د.فؤاد البنا
روى العلامة عبد الرحمن بن الجوزي حادثة وقعت أثناء موسم الحج في زمانه؛ فحينما كان الحُجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم، حسَر أعرابي عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان من الحُجاج إلا أن انهالوا عليه ضربا حتى كاد أن يموت، وبعد أن خلّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، قال له الوالي: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال: حتى يعرفني الناس فيقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم!!
وأكاد أجزم بأن هذا الأعرابي لو فعل ما فعل في زماننا هذا؛ لصار نجما من نجوم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولنال فعله هذا عشرات الملايين من المشاهدات في اليوتيوب، ولحصد ملايين الإعجابات والمعارضات، ولصار للرجل ملايين المتابعين والمنتقدين، بل وصار من نجوم المجتمع الذين يخطب الناس ودهم ويتسابق عليهم المعلنون وطلاب الشهرة!
ولا أقول ذلك من خيال جامح، وإنما من واقع يزخر بالتفاهات ويعج بالسخف، فكم رأينا من أناس يتصدرون هذه الوسائل ويلمعون تحت أضوائها؛ لأنهم يتبوّلون من خلال أقلامهم على أطهر القضايا ويتغوّطون بواسطة أفواههم على أنظف الناس!
وبالمناسبة إذا تأملنا مقاصد الحج بعمق، كما وردت في القرآن وصحيح السنة وتطبيقات الجيل الذهبي من الأمة، فسنجد أن الحج يملك إمكانات عظيمة، ومنها أن أيامه تمثل دورة تدريبية متكاملة على ممارسة القول السديد، وعلى البعد الصارم عن السفاهة وفحش القول بل وعن الجدل العقيم ولو كان الحاج ملتزما بآداب القول، فقد قال تعالى عن أشهر الحج: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، ذلك أن هذه الأمور من جوارح الحج، ولا يمكن للحج أن يكون مبروراً ما لم يستخدم الحاج مع نفسه رقابة صارمة في هذا الإطار، مما يجعل من الموسم دورة تدريبية مثالية لمن أراد الانضباط القولي والذي بلا شك سيرتقي بالمجتمع وينعكس إيجابا على وسائل التواصل الاجتماعي في المدى البعيد على الأقل!
