
شادي الايوبي: كاتب وسياسي لبناني مقيم في اليونان
ثلاثون عامًأ مرت – وربما أكثر – والعولمة تزرع في العالم قيم الفردانية والأنانية وعدم الاكتراث بالمظلوم وتجاهل الاحتلالات والمظالم.
.
وتزرع فيه هوس الاستهلاك والميوعة وسحق المجتمعات التي تريد المحافظة على هويتها وخصوصيتها وأخلاقها.
.
وتزرع فيه عدم تقبل الآخر المختلف والسعي الحثيث لإخفائه لإظهار العالم كله في وجه واحد: عالم استهلاكي غير أخلاقي يعبد المال ولا يبالي بالقيم ولا بالأخلاق وبلا بالدين.
.
وتزرع فيه اليأس والخمول وحب الراحة والبعد عن الإنتاج وتقول لنا بكل وضوح: نحن تيار عالمي جارف لا سبيل إلى مقاوتنا فسلموا واستسلموا.
.
وتنشئ أجيالًأ في بلاد الدنيا لا هم لها إلا المتع الدنيوية والعلاقات العابرة والتفاخر بالدخول في تجارب المخدرات والجنس والمال المشبوه.
.
أجيال لا تهتم بمصائب بلادها وشعوبها، وشباب لا يبالي بفقر أهله وشعبه وأمراضهم، طالما أن سعادتهم الشخصية مضمونة.
.
ثلاثون عامًا والعولمة تدمر الأخلاق والدين والضمير، ولعلها ظنت أنها نجحت في ذلك إلى حد كبير.
ثم جاء حراك الطلاب فمسح ذلك كله في بضعة أشهر.
.
وخرب تلك الجهود التي استغرقت أعوامًا وأنفقت لأجلها مبالغ لا تقدر.
.
مسح أنانية العولمة لأنه جاء من طلاب في أفضل الجامعات، كان يمكن أن يكملوا حياتهم ويتطلعوا إلى مستقبلهم المهني دون أن يلومهم أحد.
.
وجاء تضامنًا مع قضية عادلة تواطأت أنظمة العالم الفاجرة على وأدها وسحق من يساندها.
.
جاء تضامنًا مع شعب ضيقت عليه الأنظمة العربية وخنقته، فيما العالم يسهل له الخروج من أرضه لينهي قضيته ويطوي صفحتها المزعجة له.
.
جاء تضامنًا عفويًا صادقًا لا مصلحة من ورائه وجاء ليؤكد أن مساعي العولمة لمسح الأخلاق والضمير الإنساني لم تؤت ثمارها.
.
جاء ليؤكد أن هناك من يستعد أن يدفع ثمن التضامن مع المظلوم والمسحوق والمناضل لأحل حريته واستقلال بلده، دون انتظار أي مقابل.
.
والأمرّ من ذلك أنه جاء من أجيال يفترض أنها ابنة العولمة وتربت عليها وتشربت مبادئها، وأنه يتمدد في بلاد تحاول حكوماتها فرض العولمة على العالم.
.
فلا غرابة أن يصاب أرباب العولمة بالقلق والأرق أمام هذا التطور، ولا غرابة من سعيهم إلى وأده في مهده.
