Mr. Jackson
@mrjackson

“إرادة”: قوّة سنية اقتصادية على حافة السياسة وفي قلب المسؤولية الاجتماعية

أحمد الأيوبي

تشهد الساحة السنيّة في لبنان تنوّعاً وحراكاً لا يقتصر على المشهد السياسي فقط، بل يمتدّ إلى المشهد الاقتصادي بعد أن شهدت عقود القرن المنصرم الأخيرة ظاهرة رجال الأعمال الذين تحوّلوا إلى زعامات وقيادات سياسية ورؤساء حكومات ووزراء ونواب لكنّ أغلبهم فضّل نموذج الزعامة الشخصية، فلم يتّجهوا إلى تأسيس أحزاب سياسية ذات طابع مؤسساتي، وهذا ما انكشف مع تفاقم الانهيار الاقتصادي وتخلّي الرئيس سعد الحريري عن مسؤولياته وتعليقه العمل السياسي لتيار المستقبل ليس سياسياً فحسب، بل إنّ الانشكاف كان أكثر اقتصادياً واجتماعياً، وهنا يكمن مربط البحث في هذا المقام.

جمعية “إرادة”: تعويض النقص السنّي بالاقتصاد؟

في المقابل، برزت ظاهرة أخرى تُمَثِّلُ إطاراً تعاونياً بين ما يزيد عن 250 من رجال الأعمال لتشكِّل مبادرة ممتدة على مجمل الأراضي اللبنانية، هي “إتحاد رجال الأعمال للدعم والتطوير – إرادة” والذي حمل العلم والخبر رقم 1282  بتاريخ 16 تموز 2013 وتأسّس بعد قيام أعضائه بالاطلاع على عمل المجموعات الاقتصادية العالمية الفاعلة التي تسهم في تطوير بلادها ومجتمعاتها وزيارة مؤسسات مختلفة تابعة لإتحادات رجال الأعمال العالميين للوقوف على إنجازاتهم على كافة الأصعدة، لا سيّما منها التربوية والصحية والإقتصادية والإجتماعية.

يسعى الاتحاد إلى “بناء تجمع اقتصادي واجتماعي رائد يهدف إلى خدمة مجتمعنا وتعزيز هويته، كما يدعم ويحمي مصالح أعضائه”، ورسالته هي “تعريف وربط رجال الأعمال ببعضهم البعض بهدف خدمتهم وتوسعة اعمالهم و زيادة فعاليتهم”.

تتألّف الهيئة الإدارية لـ”إرادة” من: المهندس عبد السميع الشريف رئيساً، ولؤي ملص نائباً للرئيس، عبد العزيز جمعة أميناً للسر وممثلا للجمعية لدى الحكومة، المهندس محمد سنو أميناً للصندوق، الدكتور باسم البواب محاسباً، وعاصم النوام، المهندس مازن شبارو، المهندس مغير سنجابة، ياسر القوتلي، إبراهيم شهاب، صبحي بكداش، وربيع دندشلي أعضاء.

يتجنّب اتحاد “إرادة” مقاربة العمل السياسي ولا يطرح أعضاؤه أنفسهم كعاملين في السياسة، لكنّهم اتّجهوا نحو مبادرات تنموية تستجيب لتحديات الواقع الاجتماعي، فخلال جائحة كورونا أقام مركزاً طبياً للإسعاف الأولي بالتعاون مع جامعة بيروت العربية، كما جرى تنفيذ عدد من مشاريع الإنارة للأنفاق في بيروت وتجري دراسة إنارة طريق ضهر البيدر والتوسع نحو الشمال.

شملت المبادرات أيضاً مبادرة “تعلّم” وهي حملةٌ لدعم التلاميذ المتعثرين مادياً في لبنان، إلاّ أنّ الإنجاز الأهمّ هو مركز “خبرات” لتحسين المهارات المهنية وإيجاد فرص العمل لأنّه يمثّل الحلقة المطلوبة في ظلّ اشتداد المصاعب الاقتصادية واضطراب سوق العمل وتراجع الفرص للحصول عليها.

الضايع: تجربة تسعى للوصول إلى جميع المناطق

يتحدّث أحد أعضاء الاتحاد المهندس محمد الضايع عن تجربة “إرادة”، فيعتبر أنّها رغم عدم انتشارها الواسع ومع محدودية إمكاناتها، إلاّ أنّها تجربة ناجحة حتى الآن وتستحق الجهد والمثابرة لتأخذ مكانها الطبيعي انطلاقاً من إحساس إعضاء الاتحاد بالمسؤولية الاجتماعية والتي لا يمكن فصلها عن الوضع العام في البلد، مما يجعلنا على تماس مع حاجات أهلنا وهذا يوجب علينا التحرّك لتحويل نجاحاتنا الشخصية إلى نجاح جماعي يخدم المجتمع وخاصة مع ما ينتظرنا من تحديات كبرى نتيجة الانسداد السياسي المسيطر على البلد.

يقرّ الضايع بأنّ تركيز “إرادة” هو في بيروت بسبب كثافة الأعضاء في العاصمة، لكنّه يعرب عن اعتقاده بأنّ الفترة المقبلة ستشهد وصول الاتحاد إلى جميع المناطق اللبنانية بناءاً على التكامل ورفع مستوى المسؤولية الاجتماعية.

توصيات مؤتمر “إرادة”: مستقبل النظام المالي اللبناني وتأثيره على الاقتصاد”

كانت جمعية “إرادة” قد عقدت في 13 من الشهر الجاري (تموز) مؤتمراً بعنوان “مستقبل النظام اللبناني وتأثيره على الإقتصاد”. وأعلن المجتمعون عن مجموعة من التوصيات، أكدت بداية على ضرورة الإلتزام بالمهل الدستورية، وكذلك على ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، وأهمية تشكيل حكومة جديدة متجانسة تستطيع تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان من ذوي الكفاءة العالية، وذلك من أجل القيام بالإجراءات التشريعية والتنظيمية اللازمة بغية عودة لبنان إلى الإنتظام في العمل، على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية.


أكّد المجتمعون على أهمّية رسم نظام ماليّ جديد، مبني على سياسات عامّة رصينة، وقد تضمّنت التوصيات ما يلي:

1. إعادة هيكلة المصارف والتزامها بمعايير العمل الدولية، مع تنويع محفظة استثماراتها بعيدة عن التمركز في تمويل الدولة.
2. الاعتراف بالخسائر من جميع الجهات المعنيّة (الدولة، المصرف المركزي، والمصارف) وكذلك وضع خطّة لإعادة الودائع بطريقة عادلة، وبعيدة عن الـhaircut، الذي طال الودائع في السنوات الأربع الماضية.
3. نظم الإجراءات اللازمة من أجل إعادة رسملة المصارف اللبنانية.
4. ضرورة الفصل التامّ بين السياسة النقدية والسياسة المالية (المالية العامة).
5. إعتماد الحوكمة الرشيدة في المصرف المركزي، وفي السياسة النقدية والأسواق المالية، والالتزام بالمعايير الدولية ومعايير السوق والشفافية.
6. إلغاء العمل بالاقتصاد النقدي (“الكاش”)، والحدّ من التهريب والتهرّب الضريبي.
7. تنويع مصادر تمويل القطاع العام وإدارة رشيدة للدين العام.
8. تحرير سعر الصرف وتوحيده، وضمان الشفافية في التصريحات المالية والالتزام بالمعايير الاقتصادية لعملية “العرض والطلب” في سوق النقد، لناحية تحديد القيمة الفعلية لليرة اللبنانية – على أن لا يُغفل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، خصوصاً من الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، وكذلك الاستفادة من صناديق التمويل الأخضر.
9. إعادة الثقة بالاقتصاد الوطني، وذلك عبر القيام بالإصلاحات الهيكلية والمالية والنقدية والتنظيمية والتشريعية المطلوبة، قبل التفكير في جذب الاستثمارات الجديدة.
10. العمل مع صندوق النقد الدولي على خطة إصلاحية، بشرط ألاّ تؤدي الى مزيد من الخضات السلبية الضخمة، خصوصاً في القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود.
11. إعادة الثقة إلى القطاع المصرفي من خلال التعاون مع مصارف أجنبية المراسلة.
12. توجه القطاع الخاص نحو أسواق جديدة، بعيداً عن تمركز الاعتماد على “سوق” القطاع العام لناحية المشتريات الحكومية من السلع والخدمات.
13. الاهتمام بالحفاظ على الشركات الناشئة والصغيرة وخصوصاً المتناهية الصغر، من أجل الحفاظ على اليد العاملة، وخلق فرص العمل.
14. تفعيل استقلالية القضاء والحفاظ عليها.
15. إيجاد حل لمشكلة القيمة الفعلية لتعويضات نهاية الخدمة في مؤسسات القطاع الخاص، من دون تحميل القطاع أكلاف إضافية.
16. تعزيز تنافسية الصناعات الوطنية وزيادة الرسوم على الكماليات من المواد المستوردة، مع ضرورة تعزيز كفاءة الجمارك من أجل الحدّ من التهرّب من دفع الضرائب والرسوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *