من قلب الأزمة يعمل لمخارجَ على أساس الخير العام
حمل الدفاع عن حقوق العمال والموظفين في زمن الانهيار
استباق لجنة المؤشر ورفع الراتب، والسعي لإنقاذ التعليم

أحمد الأيوبي
وصل الانهيارُ في الدولة ومؤسساتها إلى مستوى غير مسبوق لم تشهده حتى في الحرب الأهلية، ومعه انهارت القيم وانكشفت وقاحة الطبقة السياسية، فلم يعد محتلّو مواقع القرار يستحيون من ضرب مصالح الشرائح الضعيفة، ولا يتوانـَون عن سلب حقوقها علناً بلا حسيب ولا رقيب، مما أوقع موظفي القطاع العام بشكل خاص تحت وطأة كوارث لا تنتهي حوّلت حياتهم إلى جحيم وجعلتهم ضحية فوضى الصراع على المصالح بين مافيات السلطة، مشتَّتين بين وزارة عمل لا تعمل، وضمان اجتماعي لا يضمن أحداً، ومجلس نواب عاجز عن تشريع قوانين الضرورة في المجالات المصرفية والإقتصادية.
وسط هذه الفوضى العارمة، وقف رئيس الهيئات الاقتصادبة الوزير السابق محمد شقير متمسِّكاً بحقوق العمال وموظفي القطاعين العام والخاص، رافضاً الإستسلام لهذا الواقع، فاندفع لاتخاذ خطوات عمليّة وهو على رأس الهيئات الاقتصادية، فلم ينتظر قرارات لجنة المؤشِّر ولا قرارات وزارة العمل، بل بادر بالتعاون مع الهيئات في بيروت إلى اعتماد الراتب الشهري للموظفين بسقف خمسة ملايين ل.ل. مع الإقرار بأنّه لا يكفي لتلبية متطلِّبات الحياة اليومية، لكنّها خطوةٌ لتخفيف الضغوط الهائلة التي يتعرّض لها اللبنانيون.
التوازن المطلوب بين حاجات العمال وبين قدرات الشركات

هذا ما يوضحه شقير في أحاديثه وإطلالاته الإعلامية، كاشفاً أنّ “الشركات الكبيرة وخاصة في بيروت وجبل لبنان لم تنتظرالهيئات الإقتصادية والإتحاد العمالي العام لكي يرفعوا قيمة الأجور بل أصبحت أكثر من خمسة ملايين ل.ل. ولكن في القرى، نحن نطلب أن يكون الحد الأدنى 4 مليون ونصف المليون، والأكيد أن الإلتزام سيتّم عندما يُنشر القرار بالجريدة الرسمية”، داعياً وزير العمل إلى الإسراع في القرار، معتبراً أنّ المطلوب إنعقاد جلسة بأسرع وقت لمجلس الوزراء لاتخاذ قرار يسعف الموظف الذي يبلغ راتبه الشهري مليونين وستمائة ألف ل.ل.”.
وأضاف: نحن نسعى جاهدين لمساعدة العامل بدون تسمية الزيادة على الراتب بحد أدنى للأجور تفادياً للزيادات التي ستحصل تباعاً على فواتير الكهرباء والإتصالات وحتى الإيجارات.
يؤكِّد شقير العمل على “إقامة التوازن بين ما يمكن أن تتحمله المؤسسات وبين مطالب العمال وهذا ضروري للحفاظ على استمرارية المؤسسات وتجنب إغلاقها”.
الحفاظ على
التعويض والضمان
يكشف شقير التوصّل إلى اتفاق مع الإتحاد العمالي العام على إلزامية تحويل تعويضات نهاية الخدمة إلى معاش تقاعدي بما في ذلك من حماية لمصلحة العامل، لكنّ القرار يحتاج إلى قانون. لذلك ستكون لنا زيارة مع الإتحاد العمالي العام إلى الرئيس نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي وسنقدم لهم صورة عن القانون المطلوب ولكن يبقى تاريخ الإقرار غير معروف لذلك نحن لن ننتظر إقراره وطلبنا من مجلس إدارة الضمان أن يقوم بالتسوية، وهذا نبَعَ من مبدأ المحافظة على ما تبقى من مؤسسات في لبنان وهو مبني على خوفنا على بلدنا وعلى صاحب العمل والعامل.
يبدي شقير حرصه على أن يحافظ العمال على ما تبقّى من مكتسبات، فيعلن أنّه يحقّ لأي عامل أو موظف بلغ سن التقاعد أن يُبقي على تعويضه إلى حين حدوث التسوية. “نحن نرى أنّ هذه التسوية هي شبكة أمان إجتماعية مثل كل الدول المتقدمة، فمن بلغ سِنَّ التقاعد يحق له أن ينعم بحياة كريمة واستشفاء وطبابة وأن يكون له راتب شهري يضمن له تقاعده. فهذه الحقوق أساسية، كما أنّ المحافظة على الضمان الإجتماعي أساسي أيضاً وهو حاجة، فنحن نوافق على زيادة إشتراك الضمان لأنّ هذه الزيادة هي السبب في رفع سقف قيمة التغطية الإستشفائية فقد كانت 12% ووصلت إلى 60% وهذا شيء جيد.
حقوق موظفي وعمال القطاع العام

