Mr. Jackson
@mrjackson

الشذوذ: جريمة معاصرة

البروفيسور أسعد السحمراني

أستاذ في العقائد والأديان المقارنة

خبير في التربية والحركات والفقه

استهلال: يخرج الاستدمار (الاستعمار) الغربي بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة بين حين وآخر بأنواع من الحروب ضدّ الشعوب والأمم، ومن هذه الحروب ما هو اقتصادي، ومنها ما هو فكريّ، أو أدبيّ، أو فنّيّ، ومنها ما هو إعلامي، ومنها ما هو ديني، والحروب العسكريّة دائمة الاستحضار عندهم، والتي تتمظهر بالاحتلال المباشر، أو من خلال القواعد العسكريّة والأساطيل، وأكثرها عدوانيّة الشراكة مع العدوّ الصهيوني الاستيطاني الإحلالي.

أمّا الحرب الحاليّة فهي محاولة اجتياح للقيم، والمُثُل العليا لضرب الأخلاق، ونشر المفاسد والرذائل، في محاولة للانحراف بالأجيال عن جادّة الفضائل والتربية القويمة.

إنّ حربهم تحت مسمّى حقوق الشاذّين إنّما هي حرب على الدين والقيم الناظمة لشبكات العلاقات الاجتماعيّة في المجتمعات الوطنيّة، وهي في الوقت عينه حرب على الفطرة السليمة، والشخصيّة السويّة، وهي انقلاب على أحكام الدين في الإسلام والمسيحيّة. وهنا يصل السياق إلى السؤال الآتي: من هي الفئات المستهدفة بهذه الحرب القيميّة الاجتماعيّة القذرة؟ وكيف يستطيع المؤمنون وحرّاس القيم والفضائل مقاومة هذا العدوان؟ وما الواجبات على كلّ إنسان سويّ لتعطيل مفاعيل هذه الحروب المشبوهة؟

الزواج اللاديني (المدني):

يحاول أعداء الإنسانيّة، وتجّار الشعارات الرخيصة باسم الحريّة تزوير المفاهيم، وإلحاق التشويش بالأفهام، حين يطرحون ما يهدفون إليه تحت عنوان ملتبسة. فإنّ دعاة الزواج اللاديني الذين يريدون به تدمير منظومة الأسرة، أعطوه اسم: “الزواج المدني”؛ ولا يدري أحد كيف اختاروا هذا الإسم؟ فهل هناك زواج عسكري، أو متوحّش حتّى يطرحوا المدني بمقابله؟

ثمّ في العودة إلى أصل الاشتقاق، فإنّ الفعل: “مدّن”، منه التمدين، فيقال: مدّن تمديناً، وهو مدينيّ… إلخ.

وهذا المصطلح “المجتمع المدني” طرحه المنظّر الإيطالي أنطونيو غرامشي (ت1937) في مواجهة السلطة الكنسيّة في إيطالية وحاضرة الفاتيكان، وهذا لا ينسحب على المجتمعات الأخرى.

لذلك يكون الصحيح أن يقال الزواج اللاديني لأنّه يتمرّد على قواعد الزواج، وأركانه في الإسلام وفي المسيحيّة، ويطرح مسائل في العلاقات الأُسْرِيّة تخالف أحكام الدين. لهذا رفضته المرجعيّات الدينيّة، وهو في لبنان يخالف الدستور. لقد جاءت المادّة (9) من الدستور اللبناني على الشكل الآتي: “حريّة الاعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال للّه تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب، وتكفل حريّة إقامة الشعائر الدينيّة تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العامّ.

وهي تضمن -أيضاً- للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصيّة والمصالح الدينيّة.”

وفي المادّة (19) من الدستور اللبناني هذه الفِقرة: “وإلى رؤساء الطوائف المعترف بها قانوناً في ما يتعلّق حصراً بالأحوال الشخصيّة، وحريّة المعتقد وممارسة الشعائر الدينيّة، وحريّة التعليم الديني.”

