كتب عماد الشدياق في “عربي21”
تحت عنوان “المسار الاقتصادي لكازاخستان العادلة”، افتتح الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف الدورة الثانية للبرلمان مطلع الشهر الحالي، ملقياً خطاب “حالة الأمة”، الذي تناول تفاصيل خطة اقتصادية طموحة ومتوسطة الأجل (6 سنوات) رسمها لكازاخستان.
أهداف تلك الخطة ترمي إلى منح كازاخستان “هوية” اقتصادية جديدة ومتطورة، تجعل من البلاد التي تقع في قلب القارة الآسيوية “محطة عبور”، أو همزة وصل بين الشرق والغرب، تدفع بالاقتصاد لبلوغ نمو مستقر نسبته بين 6 و7 في المئة ومضاعفة حجمه لنحو 450 مليار دولار بحلول عام 2029.
مسار الخطة يقوم على ثلاثة مبادئ: “العدالة” و”الشمولية” و”الواقعية”، تجمع بين الإصلاحات السياسية والإدارية من جهة والتحول الاجتماعي- الاقتصادي العميق لدولة تنتظر بلوغ عدد سكانها نحو 20 مليون نسمة مع نهاية العام الحالي (ثلثهم من عنصر الشباب).
في خطته، لم ينسَ توكاييف أهمية اعتماد سياسة خارجية متوازنة، قائمة على “حسن الجوار”، وخصوصاً مع روسيا والصين وبقية الجيران في وسط وجنوب آسيا. حسن الجوار في نظر توكاييف سيكون كفيلاً بجعل كازاخستان “همزة وصل” بين المحورين أو “قوة نقل ولوجستيات كاملة”.
النقل والخدمات اللوجستية لهما أهمية استراتيجية، نتيجة تشكّل جغرافيا اقتصادية جديدة لعالم تنمو تدفقاته التجارية بشكل مضطرد، من الصين باتجاه روسيا ودول آسيا ثم نحو القارة، وكذلك العكس.
ولهذا يخطط توكاييف للاستفادة من موقع بلاده الجغرافي، باعتبارها “مفترق طرق” يربط شمال العالم وجنوبه وغربه وشرقه، وهي ميزة قادرة على فتح آفاق غير محدودة في مجالي النقل والخدمات اللوجستية، باعتبارهما من أهم محركات التنمية، وذلك من خلال التالي:
- تنفيذ مشاريع بنى تحتية مثل سكك حديدية كبيرة، بالتعاون مع روسيا والصين.
- تنفيذ طرق نقل بحرية شبيهة لممر بحر قزوين، لزيادة حجم حركة المرور البحرية بمقدار 5 أضعاف، وكذلك توحيد الجهود مع الصين وأذربيجان وجورجيا وتركيا، من أجل الوصول إلى موانئ الخليج الفارسي، والتكامل مع مشروع “الحزام والطريق”.
- تطوير مطارات المدن في أستانا وألماتي وشيمكنت وأكتوبي، لجعلها مراكز متعددة الوسائط وقادرة على تقديم خدمات تنافسية عالية الجودة، في مجال تخزين وتوزيع البضائع.
- إطلاق عملية إعادة إعمار ضخمة وعالية الجودة، لأكثر من 4000 كيلومتر من شبكات الطرقات.
بحسب الخطة، فإنّ هذا التطوّير الديناميكي لقطاع النقل هو “مهمة استراتيجية”، من أجل زيادة حصة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من قرابة 6 في المئة إلى نحو 9 في المئة في السنوات المقبلة.
أمّا الخطوط العريضة للإصلاحات الاقتصادية، فإنها قائمة على الإطار الصناعي القوي، القادر على تأمين الاكتفاء الذاتي، مع تنويع قطاعات الاقتصاد، والتركيز خصوصاً على القطاع السياحي في البلاد، وتوازياً، إطلاق عمليات الخصخصة واكتتاب عام من أجل زيادة شفافية وكفاءة إدارة أصول الدولة.
أضف إلى ذلك أيضاً، تحديث إدارة قطاع التعدين لجذب الاستثمارات، لأنّها ضرورية في إطلاق عنان القطاع الصناعي مع الاستفادة القصوى من المواد الخام وثروات البلاد، وكذلك زيادة المشتريات المحلية حتى 10 في المئة على الأقل من أجل الحفاظ على ميزان المدفوعات.
يعتبر توكاييف في خطته، أنّ مشكلة الاقتصاد في كازاخستان هي نقص الاستثمارات، الذي يؤثر بشكل كبير على حجم النمو. أمّا سبب ذلك، فهو ضعف المصارف المحلية، التي لا تشارك إلاّ بشكل ضئيل في التنمية الاقتصادية من خلال تأمين القروض، وهذا ما يجبر الحكومة على التدخل من أجل التمويل المباشر، الذي يتعارض مع مبادئ اقتصاد السوق.
ومن هذا المنطلق تدعو خطة توكاييف إلى تحفيز المصارف الـ21 في البلاد من أجل مشاركتها الفعالة في إقراض الشركات ورواد الأعمال، مع جذب 3 مصارف أجنبية موثوقة إلى القطاع المصرفي في كازاخستان، لأنّ ذلك سيزيد عنصر المنافسة.
وكذلك تطوير سوق الأوراق المالية عن طريق جمع إمكانات البورصتين في كازاخستان تحت إدارة واحدة، وذلك لتحاشي تنافسهما وزيادة قدرتهما عن طريق استقطاب رؤوس الأموال أيضاً.
الهدف الاستراتيجي الآخر الذي تبنته خطة توكاييف، هو جعل كازاخستان مركزاً زراعياً ضمن القارة الأوراسية، وذلك من خلال الانتقال من الصناعة الزراعية البدائية إلى الصناعة ذات القيمة المضافة لزيادة حصتها في السوق إلى 70 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ولا شك أن النموذج الاقتصادي الذي يصبو إليه توكاييف، بحاجة إلى بنى تحتية متينة. ولهذا اعترف الزعيم الكازاخستاني في خطابه بأهمية الطاقة، التي أفرد لها جزءاً وازناً من خطابه. فكشف أنّه على مدى السنوات الخمس المقبلة، سيتم تشغيل نحو 14 جيغاوات من قدرات الطاقة الجديدة، من أجل التوقف تباعاً عن استيراد الكهرباء من دول الجوار، خصوصاً مع تطوير الطاقة النووية. فلا يُعقل أن تكون كازاخستان أكبر منتج لليورانيوم في العالم، ولا يكون لديها طاقة مولدة بالطاقة النووية الخاصة بها!
وكذلك توسيع قاعدة موارد الغاز، من خلال تسريع بناء محطات جديدة لمعالجته من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية إلى كازاخستان من أجل استكشاف وتطوير حقول غاز إضافية.
أمّا في المجال السياسي، فتشدد الخطة على أهمية إحداث تغييرات سياسية واسعة، هي بدأ بالفعل منذ العام الفائت، ويُنتظر توسعها في المستقبل، حتى تتيح للمواطنين الكازاخستانيين المشاركة بشكل مباشر في اختيار مرشحيهم المحليين وكذلك في صناعة القرارات على مستوى السلطة التنفيذية المحلية، وصولاً إلى توسيع تلك التجربة الانتخابية مع الوقت حتى تشمل مستوى انتخاب حكّام المقاطعات والمدن ذات الأهمية الإقليمية.
وتوازياً، ترمي الخطة إلى العمل على إزالة سائر مظاهر القيود البيروقراطية من أجهزة الدولة، بما يتيح للحكومة بعمل بشكل أكثر توازناً، حتى تستطيع تنفيذ كل ما سبق ذكره.