يشير شقير إلى أنّ المشكلة الكبيرة تكمن عند موظفي القطاع العام فهم ضحَّوا خلال السنوات الثلاث المنصرمة كثيراً، ويجب أن يُصار إلى حل مشاكلهم، وإلا فنحن ذاهبون لأزمة جديدة في البلد. فموظفو القطاع الخاص حُلت 80% من مشاكلهم والأكيد أننا كقطاع خاص لا يمكننا العمل بدونهم ولا حتى توسعة أشغالنا.. فمن غير المعقول مع كل التضخم الحاصل أن يكون راتب المدير العام في الدولة 5 ملايين ل.ل.، والعسكري الذي يُضحّي بحياته لحمايتنا لا يتجاوز راتبه المليوني ليرة لبنانية، والخطر الكبير هنا أنّ الكثير من الكفاءات التي تعمل في القطاع العام هاجرت، وهذا الأمر يلزمه حلٌّ سريع للمحافظة على من بقي من موظفين وإداريين نفتخر بهم في القطاع العام.
الإهتمام بإنقاذ
القطاع التعليمي
يقول شقير: خسرنا الكثير من القطاعات في لبنان ولكن نحن نؤمن أننا بالمحافظة على القطاع التعليمي نستطيع أن ننقذ كل القطاعات بالعلم، وبالعلم يمكن أن نستعيد أموالنا والسياحة والتجارة والصناعة. ومسؤوليتـُنا هنا بمساعدة الطلاب على إكمال دراستهم فالمحافظة على مستوى التعليم يقضي بوجود الطلاب وإلا حلّت الكارثة. ومن أهمّ أسباب الحفاظ على التعليم معالجة مشكلة رواتب الأساتذة في التعليم الرسمي، والأجدى من النكايات السياسية أن يجتمع مجلس الوزراء ويجد الحلول لهذه الأزمات.
يلفت شقير إلى أنّه في إطار جهده للمساهمة في الحفاظ على التعليم، أسس جمعية “بيروت بخير” للمساعدات المدرسية والاجتماعية في كل نطاق الوطن بدون التفرقة بين اللبنانيين مهما كان إنتماؤ هم الديني أو المناطقي، وفي هذا الإطار جاءت الزيارة والمبادرة باتجاه جامعة الروح القدس في الكسليك ومؤسسات تعليمية أخرى.
سقوط الشعبوية
وثبات المصداقية
لم يتغيّر خطاب محمد شقير مسايرة للبعض في خطاب الشعبوية، ولم يتهرّب من تحمّل المسؤولية في نطاق عمله الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، لكن ربّما أخطأ الرجل في اعتباره أنّ الوضوح والصراحة كافيان لتقديم الصورة الصحيحة عنه لدى الرأي العام، في بلدٍ تسيطر فيه غرف العمليات السوداء التي تتحكّم بمفاصل كثيرة في البلد، لكن يبقى أنّ من يثبت ويستمرّ في التصاقه بالناس وسعيه لتأمين مصالحهم، في زمن انهيار الإقتصاد والقيم، هو الذي سيُثبِتُ جدارته وقدرته على العمل، لأنّه من قلب الأزمة يستطيع أن يبتكر الحلول على أساس الخير العام.