إنّ مؤسّسة الأسرة من الزواج إلى الوالديّة والبنوّة، إلى التوارث وما يترتّب من واجبات وحقوق، تدخل تحت باب الأحوال الشخصيّة، وأحكامها من الدين، والرقابة على سلامة تطبيقها لرؤساء الطوائف والمرجعيّات الدينيّة، فبذلك يكون على دعاة الزواج اللاديني -كما قيل لهم في مرات سابقة- أن يؤسّسوا طائفة اللادينيّين وأن يضعوا لها نظامها، وبعد الإقرار بها قانونيّاً، لهم أن يرتّبوا علاقاتهم على أساسها، أمّا أن يكونوا في كنف طوائفهم ومرجعيّاتهم الدينيّة، وأن يستوردوا صيغاً لادينيّة للزواج، فهذا تناقض، وهو صيغة لا يقرّها الدستور، ولا يرضى بها مؤمن، وبالتأكيد لا يستطيع أيّ مرجع ديني أن يسايرهم بذلك. فالزواج في المسيحيّة سرّ ورباط مقدّس، والزواج في الإسلام له أركانه وأحكامه الشرعيّة، وما يطرحونه في صيغة عقد الزواج، أو المحارم، أو عدّة المرأة المطلّقة أو المتوفّى زوجها، وفي التبنّي والتوارث، كلّه مخالف للإسلام والمسيحيّة.

ويوم طُرِح الموضوع في تسعينات القرن الماضي تقدّمت أمانة الشؤون الدينيّة في المؤتمر الشعبي اللبناني بسؤال إلى مشيخة الأزهر الشريف، وكان بتاريخ 11 من صفر سنة 1420 هـ – 27 من مايو/أيّار سنة 1999، ردّ وقع في (81) صفحة، مقدّمته ما يلي:

“فبالإشارة إلى مشروع قانون الزواج المدني والأحوال الشخصيّة اللبناني، والوارد إلى الأزهر الشريف لإصدار الفتوى الشرعيّة فيما تضمّنه من بنود.

أودّ الإحاطة بأنّه قد تمّ فحص مواد المشروع بمعرفة لجنة الفتوى المختصّة بمشيخة الأزهر، وتأكّد بعد الفحص والتمحيص مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلاميّة على النحو الموضّح تفصيلاً بتقرير اللجنة.

وقد وافقت اللجنة المختصّة بمجمع البحوث الإسلاميّة على ما انتهى إليه رأي لجنة الفتوى بمشيخة الأزهر.

ووقّع الفتوى الواقعة في (81) صفحة شيخ الأزهر السابق المرحوم أ.د. محمّد سيّد طنطاوي.

وكان في هذا السياق لقاء في محافظة عكّار- لبنان، عصر الثلاثاء 19-2-2013 بدعوة من أمانة الشؤون الدينيّة في المؤتمر الشعبي اللبناني حضره حشد من المرجعيّات الدينيّة يتقدّمهم مفتي عكّار الشيخ زيد زكريّا، ومطران عكّار وتوابعها المتروبوليت باسيليوس منصور، والعلماء والكهنة، والمثقّفين وقادة الرأي، وبعد التداول كان الموقف الآتي:

1- يؤكّد اللقاء أنّ الزواج اللاديني يخالف الإسلام مخالفة صريحة وجوهريّة لا تتوقّف مفاعيلها عند حدود عقد الزواج، وإنّما تتجاوز ذلك إلى أمور الطلاق والهجر والحضانة والوصاية والنفقة والعِدّة والميراث والمحارم في الزواج والتبنّي وغير ذلك.

2- يؤكّد اللقاء أنّ الزواج يخالف المسيحيّة في كلّ مذاهبها، والتي وضعت الزواج ضمن الأسرار، فهو سرّ من أسرار الكنيسة، وتقوم نتيجته شركة تشمل الحياة كلّها، وهو ما لا يلتزم به مشرّعو الزواج اللاديني.”

الشذوذ (المثليّة Homosexualité):

هو الانحراف عن الطبع، والفطرة، والطبيعة، والانفراد عن القوم بما لا يقرّونه. ومن ذلك كان فعل قوم لوط عليه السلام الذين عصوا. وفي لسان العرب: “لاط الرجل ولاوط؛ أي: عمل عمل قوم لوط. قال الليث: لوط كان نبيّاً بعثه الله -تعالى- إلى قومه فكذّبوه، وأحدثوا ما أحدثوا، فاشتقّ الناس من اسمه فعلاً لمن فعل فِعْل قومه.” لواط Sodomie – Homosexual

واللواط: إيلاج ذكر رجل في دُبر ذكر أو أنثى.

