
كتب
فراس مصطفى
نقدم عرضا تحليليا لحضراتكم وهو مجرد اجتهاد وتفسير لقراءة الحدث فهي محاولة تحتاج الى تصحيح وتأصيل ،
ومن الله التوفيق
لسوء الحظ فقد جاءت الثورة السورية في لحظة تاريخية فارقة كان العالم فيها يتشكل من جديد فدفع السوريون الاثمان الباهضة نيابة عن كل العالم .
فقد جاءت الثورة في لحظة الضعف والانسحاب الامريكي من المنطقة بعد كارثة غزو العراق وسقوط هيبة امريكا وشعارات الديمقراطية ومانتج عن ذلك من انسحاب امريكي.
جاءت الصورة في لحظة تصاعد طموحات التوسع الايرانية والروسية والصينية لملء الفراغ الامريكي في المنطقة.
جاءت الثورة السورية في لحظة مهادنة العالم مع نفسه بمعنى ان كل الدول العظمى واوربا وروسيا والصين وامريكا كانوا يحاولون التعايش فيما بينهم وتجنب الصدام وتناسوا خلافاتهم الثانوية مع تركيزهم جميعا على شيء واحد اجتمعوا حوله وهو موضوع الحرب على الاسلام باغاباره العدو تحت عنوان مكافحة التطرف ومحاربة الارهاب الذي صار ماركة مسجلة باسم اهل السنة فصارت اي حركة تمرد سنية ضد اي حاكم ينظر اليها باعتبارها ارهاب يستوجب محاربته .
جاءت الثورة السورية في مرحلة برود العلاقات بين باراك اوباما والمملكة العربية السعودية وانحيازه الى ايران ومشروعها .
جاءت الثورة السورية في مرحلة تراجع فيها الاهتمام الاوربي الامريكي بحلف الاطلسي الذي وصفه الرئيس الفرنسي انه في موت سريري، نتج عن هذا ان فقدت تركيا دورها واهميتها لدى اوربا باعتبارها تمثل الذراع الجنوبي للناتو والدفاع عن اوربا ايام الحرب الباردة زمن الاتحاد السوفيتي، بل وصل الامر ان تركيا لم تفقد اهميتها لدى الاوربيين بل صاروا يعتبرونها عدو .
جاءت الثورة السورية في لحظة اصبحت اوربا فيها لاتميل الى المواجهة مع روسيا بل تبحث عن منحها جوائز ترضية كما كانت تفعل مع هتلر يوم كانت تتجنب الصدام معه اول الامر فاعطوه بولندا لترضيته ،وهكذا فقد اعطى الاوربي الضوء الاخضر لبوتين باحتلال القرم وسوريا وتركوا روسيا تتحكم في الملف السوري .
جاءت الثورة السورية في لحظة ازمة العلاقات الخليجية التركية تحت بند الخلاف مع تركيا المتهمة بدعم الاسلام السياسي فكانت ثورة سوريا احد ضحايا هذا الخلاف ، الامر الذي جعل بعض العرب يؤيدون الدخول الروسي لقمع الثورة بحجة النكاية باردوغان كما يزعمون .
ولاننسى ملاحظة مهمة جديرة بالاهتمام تتمثل في ان حافظ الاسد نجح في نسج علاقات وظيفية مع الشرق والغرب ليجعل من نظامه مكانا لتعايش كل الاطراف الدولية ويحفظ مصالحهم جميعا ولذلك صار الحفاظ على نظام الاسد بمثابة الحفاظ على النظام الدولي ومن هنا اجتمع كل العالم على الحفاظ على نظام بشار لان سقوطه يعني سقوط النظام السوري والنظام الدولي معا ..
في ضوء كل هذه المعطيات جاءت ثورة سوريا وتم التواطؤ على تسليم بوتين الملف السوري، فكانت اوربا وامريكا تغض البصر عن جرائم بوتين، وكانوا يتسامحون مع الخرق الروسي للعقوبات المفروضة على النظام السوري، وكانوا يسمحون للاردن على سبيل المثال ان يتشارك مع روسيا في اتمام عمليات المصالحة في حوران ، ويتسامحون مع انفتاح الاردن وتنسيق الملك مع بوتين، ويتسامحون مع ملف عودة العلاقات العربية مع النظام برعاية موسكو وكان ٱخرها اعادة فتح المعابر مع الاردن وتجاوز قانون قيصر في مسالة مرور الغاز المصري والكهرباء من الاردن عبر الاراضي السورية الى لبنان وكل ذلك كان يتم برعاية روسية حيث كانت موسكو تسعى الى إعادة تاهيل النظام ،ناهيك عن تخلي الامم المتحدة عن دورها وتسليم ملف التفاوض بين النظام والمعارضة الى بوتين ،حتى انهم تنازلوا عن مرجعية جنيف واعتماد مفاوضات سوتشي واستانه بدلا عنها مما يعني ان العالم سلم القضية السورية والملف السوري لموسكو.
ولكن الٱن وبعد الغزو الروسي لاوكرانيا فقد اضطرت اوربا التي كانت تتجنب المواجهة ، اضطرت لتستيقظ على جدية التهديد الروسي ووجدت نفسها وجها لوجه امام التحدي بحيث اصبحت مؤمنة حد اليقين انه لايمكن التعايش مع روسيا كدولة قوية لانها ستلتهم اوربا ٱجلا ام عاجلا ولهذا نلاحظ ان الكثير من الدول قد غيرت حتى من عقيدتها السياسية والعسكرية كالسويد والمانيا وفنلندا وصارت اوربا مجبرة على الدخول في مواجهة لم تكن ترغب بها،ذلك بعدما اصبحت روسيا تشكل تهديدا وجوديا لاوربا والناتو .
النتائج :
اوربا لاتستطيع ان تحارب على ارضها ولهذا سيعودون الى الطريقة التقليدية التي كانت سائدة ايام الحرب الباردة في الحرب بالنيابة منا يعني ان اوربا وامريكا ستعيد النظر في امكانية ازعاج روسيا في سوريا والعمل على الضغط على موسكو هناك مما يعني سحب التفويض المفتوح الذي منحوه لروسيا في سوريا والعمل على محاربتها هناك ،
وبالتالي فلم يعد مسموحا للاردن او الامارات او السيسي بالانفتاح على بوتين والتنسيق معه بخصوص سوريا وهذا سيعقد امكانية التطبيع مع الاسد .
ان عودة اوربا الى احياء الناتو تعني ان تستعيد تركيا اهميتها لدى امريكا والغرب مما يعطي تركيا ورقة قوة في المفاوضاتمع روسيا وايران بخصوص سوريا بينما كانت تركيا سابقا تحضر المفاوضات كمجرد مراقب ليس لها القدرة على اتخاذ موقف لانها كانت تشعر ان ظهرها مكشوف بسبب تخلي الغرب عنها .
ستحاول اوربا اعادة تفعيل العقوبات على الشركات الروسية التي تخرق العقوبات وتتعامل مع الاسد .
كانت اسرائيل تمسك العصا من المنتصف فتضطر للتساهل مع الدعم الروسي لبشار الاسد اما اليوم ورغم محاولات الساسة الاسرائيليين ان يلعبوا دور الوسيط ظاهريا ولكنهم في النهاية سيكونوا مجبرين على اعادة التموضع مع الغرب ضد روسيا في سوريا .
كان الغرب يتجاهل التهديد الروسي واطماع القياصرة في تركيا بل ويشجع روسيا احيانا، ولكنه اليوم سيعمل مضطرا الى تعزيز ودعم الموقف التركي وبالتالي ربما تتشجع تركيا على مجابهة موسكو وخصوصا في سوريا ،خصوصا اذا حصلت انقرة على ضمانات اوربية بالدعم الاقتصادي الذي يمكنها من الوقوف وجها لوجه في رسم العلاقات مع روسيا وليس طرفا ضعيفا مكشوف الظهر.