أحمد الأيوبي
لا يتوجّه جبران باسيل إلى أرضٍ إلاّ سبقه إليها الغضب والرفض والاحتجاج وإعلان المقاطعة والتعبير عن الاعتراض على نزوله في هذه المدينة أو تلك البلدة وكأنّه لعنةٌ يريد الأهالي طردها خارج نطاقهم، وقد تكرّس هذا الوضع منذ أن بدأ جبران جولاته الاستفزازية في العام 2019 من جبل لبنان إلى طرابلس، واستمرّت حتى الساعة من دون أن يتّعظ أو يغيّر من سلوكه الاستفزازي، بل وكأنّه بات يطرب لسماع صراخ النبذ والرفض له في كلّ مرّة يحاول اقتحام منطقة من المناطق، فيتحوّل إلى سائح فتنة، كما جرى تماماً في جولته الأخيرة في البقاع.
يأبى صهر الجنرال إلاّ أن يتحوّل حضوره إلى مشكلة، فيختار أكثر الخطوات إشكالية، ويقوم بها، كما فعل بالإعلان عن زيارته لأحمد القطان مسؤول سرايا المقاومة في بر الياس والذي استغلّ الموقف لتوجيه الإساءات الشنيعة إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان تحت ستار الموقف من احتجاجات أهالي البلدة ورفضهم دخول باسيل إليها، وهو المعروف بولائه المطلق لـ”حزب الله”، الأمر الذي كاد أن يؤدي إلى فتنة داخل البلدة.
سياسياً لا يكسب جبران باسيل بهذه الجولات الاستعراضية الاستفزازية سوى المزيد من إعلان الرفض والكراهية لمن يذوق اللبنانيون وخاصة السنة منه الاضطهاد والتمييز، سواء في توزيع الكهرباء أو في كلّ ما يتعلق بحقوقهم في الدولة.. فما سرّ هذا الإصرار على مواصلة هذا الفعل المستغرب؟ وهل نحن أمام حالة من الانفصام السياسي عن الواقع، وبالتالي يعتبر جبران نفسه بطلاً يخوض التحديات، تماماً كما هو حال من يحارب طواحين الهواء؟!
تسبّب جبران في جولته البقاعية بتوتر واضح دفع دار الفتوى في زحلة والبقاع إلى رفض استقباله وسط اعتراض شعبي عارم امتدّ من مجدل عنجر حتى برّ الياس، وهو موقف عميق في عموم المجتمع السني على كامل الأراضي اللبنانية، مع امتدادها إلى المغتربات ومن يتابع من العرب الشأنَ اللبناني.
شقّ جبران باسيل طريقه نحو السنّة في لبنان بخطى مليئة بالتمييز والاعتداء على حقوقهم معنوياً، حاملاً موقف عمه ميشال عون الذي وصفنا بالحيوانات، وهو يتوهّم أنّه قادر على اختراق المناطق السنية باعتبارها أرضاً بلا صاحب، وأنّه إذا تمكّن من صفّ بعض من انتهت فعاليتهم من نواب سابقين أو مرشحين أو منتحلي صفة مشايخ.. فإنّه يكون قد دخل عرين السنّة ويستطيع أن يعمل في السياسة بشكل طبيعي.. لكنّه يخطئ كالعادة في تقدير الموقف ويكرّر الأخطاء مراراً وتكراراً.
كشفت تداعيات حركة باسيل على المستوى السني أنّ ما يسمى مسؤولي “سرايا المقاومة” في المناطق السنية معزولون عن أيّ عمقٍ حقيقي في المجتمع، ولا يشكّلون سوى حالة ناتئة منبوذة، تمثّل داعميها، وهي تعكس المثال الأسوأ في العلاقات السنية الشيعية، باعتبار أنّ “حزب الله” دأب على محاولة تكريس هذه المجموعات كحالة أمرٍ واقع وهي في نظر الشارع السني حالة اختراق واستفزاز غير قابلة للتفاهم معها.
وما يثير المزيد من غضب اللبنانيين هو تلك المواكبة العسكرية الضخمة المؤللة وغير المفهومة وغير المبرّرة التي يجتاح بها باسيل المدن والبلدات كلّما تحرّك، فهل يدفع اللبنانيون من أموالهم ليقوم باسيل بهذه الحركات الفتنوية، ويضع الجيش وأجهزة الدولة في مواجهة الناس عند كلّ احتكاك!
سمعنا أنّ الحكومة اتخذت قراراً بتقليص الحمايات والمرافقات الأمنية للسياسيين، فكيف يستمرّ هذا الاستغلال السيء للأجهزة الأمنية من دون اعتراض ولا محاسبة؟
لم يعد بإمكان جبران باسيل تغيير صورته التي ترسّخت في عقول وقلوب اللبنانيين وهي أشبه بالوباء الذي يتجنّبه الجميع، وبينما يتساقط تياره العوني العنصري ويتفكّك فإنّ رئيسه يمارس لعبة الرقص على حبال الفتنة، ولا شكّ أنّه سيسقط على رأسه..