والسحاق Lesbianisme والمساحقة: أن تفعل المرأة بالمرأة مثل صورة ما يفعل بها الرجل بهدف الاستمتاع الجنسي.

وكلاهما شذوذ، ويُطلق عليهما مصطلح: المثليّة.

لقد جرت محاولات عديدة لنقل الشذوذ إلى مجتمع المؤمنين في الوطن العربي وقارّتيّ إفريقية وآسية بعد انتشار المفاسد والرذائل بكلّ أنواعها في الغرب، وقد شكّل الإيمان الحقّ مع التزام أحكام الدين الحصن المنيع، والملاذ الآمن للأجيال رغم حجم المغريات، وعوامل الجذب إلى هذه المُهلِكات.

كان البلد الأوّل الذي استقبل هذه الغزوة بكلّ مخاطرها لبنان حيث أسّست محموعة من الشاذّين جمعيّة إسمها: “حقوق المثليّين في لبنان وكندا” بتاريخ 11-2-2014، وهي تعمل لاحتضان مزدوجي الميول الجنسيّة (L.G.B.T) أو مجتمع “الميم”.

ثمّ كان الترخيص تحت اسم “جمعيّة حلم” في لبنان عام 2007 يوم كان الرئيس فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، و الدكتور أحمد فتفت وزيراً للداخليّة عندما اعتكف وزير الداخليّة الأصيل حسن السبع.

وقد رُفِعت شكاوى، وكانت تحرّكات لإلغاء الترخيص ولم يكن أيّ تجاوب، رغم أنّ مثل هكذا جمعيّة تخالف مضمون المادّتيْن (9) و(19) من الدستور اللبناني، كما أنّ قانون العقوبات اللبناني يحظّر كلّ ممارسات جنسيّة خلاف الطبيعة ويعاقب عليها، وذلك في المادّة (534) التي تنصّ على ما يلي: “كلّ مجامعة على خلاف الطبيعة يُعاقب عليها بالحبس حتّى سنة واحدة”.

والمستهجن أنّ عدداً من النواب قد تقدّموا بمشروع قانون لإلغاء هذه المادّة من قانون العقوبات لإطلاق الشذوذ والمثليّة، وكان ذلك بتاريخ 12-7-2023.

والنوّاب الذين تقدّموا بهذا المشروع ليقوننوا الشذوذ هم: جورج عقيص، وندى البستاني، وبولا يعقوبيان، وسينتيا زرازير، ومارك ضوّ، وكميل شمعون، وأديب عبدالمسيح، والياس حنكش، ونجاة عون.

وتحاول جمعيّة “حلم” للمثليّين والمتحوّلين جنسيّاً بين حين وآخر أن تحدث اختراقاً لتنال شرعيّة لنشاطاتها التي تختزن الفساد، والمعاصي، ولا تحترم أحكام الدين.

والأمر الخطير هو أن نجد اجتهادات لبعض القضاة تبرّر أفعال المثليّين التي تخدش الحياء، وتهدر الكرامة، من خلال مزاعم واهية، وهي قولهم: إنّ المادّة (534) من قانون العقوبات لم تحدّد ما هي الممارسة الطبيعيّة، وكأنّي بهؤلاء لم يمرّوا على علوم الأحياء، وعلم الهندسة الوراثيّة، ولا هم يعرفون نصوص الإسلام والمسيحيّة وقد باهى الشاذّون بانحرافهم فتجرّأوا على العلنيّة، ولم يحترموا انتماءهم الديني، أو العائلي، أو الاجتماعي، فظهرت أسماء منها: طارق زيدان المدير التنفيذي لجمعيّة حلم، ومارغو الخوري من فريق الخطّ الاجتماعي، وورد مغربل مدير التواصل. وممّن أعلنوا شذوذهم: إيتيل عدنان (شاعرة)ـ وبيتر المقدسي (ممثّل)، وربيع علم الدين (رسّام وكاتب)، وحامد سنّو (مغنّي)، وهاز سليمان (ممثّل)… إلخ.

يضاف إلى ما سبق أنّ وزير الداخليّة قد منع إقامة تجمّعات دعت لها “حلم” لتشجيع الشذوذ والرذائل، وعندما طعنت “حُلُم” مع “المفكّرة القانونيّة” بقرار وزير الداخليّة (24-6-2022)، صدر قرار عن مجلس الشورى بتاريخ 1-11-2022 بقبول الطعن بقرار وزير الداخليّة.

والسؤال: هل راجع السادة القضاة المادّتيْن (9) و(19) من الدستور؟ وهل راجعوا المادّة (534) من قانون العقوبات اللبناني؟

وهل اطّلعوا على مواقف رؤساء الطوائف، ومواقف القوى الحيّة في المجتمع من أحزاب ومنظّمات وشخصيّات؟

والمستغرب أكثر أن يتقدّم نوّاب خلال شهر تمّوز/يوليو 2023 بمشروع قانون لتبرير الشذوذ، هم: وضّاح الصادق، وبولا يعقوبيان، وجورج عقيص، وزيّاد حوّاط، ونديم الجميل، وجان طالوزيان، ورازي الحاج، ومارك ضو، وسينتيا زرازير.

السؤال: أين الناخبون الذين اختاروا مروّجي المثليّة من النوابّ؟ وهل هذا هو التغيير الذي يعملون له؟ وهل هذا المشروع لقانون يحلّ الأزمة الرئاسيّة، ويوقف التدهور الاقتصادي، ويردع العدوان الإسرائيلي على الأراضي اللبنانيّة؟

هل راجع هؤلاء النوابّ الدستور، وقانون العقوبات؟

وهل طالعوا نصّ المرسون 10227 بتاريخ 8-5-1997 بموضوع الهيكليّة التعليميّة، وفي نصّه ما يلي: “تحت عنوان: المبادئ العامّة في الفقرة الأولى المعنونة: على المستوى الفكري والإنساني: وفي البند ج: الوعي بأنّ التراث الروحي في لبنان… هو تراث ثمين يجب صونه وتعزيزه كنموذج للتفاعل والانفتاح الروحي والفكري، ولكونه مناقضاً للأنظمة والعقائد التي تقوم على التمييز العنصري والتعصّب الديني.”

“وتحت عنوان: الأهداف العامّة، في الفقرة الثانية المعنونة: تكوين المواطن: جاء في البند ج: المتمثّل تراثه الروحي النابع من الرسالات السماويّة والمتمسّك بالقيم والأخلاق الإنسانيّة.”

“وتحت عنوان: التعليم الثانوي: جاء في البند أ: فهم جوهر الأديان ودورها في تكامل شخصيّة الفرد روحيّاً وأخلاقيّاً وإنسانيّاً.”

هذه كلّها نصوص في المرسوم 10227 بتتاريخ 8-5-1997، فهل يكون من الصحيح أن يتقدّم نائب بمشروع قانون يخالف المراسيم؟ وهل من حقّ وزارة الداخليّة أن تصرّ على الترخيص لجمعيّة “حلم” وأهدافها تتناقض مع المنهجيّة التربويّة؟!

الموقف المسيحي من الشذوذ:

يحتلّ الزواج مكانة رفيعة في المسيحيّة، وهو من الأسرار السبعة المعتمدة وهي: “سرّ المعموديّة، وسرّ التوبة، وسرّ مسحة زيت الميرون، وسرّ القربان، وسرّ الكهنوت، وسرّ مسحة المرضى، وسرّ الزواج.”

وحسب النصّ الإنجيلي فإنّ الخالق سبحانه جعل من البشر ذكراً وأنثى، وفي طبيعتهما انجذاب الواحد للآخر، والزواج من أجل تكوين العائلة التي هي الخليّة النواة للاجتماع البشري، ولهذا عندما تبدأ رحلة الحياة الزوجيّة ينفصل الرجل وكذلك المرأة عن والديْهما ليؤسّسا عائلة؛ النصّ الإنجيلي هو: “أما قرأتم أنّ الخالق من البدء جعلهما ذكراً وأنثى، وقال: لذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويتّحد بامرأته، فيصير الإثنان جسداً واحداً؟” (أنجيل متّى 19: 4، 5).

هذا هو الزواج، وهو سنّة كونيّة في البشر، ولم يأتِ أن يتّحد بالزواج ذكر بذكر وأنثى بأنثى، فهذا شذوذ وانحراف حذّرت منه المسيحيّة.

