طارق الحجيري
أطََلَّ بالأمس الشيخ نعيم قاسم، عبر كلمةٍ مسجلة من مخبأ ما، متحدثًا عن أحوال حزبه وحرب إسنادهم، لم يأتِ بأي جديدٍ يُعطي الناس ولو أملًا ضئيلًا، بل زاد المشهد الأسود قتامةً، واستمر في المكابرة والإنكار، منفصلًا عن الواقع، حتى قال وظنَّ الكثيرون أنّه لا يدري ما يجري خارج مخبئه.
في الشكل أخفق قاسم في شَغْل وملأ كرسي السيد نصرالله، رغم الاستعانة بصورته وذكر اسمه مرات ومرات خلال الكلمة ، أمّا في المضمون فقد وقَعَ – ربما عن غير قصد – في تناقضٍ كبير عندما دعا لوقفِ إطلاق النار في لبنان، ثُمَّ عاد ليتَعَهَّد بتحرير كامل أرض فلسطين ومقدساتها، لم يخبرنا قاسم كيف سيحرر الأرض المحتلة بوقف اطلاق النار؟؟ ولا كيف يكون وقف إطلاق النار هزيمة للعدو؟؟، ثم إذا كان مقتنعًا بجدوى هكذا قرار فلماذا التأخير به حتى الآن؟ ما جدوى هذه الجبهة الإسنادية منذ سنة؟
كلمة قاسم أكَّدت المؤكد وما هو معروف سلفًا، فجماعة محور إيران لا يعترفون بمنطق الدولة ومؤسساتها ودستورها، لم يُظهِر الرجل أيّ تغيير في نظرتهم للدولة، بل زاد في حجب دورها وتقزيمه، أملى عليها واجبها وحَصَرَه بتحصيل قرار وقف اطلاق النار، ثُمَّ تسليمه لقاسم وفريقه من المتأيرنين كي يعلنوه انتصارًا تاريخيا فوق الجثث والركام والدمار.
رغم كلّ الخراب والموت والتهجير وضرب مخازن السلاح الأساسيّة، لا زالت سياسة النعامة نهجهم وديدنهم، كلما اشتدت مآسي البلد أمعنوا بدفن رؤوسهم في الرمال أكثر، ثُمَّ يطلون برؤسهم من الأنفاق، يبيعون الناس الانتصارات الوهميّة المُزَيَّفة.
اليوم بعد وصولنا لقعر الهاوية لم يبق لقاسم وفريقه ترف الشعارات والمزايدات والهوبرات، يجب عليهم التواضع كثيرا وليس قليلا، كي تتوفر فرصة إخراجهم من الحفرة العميقة التي أوقعوا أنفسهم ولبنان وشعبه فيها.
سقط منطق تَغَوّل الدويلة على الدولة وابتلاعها، سقط معه منطق الإستعلاء والاستكبار على باقي اللبنانيين، تَبَيَّن أنَّ شعارات “كبس الزر” مجرد “لعبة اطفال” حفلات زجل وردح محلي لم تُجَّنب مدينة الخراب، ولم يحم مقاتلًا أو قائدًا عسكريًا أو أمينا عامًا من القتل والاغتيال.
الحل يبدأ بالركون لمنطق الدولة ومؤسساتها، عبر تسليمها القرارات كاملة غير منقوصة، لمحاولة عقد اتفاق وقف اطلاق النار، يليه عقد جلسات عملية لانتخاب رئيس جمهورية سيادي إنقاذي نظيف الكف، ثُمَّ تشكيل سريع لحكومة مُصَغَّرة ببرنامج عمل وحيد هو تطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده وفقراته دون مسايرة أو محاباة.
يجب على الشيخ نعيم قاسم وفريقه الإدراك أن المكابرة دَمَّرت لبنان، والإنكار ضربًا من الخيال، الثلاثيّة الخشبيّة التي قتلت دولة لبنان ” جيش شعب مقاومة” باتت من الماضي غير الجميل ولا يمكن العودة إليها تحت أيِّ ظرف، لم يبقَ لنا الا صيغة إنقاذية واحدة هي الثلاثية الذهبية الفعلية “شعب دولة جيش”.