Mr. Jackson
@mrjackson

أوروبا بنت حصنها.. فمتى نبني حصننا؟

شادي الأيوبي

كتب كثيرون عن التمييز الذي أظهرته دول أوروبا بين اللاجئين القادمين من خارجها وبين اللاجئين الأوكرانيين، واستهجنوا تلك المفارقة غير الإنسانية.
.
دعونا نكون واقعيين: أوروبا عملت منذ خمسينيات القرن الماضي على بناء حلم خاص بها وبأبنائها حصرًا. وبنته بصبرٍ وبعد نظر، ونجحت في ذلك إلى حدٍ بعيد. فيما لا نرى أي محاولة لتحسين للعلاقات بين دولنا وشعوبنا. بل إن نسبة كبيرة من شعوبنا لا تعي هذه المسألة ولا ترى لها أي وزن.
.
أوروبا أرادت حصنًا يتمايز فيه أبناؤها عن سائر البشر، سواءً أأعجبنا ذلك أم لم يعجبنا، ولم يكن بناء ذلك الحلم مسألة سهلة، فقد ضحت أوروبا بأمور كثيرة وحاربت قوى داخلية وخارجية لتحقيق هذه الأمنية.

الحلم الأروبي يستحق الإعجاب والتقدير لأنه نقل دولاً وشعوبًا خاضت حروبًا فيما بينها وطحن بعضها بعضًا، إلى مرحلة التكامل والتعاون رغم التناقضات الكبيرة.

الحصن الأوروبي لا يزال حتى اليوم يجمع دولاً ذات مصالح متباينة ومتناقضة، لكنه مستمر في محاولة تطوير اتحادها وتحصينه دون كللٍ أو ملل.

الحصن الأوروبي فيه لغات مختلفة، وقوميات متنافرة، وقوى شعبوية تحارب سلطة المركز في بروكسيل، ويمين متطرف يسعى صراحة إلى تفكيك تلك السلطة، ومع ذلك نجح المركز في احتواء تلك القوى وترويض تلك الاختلافات وحصرها في إطار معين، والسماح لها بالتنفس مع وضع خطوط حمراء لها لا تتجاوزها.
….
الجميل هو أن أوروبا رفعت مكانة الفرد الأوروبي وجنبته خلافات حكوماتها، فلا حدود تغلق في وجهه بسبب أزمة ما، ولا تشديد بحقه مهما ساءت علاقات الحكومات الأوروبية ببعضها، فيما ترى الحدود بين الدول العربية تُغلق لخلافات شخصية بين حكامنا، ويُمنع المواطن العربي من دخول دول عربية لأتفه الأسباب ويُعامل أسوأ معاملة، ناهيك عن الذل والاضطهاد الذي يعيشه اللاجئون العرب في دول العرب.

وغريب أننا تأخرنا في ملاحظة هذا الرغبة في التمايز الأوروبي عن سائر خلق الله، ومظاهره قديمة وواضحة للعيان منذ أعوام.

ألم يكن واضحًا أن المطارات الأوروبية تميز المواطنين الأوروبيين وتسهل أمورهم مقابل تشديد وتدقيق بحق المسافرين غير الأوروبيين ؟؟

ألا ترى أن دول الاتحاد الأوروبي تتفاوض ككتلة واحدة لها خططها ومصالحها، فيما تتفاوض أنظمتنا العربية والدول الإفريقية معها كلٌ على حدة ؟

ألا ترى أن زعماء أوروبيين فرضوا على دولنا إطلاق سراح مجرمين أوروبيين وحمايتهم، فيما ترى دولنا لا تبالي بمواطنيها الذين يتعرضون للتمييز والظلم أمام السلطات الأوروبية ؟

أوروبا سعت إلى حلمها وعملت وتعبت لتحقيقه، وعلينا العمل لتحقيق حلمنا الذي سيكون أصعب بكثير من الحلم الأوروبي، وسوف تسعى قوى كثيرة لإجهاضه وإفشاله وشيطنته.

إن حصرنا في حدود اللعنة المسماة “سايكس – بيكو” كان بمثابة إعدام لأحلامنا وتمزيق لمستقبلنا… وحالنا اليوم خير دليل على هذا الكلام.
.
لا بد من إحياء أحلامنا، لأن القادم أسوأ بكثير من الواقع..
.
ولأن ما نراه اليوم في بلادنا من بؤس وفقر وتمزق وظلم واحتلال، سيكون نزهة مقارنة مع ما هو آتٍ إلى أجيالنا القادمة.
.
وأول خطوة في هذا الحلم هي الوعي بأهميته وضرورته،
والسعي إليه بثبات وصبر ويقين،
والتجمع حول جذوته كي لا تطفئها رياح الشانئين…
وما أكثرها.
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *