الشيخ الدكتور حسان محيي الدين
مشركو الوثنية العربية بقيادة الصناديد من قريش، اليهود، المنافقون، مرتدو الوثنية العربية بقيادة أدعياء النبوة والزعامات الكاذبة، نُظُم الطواغيت في إمبراطوريات كسرى وقيصر، الصليبيون، المغول، المستعمرون القدماء والجدد، هجمات إثر هجمات، يتكسر عنفها الحاقد على صخرة هذا الدين فترتد زبداً وغثاءً، ولا يبقى إلا عطاء هذا الدين الذي ينفع الناس…
أربعة عشر قرناً، وهم يقاتلون هذا الدين في محاولة مديدة متواصلة لرد أبنائه عنه، لا يرضون له أن يمضي إلى غايته التي رسمها الله عز وجل، ولا لأبنائه أن يختاروا لهم طريقاً غير طريقهم.
أربعة عشر قرناً ونداءات القرآن الكريم تحذر وتنذر… فما من لحظة سيلقى فيها السلاح ويكف الخصوم عن البغي والكيد (( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)) البقرة (٢١٧)، ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)) البقرة (١٢٠)، (( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)) الصف(٨)
والله متم نوره ولو كره الكافرون!
فلتقر أعين أتباع هذا الدين ولترغم أنوف خصومه، فإن النصر لن يكون إلا لهذا الدين
تلك معادلة واضحة يقولها ويؤكدها التاريخ، تؤكدها أربعة عشر قرناً من الصراع الذي لا يرحم، والنتيجة الواحدة التي لا تتغير أو تتبدل مهما عظمت التضحيات وغلا الثمن وطال العمر، أن ينتصر الإسلام ويعلو، وأن ينتشر نوره في الآفاق….
هل ثمة من دين أو مذهب اجتاز رحلة الأربعة عشر قرناً؟ أو حتى القرن والقرنين؟ دون أن تتشعب به المسالك، وتنحرف الطرق وتضل الأهداف؟!
عشرات الأديان والمذاهب قطعت خطوات قصيرة في الزمان والمكان، وما لبثت أن تعرضت لأكثر من محنة، فلم تصمد لها، فتمزقت وتفتت وانحرفت عن الطريق، وعشرات غيرها أشبعها المرجفون والكهنة والمرتزقة دجلاً وشعوذةً وترهات لتحقيق مصلحة وتأمين حاجة، قبل أن تقطع بعضاً من الطريق الطويل….
والإسلام هو الإسلام ، وكتابه هو الكتاب، وسنته هي السنة، وهدي خلفائه رجالاته هو الهدى، ليس ثمة إسلامان ولا كتابان ولا سنتان، ليس إلا إسلام واحد وكتاب واحد وسنة واحد ونهج واحد…
يمضي أربعة عشر قرناً أو أربعة عشر ألفاً من السنين، والأمر سواء، وأثبت هذا الدين قدرة فذة على قبول التحديات وهضمها…
فليطمئن أتباع هذا الدين الذين يزحفون عدداً باتجاه المليارين وليخسأ الخصوم الذين يتصورون أو يصور لهم الذين يحركونهم من وراء ستار في ساعة حلم شيطاني…
إن بمقدور قوة في الأرض أن تسحق هذا الدين، أن توقف حركته، ليطمئن الأتباع وليخسأ الخصوم…
إن هذا الدين يحمل عوامل ديمومته واستمراره، فما دام الله جل جلاله قد أراد أن يكون دين الدنيا، ودين البشر أجمعين، فمعنى هذا، أنه جل جلاله، قد أمده بعناصر القوة والشمول والحيوية، ما يجعله قديراً على التواصل مع أجيال البشرية المتعاقبة….
إنه دين الفطرة الذي يتعامل مع الإنسان بما هو إنسان، في تكوينه قوى الروح والمادة، والطبيعة والغيب، والثبات والحركة، والغرائز والأشواق، إنه دين يتعامل مع الطبيعة والعالم كشفاً عن سنتهما التي أودعها الله فيهما، وسعياً من أجل تحقيق الوفاق المرتجى بين الإنسان والعالم….
لقد جوبه هذا الدين منذ فجره المبكر بردة شرسة قاسية، ولكنه خرج منها أكثر صلابةً وتوحداً، وانطلق إلى مشارق الأرض ومغاربها، تُفتح له القلوب، قبل البلدان، ويتم له الإنتصار على كل من يجابهه بقدرة الله الواحد الأحد، لأنه عرف كدين وكعقيدة وكحضارة كيف يفتح صدره لتراث الأمم والشعوب وحضاراتها، فكما هو في ساحات الحرب والشهادة، هو أيضاً في ساحات العلم والعطاء، وبقي طيلة القرون التالية، وهو يتعرض لتحديات قوى كانت في كثير من الأحيان تفوقه عدداً وعدة ولكنه كان دائماً المستجيب لتحدياتها والمتقدم لمجابهتها والمنتصر عليها في نهاية الأمر، لأنه باختصار، ورغم السرطان الصهيوني المزروع في كبده (فلسطين المحتلة) والذي فاق بعنصريته الوحشية والأنانية والمغرورة كل العنصريات في التاريخ، سيكون بإمكانه أن يخرج من المعركة الطاحنة ظافراً ومنصوراً…
عبر مسيرته الحافلة ذات الأربعة عشر قرناً، كان الإسلام قادراً على التجدد والإنبعاث، عبر بروز رجالات أو حركات تنطلق به إلى آفاق جديدة، فيزداد قوة، وتمكناً، وأصالةً، وعطاء…
إنه دين يحمل في تركيبه المعجز القدرة الأبدية الخلّاقة على التجدد والإنبعاث…
