Mr. Jackson
@mrjackson

سفيرة أوروبا تُبهَر بالازدهار المضيء لغرفة طرابلس الكبرى في قلب الانهيار

أحمد الأيوبي

جالت سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان “ساندرا دو وال” في مدينة طرابلس فشاركت في “حفل” افتتاح قصر العدل وزارت البلدية وغرفة طرابلس الكبرى على رأس وفد من بعثة الاتحاد لاستطلاع الأوضاع ومتابعة مشاريع الاتحاد الأوروبي وإعادة ترتيب علاقاته بالمؤسسات القائمة، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص، وتقييم الواقع والتشاور مع أصدقاء الاتحاد حول ما يمكن التعاون فيه في المرحلة المقبلة.

حملت جولة السفيرة “دو وال” مفارقات يجدر بنا التوقف عندها، فهي عملياً زارت الدولة في طرابلس ممثلة بقصر العدل والسرايا والبلدية، فوجدت حالة من الترهّل ولمست آثار الانهيار الكبير على هذه المؤسسات في كلّ التفاصيل البسيطة والكبيرة على حدٍّ سواء، من إشكالية تأمين الطاقة الكهربائية إلى إشكالية الانتظام العام للمرافق الرسمية التي تعاني معاناة شديدة من عجز الدولة عن تأمين متطلباتها الأساسية، والتي وصلت حدود العجز عن توفير خدماتها بالحدود الدنيا، وهذا ما لمسته السفيرة الأوروبية وبات معروفاً ومن سمات المراكز العامة.

غرفة طرابلس: الازدهار المضيء

في المقابل، فوجئت السفيرة “دو وال” بالازدهار المضيء الذي تعيشه غرفة التجارة والصناعة والزراعة وبأنّها نجحت في كسر تداعيات الانهيار عليها بإدارتها المرنة والقادرة على التكيّف وامتصاص الضغوط وابتكار الحلول، فلم تنطفئ أنوارها، ولم تسقط طاقتها ولم يتعثّر موظفوها، بل العكس تماماً، فقد تحوّلت مع الوقت إلى محضنٍ لمؤسسات الدولة العاجزة عن الاستمرار في أداء وظائفها، فاحتضنت مكاتب وزارات عدة في مبانيها، منها وزارتا الزراعة والصناعة ورئاسة المنطقة الاقتصادية الخاصة وذلك لتأمين استمرارية عمل المرفق العام، ولتوفير خدمات هذه الوزارات لأبناء المدينة والمحيط.

أطلع دبوسي السفيرة دو وال على مشاريع المنظومة الاقتصادية المتكاملة من خلال عرض فيلم وثائقي، ثم كانت جولة على مشاريع الغرفة الداخلية حيث أعربت السفيرة دو وال عن مشاعر الإعجاب والتاثر بما شاهدته في الغرفة من مشاريع وأنشطة سواء أكان ذلك حاضنة الأعمال التي تعلب دورا في مجالات ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة او المختبرات التي تلعب أيضاً دوراً محورياً في جودة الصناعات الغذائية وتطوير حركة الصادرات  وكلها مشاريع تشكل حافزاً لمعاودة زيارة الغرفة مرة ثانية في مرحلة لاحقة.

إنطباعات ومشاهدات وملاحظات

دُهِشَت السفيرة الأوروبية بالشكل والمضمون في غرفة طرابلس الكبرى، فهي تنافس أهمّ المؤسسات في أناقتها وجماليتها ونظافتها والتزامها بالمعايير البيئية والعلمية في مشاريعها المتكاثرة في كلّ مجالات الزراعة والصناعة والتجارة.. وأثار إعجابها كيف أنّها تمكّنت من الصمود والاستمرار والحفاظ على هذا المستوى العالي من الجودة رغم كلّ ما مرّت به من أزمات.

لفت نظر السفيرة الأوروبية أيضاَ تطبيق غرفة طرابلس الكبرى سياسة الفرص المفتوحة أمام الجميع، وتمكين المرأة في الإطار الطبيعي المنسجم مع طبيعة المجتمع لتعزيز معايير الكفاءة، خاصة عندما وجدت أنّ الحضور النسائي في أنشطة الغرفة يتجاوز النصف، وفي طليعة هذا الحضور مديرة الغرفة الأستاذة ليندا سلطان بكفاءتها الادارية الداخلية وفي مجال العلاقات العامة.. ومسألة التمكين هذه يعطيها الأوروبيون عناية خاصة، لكنّ رئيس الغرفة توفيق دبوسي قاد سياسة توسيع نطاق عمل وتدخلات غرفة طرابلس الكبرى لتكون شاملة جميع المجالات ومنها التطوير المتنامي للمختبرات الكبرى ومراكز التطوير والأبحاث الزراعية والصناعية وتقديم دعم العنصر النسائي بالنظر إلى الكفاءات النسائية المتقدمة للعمل في مؤسسات الغرفة، من دون أن يحتاج ذلك إلى برامج خاصة أو حملات توعية أو ضغوط لتمكين النساء فالعدالة والكفاءة هما اللتان تحكمان القرارات الخاصة بعمل غرفة طرابلس الكبرى.

الانتقال النوعي نحو الدور الفاعل

وجدت السفيرة دو وال في غرفة طرابلس الكبرى فريقاً منسجماً في الإدارة والسياسات والتوجهات، وقد حضر نائبا الرئيس أنطوان مرعب وإبراهيم فوز وأعضاء مجلس إدارة الغرفة: قنصل أسبانيا الفخري حسام قبيطر، مصطفى اليمق ونخيل يمين ومديرة الغرفة ليندا سلطان والمستشاران الدكتور فواز حامدي والأستاذ سيمون بشاواتي.

يعكس هذا الانسجام المرحلة التي تمكّن فيها الرئيس دبوسي من إشراك مجلس الإدارة في توسيع دورها من إطار المعاملات الروتينية المحدودة، إلى فكرة التدخلات الفعالة لحلّ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، فتوسعت الغرفة عمرانياً لتضيف إلى مبناها التاريخي المبنى الزجاجي، ولتحتضن مختبرات هي الأولى في الشرق الأوسط، وما أدهش السفيرة حصول هذه المختبرات على المعتمدية الدولية من نيويرك واليابان، بالإضافة إلى كلّ الاعتمادات الرسمية حتى تحولت إلى حاجة وطنية تساعد الوزارات المعنية في حلّ الإشكالات التي تعاني منها قطاعات الإنتاج، ومنها قطاعا الزراعة والمياه، وقد ساهمت في حملة وطنية لإجراء التحاليل حول سلامة المزروعات اللبنانية في أكثر من محطة.

غرفة طرابلس ونموذج الشراكات النافعة

لمست السفيرة “دو وال” روحية الشراكة التي تعتمدها غرفة طرابلس الكبرى مع مؤسسات الدولة ومع النقابات، وهذا ما عكسته مشاركة رئيس المنطقة الإقتصادية الخاصة بالتكليف المهندس الدكتور جمال كريم ورئيس مالية طرابلس وسيم مرحبا ونقيب أطباء الأسنان في طرابلس الدكتور ناظم حفار رئيس جامعة البلمند الدكتور إلياس الوراق في استقبالها، حيث كانت مناسبة نخبوية جامعة، خاصة مع وجود اتفاقيات تعاون تجمع الغرفة مع هذه المؤسسات في إطار شراكة مجتمعية نهضوية حافظت على مكامن القوة الأساس في المجتمع الشمالي ومكّنتها من الصمود والاستمرار.

تبقى طرابلس عموداً قوياً في المعادلة اللبنانية، وهو ما أشارت إليه السفيرة “دو وال” عندما قالت: “نحن نعلم ان طرابلس مدينة تضج بالحياة، ونأمل ان تشهد اطلاق المشاريع الحيوية لا سيما مشروع الصرف الصحي، وبالرغم من وجودنا في العاصمة بيروت وإهتمامنا بمشاريعها إلا أننا نلتفت الى طرابلس بشكل دائم ونهتم بها”.

لا حلّ إلاّ بالدولة

يوضح الرئيس دبوسي للسفيرة “دو وال” أنّ تدخلات الغرفة وتدخلات الاتحاد الأوروبي، في الظرف الراهن تشبه المسكنات ولا تقدِّم حلولاً للأزمة المتعدِّدة الأبعاد التي يعانها لبنان وتقاسي منها طرابلس بسبب سياسات التهميش الطويلة، وتؤكّد السفيرة الأوروبية أهمية دور القطاع الخاص لكنّها تخلص إلى أنّه لا أحد يستطيع الحلول محلّ الدولة، وكانت هذه الخلاصة كافية لتوضيح نقاط التعاون المتاحة، في حين ركّز دبوسي على أهمية انتقال الجهات الداعمة للبنان من فكرة المعونات إلى مرحلة التكامل والاستثمار، فهي أكثر جدوى للجميع، ويمكنها كسر معادلات التهميش السائدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *