يشير “النقد الدولي” الى أن قطاع الكهرباء تسبب بهدر 42 مليار دولار خلال 17 عاماً
كتب طوني بولس في اندبندنت عربية
منذ بداية الانهيار الاقتصادي في لبنان عام 2019، لا تنفك الدول المانحة وصندوق النقد الدولي عن مطالبة السلطات بتنفيذ مروحة إصلاحات تتضمن وقف العوامل المسببة للانهيار وتؤدي إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي بتعزيز أداء الشركات والمؤسسات العامة لزيادة إيرادات ومداخيل الخزانة والتوقف عن اعتماد الموازنات على الاستدانة لسد العجز.
ويجمع معظم التقارير المحلية والدولية على أن المعضلة الأساسية تكمن في فشل الدولة بإدارة قطاعاتها وتحويلها إلى قطاعات منتجة تدر المداخيل إلى الخزانة العامة، والمثال على ذلك قطاع الكهرباء الذي أشار اليه صندوق النقد الدولي كسبب رئيس للانهيار وتسببه بهدر 42 مليار دولار خلال 17 عاماً وتمت تغطية 24 مليار عبر قروض من البنك المركزي أسهمت في تكوين الفجوة المالية التي قدرها مصرف لبنان بـ 71 مليار دولار.
ومن نماذج الفشل في إدارة القطاعات، قطاع الاتصالات الذي كان يدخل إلى الخزانة بحدود 4 مليارات دولار لم تعد عائداته تتجاوز الـ 600 مليون دولار سنوياً، كذلك مرفأ بيروت الذي انخفضت عائداته من 1.5 مليار سنوياً إلى حوالى 300 مليون دولار، كذلك كان يمتلك سكك الحديد التي تربط بين مناطقه والدول المجاورة قبل أن تتوقف عن العمل.
ووفق تقارير البنك الدولي وصندوق النقد، فإن لبنان قادر على النهوض واستعادة توازنه المالي في حال استطاع تحويل القطاعات التي يملكها من قطاعات فاشلة إلى قطاعات ناجحة، إذ تقدر نسبة العجز السنوية للموازنة العامة بـ8 مليارات دولار.
مؤسسة مستقلة لإدارة أصول الدولة
وفي هذا السياق، اعتبر عضو لجنة الاقتصاد النيابية رازي الحاج أن لبنان من الدول القليلة في العالم التي تملك قطاعات عدة مثل الاتصالات والكهرباء والماء والنقل والمرافئ والمطار والكازينو، ويضاف إليها حديثاً قطاع البترول، مؤكداً أن الإدارة السليمة لتلك القطاعات تكمن في تحويل المؤسسات والهيئات والإدارات التابعة للدولة إلى شركات ترعاها الدولة ولا تتدخل بإدارتها، مضيفاً أن ذلك يشكل مدخلاً أساسياً لإعادة تفعيل الاقتصاد والحد من الفساد المستشري في معظم إدارات الدولة.
ولفت إلى أن تكتل “الجمهورية القوية” (تكتل نيابي يعود لحزب القوات اللبنانية) سبق أن تقدم باقتراح قانون إنشاء “المؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة”، موضحاً أنه لا يتطلب بيعاً لأصول الدولة أو حتى شراكة مع القطاع الخاص ومشيراً إلى أن الاقتراح يأتي في سياق استكمال برنامج صندوق النقد الدولي وخطة الحكومة لأنه سيوفر جزءاً من السيولة المطلوبة والإصلاحات في القطاع العام لتحقيق الاستقرار في المالية العامة والاقتصاد على المدى الطويل.
وشرح الحاج أنه في حال إقرار القانون تصبح الهيئات والإدارات والمؤسسات العامة التي تقوم بعمل ذي طابع تجاري شركات مملوكة من الدولة ولا تتبع أنظمة القطاع العام، وأنه لا تتم خصخصة الشركات، إذ يبقى قانون الشراكة مع القطاع الخاص والمجلس الأعلى للخصخصة قائماً، والعائدات المحصلة من الشركات تقسم بين خزانة الدولة وصندوق إعادة تكوين الودائع، وشدد على أن المؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة تهدف إلى إصلاح مؤسسات القطاع العام وإبعادها عن التأثير السياسي وتعزيز موارد الخزانة والإسهام في حصة الدولة من إعادة تكوين الودائع والمحافظة على ملكية الدولة لهذه الأموال، إذ تُنقل مسؤولية الوصاية والإشراف من الوزارات إلى المؤسسة المستقلة، وتبقى مهمات الهيئات الناظمة المسؤولة عن تنظيم القطاعات من دون تغيير، من خلال تعيين مجلس إدارة للمؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة بآلية شفافة ينص عليها القانون وفق معايير رقابية عالية.
تعزيز أداء الإدارات
وأشاد المحلل الاقتصادي نيكولا شيخاني بأهمية إنشاء مؤسسة مستقلة لإدارة أصول الدولة، معتبراً أن الأهمية تكمن في إدارته من قبل القطاع الخاص مع إبقاء الأصول للدولة، وهذا الأمر من شأنه أن يحسن الإنتاج بالدرجة الأولى مع خفض النفقات والأعباء فضلاً عن إعادة هيكلة هذه القطاعات وهو مطلب أساسي يشدد عليه صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان، وأوضح أنه بموجب القانون يتم إنشاء المؤسسة المستقلة عبر تشركة الهيئات والإدارات والمؤسسات العامة التي تقوم بعمل ذي طابع تجاري، وتنقل مسؤولية الوصاية والإشراف من الوزارات إلى المؤسسة المستقلة، على أن تبقى مهمات الهيئات الناظمة المسؤولة عند تنظيم القطاعات من دون تغيير، مؤكداً أن من شأن هذا الأمر تعزيز أداء هذه الإدارات بشكل أفضل، مما ينعكس إيجاباً على مداخيل خزانة الدولة من جهة وعلى المواطن من جهة أخرى لناحية تحسين الخدمات مثل قطاع الاتصالات والكهرباء والمياه وغيرها من مرافق الدولة الحيوية، مع رقابة مستقلة على أداء هذه الإدارة من قبل جهات دولية ومحلية مستقلة.
بدوره، اعتبر المحامي باسكال فؤاد ضاهر أن اعتماد هذا المفهوم الحديث والأسلم والأجدى يمكن اللبنانيين من الخروج من الأزمة الراهنة، إذ برأيه، يحمي أصول الدولة لشعبها، ويضع الحد النهائي للفساد والمحسوبيات، لا سيما أن “هذا المفهوم المتصل بالإدارة يملك القدرة على تعزيز الثقة الائتمانية، والأهم أنه يختلف بكليته عن الطرح المتجه إلى استثمار أصول الدولة “الذي نحذر منه”، ولفت إلى أن الهيئة الخاصة المكلفة بالإدارة، قانونياً، يجب توصيفها كسلطة عامة مستقلة وتملك الشخصية المعنوية وتعمل تحت كنف الدولة اللبنانية، إنما مستقلة عنها استقلالاً وظيفياً ومنهجياً وهيكلياً، وأوضح أنه وفق قرارات المجلس الدستوري الفرنسي، فإنها تخضع للرقابة أمام البرلمان، وكذلك للرقابة القضائية بوجهيها الإداري والعدلي، بحسب طبيعة الأعمال والقرارات التي تصدر عنها، مع التأكيد أن هذا التوصيف الحديث للمفاهيم يتصل بجذوره بفكرة “ديمقراطية المنفعة العامة”، وهو لا يتناقض مع الدستور على الإطلاق.
الصندوق السيادي للنفط والغاز
وفي سياق آخر، ميّز النائب رازي الحاج بين اقتراح “المؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة” و”الصندوق السيادي للنفط والغاز” الذي أقرته اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة المال والموازنة البرلمانية، مشدداً على أهمية إقراره لأنه من الخطوات الإصلاحية التي تحفظ عائدات الثروات النفطية في البلاد، لافتاً إلى أن اقتراح القانون الذي أقرته اللجنة ارتكز على 80 في المئة من البنود التي قدمت في اقتراح تكتل “الجمهورية القوية” متمنياً إقراره في الهيئة العامة للمجلس النيابي.
وكانت اللجنة الفرعية توصلت إلى دمج أربعة اقتراحات مقدمة من كل من تكتل “لبنان القوي” (تكتل نيابي يعود للتيار الوطني الحر) و”اللقاء الديمقراطي” (تكتل نيابي يعود للحزب الاشتراكي) وكتلة “التنمية والتحرير” (تكتل نيابي يعود لحركة أمل) وتكتل “الجمهورية القوية”، وخلصت إلى صيغة واحدة، ورفعته إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليصبح الاقتراح جاهزاً، إلى جانب الاقتراح الذي سبق وأقرته اللجنة والمتعلق بالطاقة المتجددة، لعرضهما على أي جلسة تشريعية مرتقبة.
وفي هذا السياق، أوضح رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان أنه تم إقرار “الصندوق السيادي” كمؤسسة عامة ذات طابع خاص، لا تخضع للوصاية التقليدية التي كانت تمارس من الحكومات والسلطة التنفيذية، لافتاً إلى أن الصندوق يتمتع بشخصية معنوية وبالاستقلالين المالي والإداري وبأوسع الصلاحيات الاستقلالية عن تدخل السلطة السياسية، وأشار إلى أن الاقتراح يتضمن إناطة إدارة الصندوق بمجلس إدارة من أصحاب الكفاءات والاختصاصات المرتبطة بعمل الصندوق المالية والاقتصادية والقانونية، كما لا يجوز السحب من محفظة الادخار والاستثمار إلا وفقاً للشروط المحددة في تفويض الاستثمار، وألا يقل الاستثمار خارج لبنان عن 75 في المئة من أصول هذه المحفظة.
وفي السياق نفسه، أكد النائب هادي أبو الحسن (لقاء ديمقراطي) أن إقرار اقتراح القوانين المتعلقة بإنشاء الصندوق السيادي خطوة إصلاحية متقدمة على قدر آمال وتطلعات اللبنانيين، مشدداً على ضرورة الاستفادة من التجارب الناجحة لدول الخليج ودولة النريوج وغيرها، وأضاف “الأهم عدم تقييده بحسابات طائفية، إنها الفرصة الثمينة الممنوع إضاعتها على لبنان”.