أحمد الأيوبي
ينظر الرأي العام السنّي إلى تسمية القاضي نوّاف سلام رئيساً لتشكيل الحكومة على أنّها خطوة كبيرة في التحوّلات الكبيرة التي يحتاجها أهل السنة للخروج من دائرة المراوحة والفراغ بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله وعمل تياره السياسي، وفشل نماذج “الزعامات” السنية الفردية التي أثبتت عدم جدواها وفسادها وعجزها عن تأمين الحقوق المهضومة والمغتصَبة والمستولى عليها في الدولة وخارجها، واستبدال القيادة المؤسساتية ذات القامة العلمية والمعنوية الرفيعة بحالات الزعامة الشعبوية المرتبطة بالمال السياسي وما رافقها من نشر للفساد والفوضى وسوء الإدارة وإساءة التمثيل.
لا يمكن للرئيس نواف سلام أن يقع في خطأ نظرية “العمل الوطني” و”أمّ الصبي” وأنّه للجميع فيتجاهل حقوق أهل السنة ويتغوّل عليهم الآخرون الذين استهدفوهم طوال السنوات الماضية، وهنا مكمن الخطر، فكما أنّ التعامل الطائفي والعنصري مرفوض، غير أنّ قواعد الدستور التي تحفظ للطوائف مكانتها وللمناطق حقها وللطاقات السنية فرصها في الوجود داخل مؤسسات الدولة وعلى جميع المستويات بالاستناد إلى ما يضمنه لها الدستور والقانون، ويعلم الرئيس سلام أنّ حقوق السنّة تعرّضت لانتهاكات واسعة وللانتقاص منها في جميع مواقع الدولة، وقد حرمها من مثّلها من مشاريع التنمية فتحوّلت إلى مناطق منكوبة بخلاف المناطق الأخرى التي تمكنت مرجعياتُها وأحزابُها من تأمين مراكز الصمود الاجتماعي فتجاوزت الانهيار والأزمات بالحدّ الأدنى من الخسائر، وبقيت المناطق السنية مفتوحة على أبواب المعاناة والتهميش المقصود.
ومن موجبات مراعاة السياق السياسي لوصوله إلى رئاسة الحكومة أن ينتبه الرئيس نواف سلام إلى ضرورة اعتماد التمثيل السني العادل والمنصف للمناطق السنية، وخاصة مدينة طرابلس التي اعتدى عليها الثنائي الشيعي في محطات كثيرة، كان آخرُها السطو على نيابة الدكتور رامي فنج بالقوة القهرية ومنح المقعد لمن لا يستحق، فيصل كرامي. وهذا يوجب إعادة التوازن والاعتبار للمدينة من خلال تمثيلها بالدكتور فنج في الحكومة المنتظرة لامتلاكه الكفاءة السياسية مقرونة بنظافة الكفّ والالتزام بالثوابت الإسلامية والوطنية الضرورية لحفظ التوازن وقوة الموقف في الحكومة.
لا شكّ أنّ تيار المستقبل قد خسر بوصول نواف سلام خسارة مباشرة بعد أن كانت النائبة السابقة بهية الحريري تقود التعبئة في صفوف بعض النواب السنة لصالح تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لإبقاء السنّة في ثلاجة انتظار سعد الذي غادر البلد عند خروجه من السلطة كعادته دائماً.
وبكلّ صراحة نقول إنّ الرئيس سلام سيواجه حرباً غير معلنة داخل الشارع السني، فرؤساء الحكومات السابقون عموماً، وخصوصاً الرئيس سعد الحريري ومن تبقى من منظومته سيسعى إلى تقويض حكمه لأنّه يُمثل بديلاً صالحاً عنهم ويخشى إذا نجح سلام في الحكم أن يكون أهل السنة في لبنان قد تجاوزوا عقدة سعد الحريري وتمكنوا من إيجاد قيادة بديلة رشيدة تستجيب لحاجاتهم بعد عقود من الحرمان ساهم فيها الحريري بشكل كبير، تعمل على أساس مؤسساتي وتنموي عصري وليس على شاكلة السلوك الفاشل لمنظومة “الزعامات” السابقة.
بوصول نواف سلام ينفض أهل السنّة الغبار عنهم ويتطلعون إلى أن يُعطي الرجل الآتي من أعلى مواقع العدالة الدولية، الأولوية لقضاياهم وأن ينتبه إلى الحساسيات الاجتماعية الكبرى التي يحملونها تجاه المشاريع التي حملها بعض من رفع شعارات “التغيير” لتطال الثوابت الدينية، ومن ذلك تأييد تشريع الشذوذ الجنسي والزواج المدني وفرض القوانين المناقضة للشريعة الإسلامية في ما يتعلق بالأحوال الشخصية وغيرها من العناوين التي يستغلّها بعض نوائب التغيير للتسويق لدعوات الشذوذ وإلصاقها بالرئيس المكلف.نذكِّر في هذا السياق أنّ هذه الملفات الثقيلة سبق للرئيس الشهيد رفيق الحريري أن تخلّى عن طرحها ورفض تأييدها بعد أن أدرك أنّها ستكون محرقة سياسية له، وأن إثارة هذه العناوين لا تأتي من باب الإصلاح، بل من باب فرض القيم الفاسدة لليسار الأميركي المنهزم أمام الرئيس الأميركي الجديد – القديم دونالد ترامب الذي يحارب هذه المشاريع ويعلن تصديه لها عبر العالم، كما أنّها وسيلة التمويل الملتبسة للنواب الذين يحملونها.
لا يصحّ أن يقبل الرئيس نواف سلام أن يقوم أمثال إبراهيم منيمنة وحليمة قعقور وبقايا اليسار الفاجر بإلصاق مشاريعهم المرفوضة في الشارع الإسلامي بالرئيس سلام، وهذا التوجه بدأ يتصاعد من دار الفتوى ومن مختلف شرائح المجتمع الإسلامي، وهذا ما يجب أن يراعيه ويأخذه بعين الاعتبار، بالهوية السنية المحافظة المعتدلة هي الهوية التي حافظت على وجود السنة في المعادلة اللبنانية.
أخيراً، نلفت نظر الرئيس نواف سلام إلى هذه المقاربات، لأنّنا نخشى أن تكون نظرته المثالية للعمل السياسي مدخلاً لسوء الاستغلال بأشكال مختتلفة، لذلك نراهن على أن يختار بطانة صالحة متنوعة متنورة تحافظ على الثوابت الإسلامية والوطنية ولا تنحاز إلى مشاريع مشبوهة لا تفيد المجتمع ولا تساهم في بناء الدولة.