يجري الاحتفالُ السنويُ باليومِ العالمي ِ للتضّامن مع الشّعب الفلسطيني بتاريخ ِ 29 نوفمبر من كلّ عام متزامنًا مع يومِ تقسيم فلسطين عام 1947، والذي قررت فيه هيئة ُ الأمم آنذاك قرارها رقم (181) ، والقاضي بإنشاء دولتين عربيةٍ وأخُرى يهوديةٍ، حازت فيه الأخيرة على 55% من أراضي فلسطين بتصويتِ لم يستغرق أكثر من ثلاث دقائق.
إن هذا القرارَ الظالم َ المجحفَ الذي اقتطع ما يزيد ُ عن نصف أراضي فلسطين هو قرارٌ يُصادر إرادة شعبها ولا يحترم حقه في إدارة أرضه وحكمها وبدون مشاورته أو رضاه، بل تم فرضه فرضًا بالمواصفاتِ والمعايير ِالاستعمارية المتطرفة، وتلبية لرغابته ليكون هذا الكيان حاجزًا يمنع وحدة الدول العربية، ونهب خيراتِ شعوبها، ويعمل هذا الكيان لحسابِ الدولِ الاستعماريةِ ، وتأمينًا لمصالحها ، وضمانًا لسيطرتها على طرقِ المواصلاتِ وتحكمها فيها.
من الواضح أن القرار 181 صادر عن دولٍ تدعي الديمقراطية واحترام إرادة إستفتاء الشعوب في خياراتها السياسية ِ والمستقبلية ِ ، فسقطت أقنعتها وظهرت عوراتها في قرارها ، والعمل على إنجازه وحماية استمراره وديمومته، وهو بمثابة إعطاء الشرعية السياسية للاحتلال وشرعنة احتلاله ، وموافقةٍ ضريحةٍ واضحةٍ على تشريد ِشعب فلسطين، وتهجيرهم ومنع ِ عودتهم لأرضهم وديارهم والحيلولة دون قيامِ دولتهم كباقي شعوبِ الأرض ِ، وسكان ِ العالم، بل هو تتويجٌ لوعدِ بلفور والانتدابِ البريطانيِ لفلسطين، والذي مارس أبشعَ صورِ الإجرام، وكافة أنواع الطلم بحقه، وشجعَ هجرة يهود العالم، ودعمهم بكافة ِ أشكالِ الدّعم والإسناد.
تأتي هذه الذكرى السنوية في ظلِ ما يتعرض له قطاعُ غزة من حرب إبادة جماعية لشعب أعزل ، وتدمير ممنهج للبنى التحتية ، وقصف للمساكن ِ فوق َرؤوس ِأهلها المدنيين، تلاه ملاحقة المهجرين منهم داخل القطاع ِوالذين يسكنون في الخيام بوسائل القتل والدمار وتدمير المستشفياتِ ، وأماكن العبادة من مساجد وكنائس ، عدا ما يتعرضُ له الفلسطينيون في الضفة من ملاحقةٍ وإعتقال وتسليح آلاف المستوطنين وتشجيعهم على حرقِ وإتلافِ ممتّلكاتِ الفلسطينين ، وفي إشارةٍ من قادةِ الاحتلال بتهجير أهالي الضفة وغزة إلى بلاد عربية مجاورة أو إغراء بعضهم لدفعهم بالهجرة إلى دول العالم المختلفة.
كما تاتي هذه الذكرى بتناسبٍ طرديٍ وبتسارع تتعرضُ له مدينةُ القدسِ من تغيير طابعها الحضاري والتضييقِ على المقدسيين ، وإثقالهم بالضرائبِ وإغرائهم لبيعِ عقاراتِهم بأثمانَ باهظةٍ مغريةٍ دفعا لتهجيرهم، إضافة لاقتحامات المستوطنين اليومية المنظمة والمبرمجة وبحماية شرطةِ الاحتلال وتشجيعًا من قادته وصولاً لتقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانيًا بعدما تم تقسيمه زمانيًا.
هذا اليومُ التضامنُّي الذي أقرتُه الجميعةُ العموميةُ للأمم المتحدة منذ عام 1978 لتذكير الضمير العالمي وكل قواه الحية بمعاناةِ الشعبِ الفلسطينيِ ، وإعلانِ التضامن مع قضيةِ العادلةِ ، لنيل حقوقه المغتصبة يشكل فرصة أمامه وأمام هيئاته ومؤسساته وقواه المختلفة، للتأكيد على ثوابته والاستمرار في نضالِه وكفاحِه لاستعادة حقوقه المغتصبة والمسلوبة، لتحرير أرضه وعودته إليها، وممارسةِ حقه في وحدةِ قراره وقيادتهِ وسيطرته ِوإدارتهِ.
بلغَ استهزاء الدولةِ اليهوديةِ والتي أنتجها وأفرزها قرار 181 أن وقف سفيرها في الأمم المتحدة، والصادر عنها القرار، وأثناء انعقاد الجلسات ومن على منصتها قام بتمزيق ِ ميثاقها أمام الحاضرين ونقل وسائل الاعلام المختلفة للمشهد، تبعه رئيس وزرائه بإلغاء وجود وكالة غوثٍ وتشغيل اللاجئين الفلسطينين في الأراضي الفلسطينية، بعد أن قصف مقراتها، ودمرها فوق رؤوس المدنيين، الذين لجاؤا إليها، هربا من آلات فتكه ودماره ، علما أن مقرات وكالة الغوث محميةً بالقانون.
مما يجب الانتباه له والحذر منه، أن تتحول قضية الشعب الفلسطيني إلى قضية إنسانية لرفع معاناة الظلم عنه، وإيصال مساعداتٍ إغاثيةٍ له لاستمرار بقاءه ينبض بالحياة فقط، فالمعاناة ليست هي المشكلة بل هي نتاج مشكلة احتلال مستعمر ، إنما قضيته قضية وجودية ينبغي العمل على إنهاء مسبباتها، وهي وجودُ ومحتل غاصبٍ إحلاليٍّ استعماريٍّ لا يتمتع إلا بعقليةِ الإجرام والقتل وإنكار الآخرِ.
هذا الكيانُ الغاصبُ الإحلالي الاستعماريُّ والذي حصل على الشرعيةَ السياسّية والوجودية بقرار 181 ، والصادر عن هيئةِ الأمم ، والذي يستهزىء بها وبمؤسساتها ، وينال من موظفيها واتهامهم بالباطل، فإذا كانت الهيئة جادة في يومِ تضامنها مع الشّعب ِ الفلسطينيِّ ، فعليها أن تقف موقفًا جادًا بالاعترافِ السياسيِّ الواجب ِ بالشعب ِ الفلسطينيِّ وبدولته ، وأن تردع الاحتلال عن جرائمه.
إن التضامنَ مع الشّعب الفلسطيني في هذه المناسبة السّنويةِ ينبغي أن لا يكون بإقامة الفعالياتِ في مبنى هيئة الأمم وغيرها كما جرت العادة، بل هو يومٍ لتركيز الضغط على دولةِ الاحتلال بكافةِ أشكال الضغط ووسائله وأنماطه، وصولاً لتعليق عضويتها في هذه الهئية ِ، ومنح فلسطين عضوية كاملة ً كدولةِ ذات سيادة ٍ كما هي الدّول الأعضاء في هذه المنظومةِ الدّوليةِ.
أرى في هذا الاسم ( اليوم َالعالميَّ للتضامن ِمع الشّعبِ الفلسطيني ِ) هو استمرارٌ لتكريس الاستعمار واحتلالِ الأرض وتأكيد مباشر أو غير مباشرٍ على شرعية ِ الكيانِ، وكأنّنا سّلمنا ورضينا بالأمر الواقع بحيثُ يتضامنُ العالمُ في يومٍ سنويِّ ، ويبقى الاحتلالُ قائمًا ، بل لابّد من تغيير العنوان إلى ( اليوم العالمي لعودة الشعبِ الفلسطيني ِإلى وطنه ) والعمل على اتخاذ الاجراءات والوسائل اللازمة والضرورية للسير بخطواتٍ جادةٍ تجاه عودته إلى وطنه.
ويقولون متى هو ،،، قل عسى أن يكون قريبًا
المجد والخلود للشهداء ،،، الحرية للأسرى الأبطال ،،، الشفاء للجرحى البواسل
مـنـيـــر رشــــــيد
عضو الأمانة العامة للمؤتمر
الشعبي لفلسطيني الخارج