فالمثليّة أو الشذوذ الجنسي المخالف للطبيعة البشريّة، وللطبع الإنساني محرّم مسيحيّاً، ومن يفعل ذلك لا يرث ملكوت الله، وهو في الجحيم ومن المسيحيّة هذا النصّ: “أما تعرفون أنّ الظالمين لا يرثون ملكوت الله؟ لا تخدعوا أنفسكم، فلا الزناة، ولا عبّاد الأوثان، ولا الفاسقون، ولا المبتلون بالشذوذ الجنسي… يرثون ملكوت الله.” (رسالة بولس الأولى إلى كورنتوس 6: 9).

هل قرأ مروّجو المثليّة والشذوذ هذا النصّ؟ وهل عرفوا أنّ فعلهم مصنّف مع الزنا وعبادة الأوثان؟ وهل علموا أنّ الشاذّين محرومون من الفردوس والجنّة، وأنّهم مع الوثنيّين والفاسقين؟

ثمّ جاء نصّ مسيحيّ آخر في العهد الجديد يبيّن ضلالهم لأنّهم من أتباع الهوى الشيطاني، ومن محترفي الشهوات الدنيئة رجالاً ونساءً. النصّ هو كالآتي: “ولهذا أسلمهم الله إلى الشهوات الدنيئة، فاستبدلت نساؤهم بالوصال الطبيعي غير الطبيعي، وكذلك ترك الرجال الوصال الطبيعي للنساء، والتهب بعضهم لبعض، وفعل الرجال الفحشاء بالرجال، ونالوا في أنفسهم الجزاء العادل لضلالهم.” (رسالة بولس إلى رومية 1: 26، 27).

مراجعة هذا النصّ تفيد أنّ المثليّة ضلال وفعل غير طبيعي، واتّباع للشهوات الدنيئة. فهل يريد دعاة المثليّة مثل هذه النعوت، وإذا كانوا من الضالّين وأهل الدناءة، والشاذّين عمّا هو طبيعي في العلاقات الجنسيّة، فلماذا يريدون تعميم أمراضهم وانحرافاتهم وفسادهم على المجتمع؟

أمّا بالذهاب إلى المُعاصر فقد بيّنت مقرّرات “المجمع الفاتيكاني الثاني 1965” مكانة الزواج، وفيها ما يلي: “إنّ الشركة الحميمة في الحياة، والحبّ الزوجي قد أسّسها الخالق، ووضع لها نواميسها… وهذا الرباط المقدّس الذي يخدم الأزواج والأبناء والمجتمع لا يخضع لمزاج الهوى البشريّ. فإنّ الله نفسه هو واضع الزواج، ولهذا الزواج ميّزات وأهداف خاصّة، وكلّ ذلك شديد الأهميّة من أجل استمرار الجيش البشريّ.”

إنّ هذا النصّ يحتاج لوقفة تأمّل ففي محتواه أنّ الزواج كان بمشيئة إلهيّة لا تقبل الأهواء البشريّة، وأنّ الزواج يكون من أجل الزوجيْن والأبناء والمجتمع، بينما المثليّة عصيان لمشيئة الخالق، وهي هوى شيطاني شهواني، وهي إلغاء للحياة الزوجيّة، وقضاء على الإنجاب، ونشر للفساد والرذائل في المجتمع. لذلك يكون واجب المسيحيّ أن يقاوم هذه الظاهرة التي تؤسّس للشرّ، وتنشر المعاصي والمفاسد.

ويأتي في جملة المواقف الكنسيّة الرافضة لهذا الشذوذ اجتماع ممثّلي الكنائس في مصر بتاريخ 8-9-2003 برئاسة البابا شنودة الثالث، وكان الموقف: “رفض الشذوذ وسياماته وإدانته استناداً إلى تعاليم السيّد المسيح عليه الصلاة والسلام ونصوص العهد الجديد… لأنّ الشذوذ يتعارض مع الكتاب المقدّس، ويهدّد استقرار الزواج الطبيعي، وضدّ طبيعة تكوين الأسرة، وأخلاقيّات المجتمع، وكرامة الإنسان، ونقاء الكنيسة.”

المثليّة حرام في المسيحيّة، وهي قذارة ضدّ النقاء، وهي ضلال، وشهوات دنيئة، وضدّ الزواج وتكوين الأسرة، وتُهين كرامة الإنسان… إلخ.

فهل يتّعظ مروّجو المثليّة والشذوذ؟

الموقف الإسلامي من الشذوذ:

كانت مشيئة الخالق سبحانه أن يجعل الناس نوعيْن: أنثى وذكر، ونظام الأزواج سنّة كونيّة في الكائنات كافّة. وفي النصّ القرآني: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.﴾ (سورة الذاريات، الآية 49). هذه السنّة الكونيّة شاءها الله تعالى لحفظ الأنواع، فالتوالد والتكاثر محتاج لهذه الثنائيّة، والنظام الكونيّ لا يستقرّ بغير الزوجيّة.

فالمرأة والرجل نوعان من جنس واحد؛ هو بنو آدم، ولكنّ الله تعالى جعل لكلّ منهما وظيفة ترتبط بالتكوين الذي قام على أساسه التكليف، ولهذا كان القول الفصل في قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾ (سورة آل عمران، الآية 36)، وفي الجانب الإنساني كلاهما له موقعه ومكانته، ففي الحديث النبويّ الشريف: “إنّما النساء شقائق الرجال.” أخرجه أبو داود في السنن، كتاب: الطهارة.

فالنساء نظائر الرجال، كيف لا وهما من نفس واحدة؟ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً﴾ (سورة النساء، الآية 1).

فالزوجان: الرجل والمرأة يتكاملان ويأتلفان بالزواج فيتحقّق بينهما المودّة، والتراحم، والسكن، ومن خلال الأسرة يكون الاستقرار الاجتماعي، ومنها يكون تواصل الأجيال من بنين وحفدة. قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ (سورة النحل، الآية 72).

وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.﴾ (سورة الروم، الآية 21).

ثمّ يكون النكاح أو الزواج على أساس أركان حدّدها الشرع هي: القبول والأيجاب، والمهر، والوليّ، وشاهديّ عدل، ويكون عاقد يتمّم العقد بينهما. والزواج له ضوابطه ويرتّب على طرفيّ العلاقة: الرجل والمرأة، حقوقاً وواجبات تحتاجهما الأسرة لتحقيق مقاصدها الاجتماعيّة، ومنها الإنجاب.

أمّا الخروج عن هذه الأسس الشرعيّة من خلال دعوات الزواج اللاديني، والمثليّة والشذوذ، فإنّه عامل تدمير للأسرة، ومثل ذلك يجعل الشخص ألعوبة ومنقاداً للأهواء الشيطانيّة، هادراً لقيمته وكرامته، وينتج من ذلك مسارات فوضويّة في الرباط بين الأفراد تخالف الفطرة السليمة، وهي تندرج في باب المعاصي التي عرفتها بعض الشعوب فحلّ عليها غضب الله تعالى، وكانت في عداد الأمم البائدة عبر التاريخ.

لقد جاء في النصّ القرآني قصص قوم لوط عليه السلام الذين جنحوا إلى الشذوذ ومارسوا المثليّة في أن يقضي الذكور شهوتهم مع الذكور، وهذه فاحشة تخالف الفطرة، والطبيعة البشريّة، وهي معصية لله تعالى، كما أنّها تُعدِم الإنجاب والتكاثر وتنشر الأمراض النفسيّة، والاجتماعيّة، والجسديّة/العضويّة.

قال الله تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ.﴾ (سورة الأعراف، الآية 80).

قال القرطبيّ في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن): “الفاحشة: يعني: إتيان الذكور، ذكرها الله تعالى باسم الفاحشة ليبيّن أنّها زنى… واختلف العلماء فيما يجب على من فعل ذلك، بعد إجماعهم على تحريمه. فقال مالك (بن أنس): يُرجم؛ أُحصِن أم لم يُحصن، وكذلك يُرجم المفعول به إن كان محتلماً (بالغاً)، ويحبس ويؤدّب إن كان غير محصن، وهو مذهب عطاء والنخعي، وابن المسيّب وغيرهم. وقال أبو حنيفة: يعزّر المحصن وغيره… وقال الشافعي: يحدّ حدّ الزاني قياساً عليه.”

وقال الله تعالى في مثل فعل قوم لوط: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ.﴾ (سورة الشعراء، الآيتان 165، 166).

فما جاء في حقّ قوم لوط ينطبق على دعاة المثليّة الذين يرتكبون الفاحشة، ويأتون الذكور، ويذرون ما خلق الله تعالى في نظام الأزواج؛ وفي الحديث النبويّ الشريف: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به.” (أخرجه الترمذيّ، وابن ماجه، وأبو داود؛ وهو صحيح).

وأخرج الترمذيّ حديثاً آخر، هذا نصّه: “إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي عمل قوم لوط.” (حديث صحيح).

وقال الترمذيّ في السنن في التعليق على الحديثيْن، في كتاب: الحدود، باب: ما جاء في حدّ اللوطيّ: “وقال بعض أهل العلم من فقهاء التابعين، منهم الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم؛ قالوا: حدّ اللوطيّ حدّ الزاني، وهو قول الثوريّ وأهل الكوفة.

تأسيساً على ما تقدّم؛ القول الفصل هو: المثليّة والشذوذ حرام، ومعصية لله تعالى، وفعل منافٍ للفطرة والطبيعة البشريّة. وواجب المسلمين كافّة محاربة الفساد حتّى لا يعمّ وينتشر، لعلّ الناس يرجعون إلى رشدهم.

قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.﴾ (سورة الروم، الآية 41).

استنتاج وتوصيات:

إنّ دعوات الانحراف والشذوذ التي تشجّعها وتموّلها جهات مشبوهة، لها مخطّطات دوليّة تآمريّة شيطانيّة، هدفها تفكيك الأسرة، ونشر الفوضى الاجتماعيّة، وإشاعة المفاسد والرذائل، ويمكن حصر غاياتهم بما يلي:

1- ضرب الانتماء عند الإنسان على الوجه الآتي:

أ- الانتماء للنوع، وخلط الأنوثة بالذكورة، وفي هذا تمرّد من قبل الفرد على خصائصه، ودوره الاجتماعيّ، ووظيفته في الحفاظ على النوع.

ب- الانتماء للأسرة، ومن ثمّ العائلة المركّبة، فالعشيرة، فالاجتماع الوطنيّ، لأنّ المريض الذي قاده مرضه إلى الشذوذ لا يعرف كيف يلتزم القيم الناظمة لشبكة العلاقات الاجتماعيّة.

ج- ضرب الانتماء الديني عند المسلم وعند المسيحيّ، من خلال التمرّد على مشيئة الخالق سبحانه في التزام السنن الكونيّة، ومن خلال عدم التزام أوامر الدين ونواهيه.

د- إنّ من يخون دينه، وقيمه الأخلاقيّة، وعلاقته الزوجيّة الطبيعيّة، يسهل عليه أن يخون مقدّساته، ووطنه، وأمّته، وقومه.

أمّا مواجهة هذه الدعوات الهدّامة للفرد والمجتمع فإنّها تحتاج التوصيات الآتية:

1- إقرار التعليم الديني في كلّ المراحل، شرط أن يكون المقرّر فيه متضمّناً الإيمان بالله الواحد الأحد بلا تعصّب، وأن تكون المقرّرات بمضمون قيمي يستحضر القيم التي تبني الأسرة، والمجتمع، وترسّخ الأخلاق السامية والمثل العُليا.

2- مراجعة ما كان من إجراءات أو تراخيص لجمعيّات منحرفة عن قيم الدين والخلق في ضوء الالتزام بجوهر رسالات السماء، مع الإشارة إلى أنّ إسعاد الإنسان مرتكزه، وأساس مساره قيم الدين؛ كما جاء في مواد الدستور وسواها من النصوص التي وردت في هذه المقالة.

3- رفع درجة الاهتمام بمواجهة دعوات الشذوذ والإفساد في الخطاب الديني والوعظيّ، على أن يتضمّن الحجج الإقناعيّة، والأساليب الحواريّة، وعدم الاكتفاء بالأمر والنهي.

4- تشريع مواد في قوانين العقوبات فيها تشدّد مع سجن وغرامات مرتفعة، انطلاقاً من قول الخليفة عثمان بن عفّان -رضي الله تعالى عنه-: “إنّ الله تعالى ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.”

فهناك كثيرون تردعهم العقوبات لا التوجيهات الرشيدة.

5- أن تعمل المنظّمات الأهليّة الحريصة على الأجيال لإقامة فعاليّات تنشر الوعي بقيم الدين والخُلق الحسن، وتؤسّس للوعي الفكريّ/الاجتماعيّ/الوطنيّ، الذي يملك المواهب الكافية للردّ على الأفكار الهدّامة، وأنماط السلوك الشاذّة، هذا مع التوعية بأهميّة الأسرة والعائلة في حفظ النوع والقيم، وفي صناعة الاستقرار الاجتماعي والأمان النفسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *