Mr. Jackson
@mrjackson

لقاء دوري للقيادات الدينية في طرابلس والشمال:صيانة الشراكة والتعاون للخير العام

أحمد الأيوبي

فرض الاعتداء على شجرتي الميلاد في طرابلس والميناء أجواء من التضامن والتآلف الإسلامي المسيحي الرافض لأي انتهاك يطال طائفة من الطوائف أو تقاليد تعتمدها جماعة لبنانية في مناسباتها الدينية، ولا شكّ أنّ الالتفاف الإسلامي الديني والسياسي والاجتماعي حول الكنيستين كان له وقعٌ هام في معالجة آثار هذا الفعل الأرعن الذي جاء في توقيتٍ حسّاس وفي ظروف تحتاج فيها طرابلس إلى المزيد من الانفتاح بين مكوناتها جميعاً، الأمر الذي أعاد طرح ضرورة عقد لقاء دوري للمرجعيات الدينية في طرابلس والشمال يتولى صيانة العلاقات بين مكوِّنات هذه المنطقة ويدفع نحو تنميتها وتطويرها نحو التعاون والتكامل.

على المستوى الإسلامي هناك حاجة للانتباه إلى الأجيال الناشئة التي لا تجد الحماية الكافية من آفتي التطرّف والمخدِّرات، وهذا يوجب التحرّك لصياغة موقف إسلامي جامع بين دار الفتوى وبين الحركات والجمعيات والهيئات الإسلامية، فلم يعد جائزاً مجاراة نغمة التطرّف الفكري لدى بعض الأوساط الشبابية من دون معالجة ومصارحة، فمجاراة هؤلاء ستعيد إنبات وحش التطرّف من جديد، بعد أن كانت منابعه على وشك التجفيف إثر سلسلة مؤلمة من التجارب الخطرة التي عاشتها الساحة الإسلامية.

ما تقدّم يعني بكل وضوح ضرورة اتباع سياسة الاحتواء والتقويم بالنسبة لشباب تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والعشرين، بدأت تظهر على كثيرين منهم ملامح التطرّف والانعزال الاجتماعي، وهؤلاء يشكّلون الخميرة المطلوبة للمشغلين الذين يراقبون نموّ هذه الظاهرة لاستغلالها وإعادة إحياء مشاريع العنف بأشكالها المختلفة.

في الجانب الآخر من هذا المشهد، ينبغي مواجهة من يروِّج هذا الفكر حتى لو كانوا مشايخ يعتمرون العمامة أو يقفون خارج حدود دار الفتوى يسرحون في مصليات غير قانونية وغير خاضعة لقواعد عمل دار الفتوى، فهذا الملف ينبغي فتحه على مصراعيه بدون مسايرة ولا استحياء، ويجب أن يخضع الجميع لمعايير وسقف وثوابت دار الفتوى في الخطاب والتدريس الديني.

أمّا الشقّ الآخر المكمِّل لهذا الاتجاه، فهو تعزيز خطاب الشراكة الإسلامية المسيحية، القائم على الصدق في التعامل وعدم التكاذب ورفض المجاملات على حساب العقائد، فالشراكة أساسها الاعتراف بالآخر على اختلافه، من دون خلط ومحاولة اختراع أديان جديدة لا مكان لها في الواقع. وهذه مسؤولية كلّ القيادات الإسلامية والمسيحية على حدٍّ سواء، فعليها أن تتمتّع بالجرأة والقوة في تقديم الشراكة باعتبارها الأساس في العلاقات الوطنية، ولأنّ هذا التنوع هو الضمانة والحصانة لبقاء الجميع.

فيما يتعلّق بآفة المخدِّرات، لا يصحّ ولا يُعقَلُ أن تنخر هذه الآفة المجتمع في ظلّ الصمت المريب والمخيف من الساسة والقيادات الدينية على حدٍ سواء، فالسكوت على هذا الغزو المخيف للمجتمع الطرابلسي والشمالي جريمة موصوفة يتورّط فيها كلّ الساكتين وكلّ المتفرجين.

يبرز دور القيادات الدينية في هذا الملف بقوة لأنّ العامل والوازع الديني والأخلاقي سلاحٌ فاعل في حماية الأجيال وفي تحصين المجتمع، وفي التأثير على المجتمع السياسي الذي يكاد بعض من فيه يقول خذوني من شدة التباس مواقفه وغيابه عن تحمّل المسؤولية في هذا المجال.

لا يزال المجتمع الشمالي يعتبر المخدِّرات مادة محرّمة، وهذا حصنٌ متين للعمل على تعزيزه، لكنّ الصمت والتراخي، وترك الأجهزة الأمنية، وخاصة الجيش اللبناني، وحدهم في المواجهة، من دون تكامل قضائي معهم، وفي ظلّ الظروف الراهنة للدولة، سيجعل هذا المجتمع ينحدر لتصبح فيه المخدِّرات ضيافة عادية كما هو الحال في بعض مناطق لبنان الأخرى التي تحوّلت إلى مراتع للانحراف بجميع أشكاله وألوانه.

تبرز الضرورة لعقد الاجتماع الدوري للقيادات الدينية في طرابلس والشمال لتستقرّ العلاقات بين هذه الطوائف ولا تتأثر بأحداثٍ مشبوهة ولا بخطاباتٍ مسمومة، بل يشكل التقاء مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام وأمين الفتوى الشيخ بلال بارودي ورئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدّور ورئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف ومتروبوليت طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران ادوار ضاهر وراعي أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت أفرام كرياكوس محطة دورية لتحصين الشراكة الإسلامية المسيحية ومعالجة الكثير من الملفات المشتركة على قاعدة التعاون لتحقيق الخير العام بكلّ أبوابه ومقاصده النبيلة.

تعقد القيادات الدينية في عكار لقاءاً دورياً شكّلَ نموذجاً إيجابياً في معالجة الكثير من القضايا الدقيقة والنزاعات الحادة، وساهم في إشاعة أجواء إيجابية وتعاونية في الملفات الاجتماعية والتنموية.. ولقاءُ القيادات الدينية في طرابلس والشمال، لا ينبغي أن يكون شكلياً أو بروتوكولياً، بل يحتاج إلى العمل المنهجي ليكون له تأثيره المباشر على المؤسسات الدينية والاجتماعية والتربوية ضمن صلاحيات هذه المرجعيات، ووفق جدول أعمال تكون له آثارُه في الحياة اليومية للناس، خاصة أنّ لهذه القيادات تأثيراً واضحاً في مواقع كثيرة ويمكن لتعاونها مع الهيئات السياسية والتنموية والأجهزة الأمنية أن تقود خطاً أبيض تتكامل فيه الجهود لتخفيف وقع الأزمات على الناس وزيادة منسوب التكافل والتضامن الإنساني ومعالجة ظواهر التشدّد في المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *