Mr. Jackson
@mrjackson

سلطنة عُمان: نموذج متقدّم في تحييد الخلافات المذهبية لصالح قضايا الأمة

إعتماد الاستفزاز المذهبي يفتح الباب للاستثمار في التطرّف

أحمد الأيوبي

جاء تبنّي تنظيم «داعش» الإرهابي لتفجير استهدف تجمعاً شيعياً قرب مسجد في وادي الكبير في محافظة مسقط بسلطنة عُمان مفاجئاً من حيث التوقيت والجغرافيا، لكنّه حمل رسائل عميقة ذات علاقة بطبيعة مسار العلاقات بين المذاهب الإسلامية وموقع السلطنة فيها، مع استحضار الأسئلة المعتادة عند صدور مثل هذه البيانات «الداعشية» عن المستثمر والمستفيد الأول والمستفيدين الفرعيين وكيف يمكن فهم هذا الحدث في سياق الأحداث الجارية في المنطقة العربية، وما يمكن أن تحمله من إشارات تتعلّق بالتهديد الإرهابي وبما يريده المشغلون من إيقاع هذا الهجوم في سلطنة عُمان تحديداً.

في الوقائع أنّ ثلاثة مهاجمين يُزعم انتماؤهم لتنظيم «داعش» استهدفوا ليل الإثنين/الثلاثاء 16 تموز الجاري «تجمّعاً» للشيعة قرب مسجد في العاصمة العُمانية مسقط، وذلك في بيان أوردته القناة الدعائية للتنظيم على منصة «تلغرام»، وجاء في البيان أنّ «ثلاثة انغماسيين من «الدولة الإسلامية» هاجموا تجمّعا للشيعة أثناء ممارسة طقوسهم السنوية» في منطقة الوادي الكبير بالعاصمة، في إشارة إلى مراسم عاشوراء.

وحسب المعلومات الميدانية فإنّ الاشتباك استمرّ اثنتي عشرة ساعة عندما حسمت قوات النخبة الموقف عند العاشرة صباحاً لينتهي هذا الفصل الدموي الذي استهدف على ما يبدو عمالاً باكستانيين من الطائفة الشيعية أرادوا إحياء المناسبة، لكنّ الغريب أن يختار مشغلو المهاجمين سلطنة عُمان ساحة لمثل هذه العمليات، وهو أمرٌ نادر الحدوث فيها، وهذا يدفعنا إلى التأمل جيداً في الواقع العُماني من ناحية إدارة الحياة الدينية في السلطنة.

من المعلوم أنّ المذهب الإباضي هو السائد في سلطنة عُمان، وقد امتاز الحكم السلطاني بأنّه أرسى استقراراً مذهبياً ودينياً واجتماعياً في السلطنة وترك آثاراً طيبة على موقعها وعلاقاتها بالجوار والعالم العربي والإسلامي، رغم وجود خلافات ذات طابع مذهبي تتفرّع من تلك التي نشأت حول الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وما تبعها من صراعات استمرّت في توالدها حتى اليوم.

ما يُسجّل للحكم السلطاني في عُمان أنّه أعطى نموذجاً حيّاً للتفاعل الإيجابي مع جميع المذاهب، وقاد مفتي السلطنة الشيخ أحمد الخليلي حملات الانتصار للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وإضافة إلى موقعه الرسمي شارك في قيادة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ نشأته برئاسة العلّامة يوسف القرضاوي واستمرّ مع رئاسة الشيخ علي قرداغي، فكان الصوت العالي المنافح عن الحق الفلسطيني في المنابر العربية والإسلامية، وكان لهذا الحضور أثرٌ بالغ في ترجمة الوحدة الإسلامية بشكل نموذجي، يقوم على تحييد نقاط الخلاف وتجميدها وحصرها في دوائرها الخاصة من دون استفزاز الآخرين، وإطلاق سبل التعاون في قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها فلسطين.

إنّ المسار العُماني في إدارة العلاقات العربية والإسلامية يصلح ليكون نموذجاً لتفادي عناصر الصدام بين المذاهب، وخاصة بين السنة والشيعة. فلا شكّ أنّ في طيات المذهب الإباضي عناصر خلافية مع السنة على سبيل المثال، لكنّها لم تعد ذات تأثير نتيجة الاحترام التام للآخر مما يسمح بالتركيز على الأولويات التي تهمّ الأمة، وعلى التحديات التي تفرض نفسها على الجميع، بعكس أطراف أخرى ترفع شعار الوحدة، وتصرخ في مراسمها باسم الفتنة والشِّقاق، مما يفتح الأبواب أمام استغلال الاحتقان الناتج عن ذلك بنشر الألغام بين مكوّنات الأمة، وهذا توجّهٌ ينبغي أن يتوقف لصالح النموذج العُمانيّ الراقي والفاعل عربياً وإسلامياً وحضارياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *