالب “جميع القادة السياسيين والدينيين بتحمّل المسؤولية والقيام بواجباتهم تجاه أهل المنطقة وتحصينها من انتشار آفة المخدرات”. فالمسؤولية واضحة في هذا المقام، ولا يمكن للجهة المسيطرة سياسياً واستراتيجياً في البقاع أن تبقى في حالة المساكنة والرعاية المعلنة كما حصل في موقف الشيخ يزبك وفي موقف النائب غازي زعيتر الذي يظهر في صور معلنة مع المطلوب الأول في حملة الجيش الراهنة، علي منذر زعيتر، كذلك ظهور نواب “حزب الله” في صور سابقة مع التاجر الآخر للمخدِّرات نوح زعيتر، لا بل ودعمه للظهور الإعلامي وترويج جرائمه مقابل مبايعته للسيد نصرالله من أجل “قتال التكفيريين”.

الجيش ليس جزءاً من الصراعات السياسية
صحيح أنّ قائد الجيش لم يدخل في تفاصيل عنوان المسؤولية الدينية والسياسية والاجتماعية، لكنّ الإشكالية واضحة: هل يريد “حزب الله” وحركة أمل، الاستمرار في تضخّم بيئة المخدِّرات ورعاية باروناتها، أم أنّ الوقت قد حان لإعادة بعلبك الهرمل إلى المناخ النظيف البعيد عن صناعة الإجرام؟
الواضح أنّ تضخّم آفة السموم القاتلة وصل إلى حدٍّ غير قابل للسكوت عليه، وهذا ما دفع قيادة الجيش للتحرّك الكبير، فوضع القائد النقاط على الحروف: “لسنا ضدّ أيّ عائلة أو عشيرة، إنما ضد كل الخارجين على القانون والمخلّين بالأمن والاستقرار”.
أكّد العماد جوزاف عون أنّ “حربنا ضد المخدرات مستمرة ولن تتوقف، وهذا وعد لكل الأهالي الذين فقدوا أبناءهم، أننا سنلاحق تجار المخدرات والمروّجين ولن نتركهم.. دَعَوْتُهم سابقا وأكرّر الدعوة لهم بتسليم أنفسهم لمعالجة ملفاتهم والا فليتحملوا تبعات قرارهم”.
تراجع الشيخ يزبك
هذا الموقف الصلب لقيادة الجيش في مواجهة عصابات المخدِّرات، دفعت الشيخ محمد يزبك إلى التراجع عن تهديده للجيش، وإلى القيام بواجب العزاء لعائلة الرقيب الشهيد زين العابدين، ومن بوداي “ثمن دور الجيش اللبناني في ملاحقة تجار المخدرات الذين يسمِّمون المجتمع”، داعياً إلى تضافر جهود الجميع للمواجهة مخاطر آفة ترويج المخدرات، من دون أن ينسى زجّ “المقاومة” في السياق، قائلاً:”آل شمص سباقون في القضايا الوطنية كحفظ المقاومة والسلم الاهالي وهم حريصون على الاستقرار وحصر الجريمة بمرتكبها، الشهيد زين شمص هو شهيد الوطن وكل الشرفاء.”
لا يمكن فهم تراجع “حزب الله” عن مواجهة الجيش، سوى في سياق واحد: عندما توجد الإرادة ويكون القتال من أجل المصلحة الوطنية، لا يمكن لأيّ جهة مهما كانت أن توجه الجيش والشرعية، خاصة عندما يتجاوز الإجرام الخطوط الحمراء.
