
كتب
أديب عبد المسيح
تشهد منطقتنا الممتدة من بحر العرب إلى بحر أزوف، مروراً بالحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط صراعات إطارها جيوسياسي مع نكهة تاريخية، لكن عمقه إقتصادي بإمتياز و عنوانه: الغاز الطبيعي. يُقدّر مخزون هذا الحوض بين ٢.٥ و ٤ تريليون متر مكعب… لكن المشكلة الأكبر تكمن في نقله…فقد كان الطموح الفارسي بضخ الغاز من حقل فارس إلى سوريا ، أما القطريون فقد درسوا خطا موازيا من الخليج العربي. إلا أن الحرب السورية في ٢٠١٢ منعت الحلمين.. و بقي الدب الروسي متربعا على عرش تصدير الغاز إلى أوروبا… إلا أن الإكتشاف المصري لحقل ظهر بسعة ٩٠٠ مليار متر مكعب فتحت الشهية أمام دول الحوض، فظهرت في سوريا ٥ بلوكات تحتوي على ١٢٥٠ مليار متر مكعب ثم حقل أفرودين في قبرص بسعة ٢٢٦ مليار… أما لبنان فيقدر مخزونه ب ٢٨٠٠ مليار…
و مع تدمير الحلم الإسرائيلي بإلغاء مشروع أنبوب eastmed في مطلع العام ٢٠٢٢، الذي كان من المفترض أن ينقل الغاز من إسرائيل إلى اليونان عن طريق قبرص وصولا إلى إيطاليا ( ١٩٠٠ كلم)… أما البديل هو استجرار الغاز المصري إلى اليونان….
و مع بدء الحرب الروسية على اوكرانيا و برغم عدم وقف تدفق الغاز إلى حينه، إلا أن الأوروبيين و معهم الأتراك أدركوا ضرورة و حاجة البديل الشرق أوسطي… بالطبع من السذاجة إلغاء الدور الروسي ، خصوصا أنهم شركاء في الساحة السورية و غازها، إلا أن تخفيف الإعتماد على الغاز الروسي مسألة أمن قومي للعديد من الدول أولها تركيا. و من هنا نرى ازدحام سفر المسؤولين في دول شرق الحوض لخوض مفاوضات أمنية، قومية و اقتصادية..
فيما يجمع محللون اقتصاديون أن الغاز المتوسطي حاجة محلية قبل كل شيء إلا أن الحاجة الإقليمية و بالأخص الأوروبية لا يمكن غض النظر عنها بينما نشهد الآن استعجال ضخ الغاز المصري كبديل أول.
من مبدأ السياسة لا تعرف أعداء دائمين بل مصالح دائمة، نشهد انفتاحاً ملحوظا في العلاقات الإقليمية من باب أن أي مشاريع اقتصادية و بناء أنابيب و استقرار ” غازي ” يجب أن يمر أولا في أنبوب السلام.
من هنا، إن ترسيم الحدود البحرية هي مسألة سياديّة بإمتياز و عنوان أساسي في المرحلة القادمة، و نحذر السلطة السياسية من التفريط بحقوق لبنان واللبنانيين في الثروات الطبيعية والاقتصادية، وتخطىء هذه السلطة بتحويل مفاوضات الترسيم إلى موضوع سجال شعبوي عشية الانتخابات، كما أخطأت في عام 2011 عندما أقرت المرسوم (6433) ، عندما حددت الخط 23 الواقع شمال الناقورة خطاً أولياً للحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية للبلاد، ومن ثم جاءت الاستجابة البطيئة لكتاب قيادة الجيش عام 2019 الذي أوضح علمياً الحدود اللبنانية وطالب بالخط 29 الذي هو حق لبنان منطلقا من دراسات علمية وضعته لجنة متخصصة في قيادة الجيش اللبناني، وطالبت بتعديل المرسوم المذكور .لذا نشدد على عدم تهميش دور لجنة الفريق اللبناني المفاوض التي تضم متخصصين من الجيش اللبناني في المفاوضات وتعديل المرسوم فورا دون ابطاء وعدم أخضاع تللك المسألة الحيوية الهامة للبازرات السياسية الداخلية ولمصالح شخصية وفئوية بحتة.
إن تحريك ملف الحدود البحرية قبيل الإستحقاق البرلماني ومن سلطة غير موثوق بقدرتها بالحفاظ على سيادة لبنان لأنها الداعمة الأولى للخط الغير السيادي… فإنني أحذر من المس لهذا الملف الأساسي والوطني وعدم الإنجرار وراء المساومات على حساب ثروات لبنان و حقوقه السيادية والتفريط في مساحة البلوك ٩ … كما نطالب شعبنا في الكورة والدائرة الثالثة بالتصدي لهكذا ملفات مشبوهة والذي يستعمل كأداة انتخابية متناسين الوضع الإجتماعي دون أدنى إعتبار لحقوق ومتطلبات الشعب اللبناني في ظل غياب كامل لدور الدولة في الرعاية والحماية وتأمين مستلزمات المواطن الأساسية …
حاسبوهم وامنعوهم و كونوا جزءاً في ولادة نسيج جديد حتى لو كان طفل أنبوب…
